جنية الفيس بوك الشبقية : قصة قصيرة - مهدي قاسم
جنية الفيس بوك الشبقية : قصة قصيرة


بقلم: مهدي قاسم - 31-03-2017
فجأة ارتسمت أمامه على شاشة الحاسوب شفاه مكتنزة ومخضبة بقرمزية قانية و مترعة بشهوانية حارة ، ثم بعد ذلك بلحظات أرسلت له تلك الشفاه المجهولة و الطارئة قبلة طويلة وملحة ، وكانت من شراسة لحد أبعد وجهه عن الشاشة مرتبكا و حانقا بعض الشيء ، و أعقبت تلك القبلة كتابة عبارة مستعجلة :
ـــ هذه القبلة لك أيها الولد الخجول ..عربون حب قادم لا محالة !.. حب مجنون سيؤدي بنا أما إلى الداهية أو إلى أعلى الأعالي لتكون أنت نسري الجميل و أنا حمامتك الوديعة والحلوة الرائعة !..
ولكنه بلا من رد أو تعليق سارع و حذف القبلة والكتابة وعلامات الانزعاج لا زالت باقية على ملامح وجهه المتجهمة ..
ولكن في هذه المرة ظهرت له صورة فتاة أو امرأة شابة بملامح وسيمة توحي بالأنوثة والشبق المكتوم ، و بشعر طويل ينبسط على كتفيها مسترسلا كذيل فرس طويل وكثيف ، فكتبت :
ــ أنا حقا أموت من أجل رجال خجولين ، حيث تصعد الحمرة القانية على خدودهم من شدة الخجل ، وهم يرون امرأة تغازلهم أو تتعرى أمامهم في خلوة منفردة ودافئة بين ظلال عتمة مخيمة بشحة نور خافت .. فأنت من هذا النوع من الرجال : طفل كبير يحلم بحضن أمه دوما وعلى طول الخط ، بينما هو يرغب النساء على بعد بعيد .. فما أن تقترب منه فتاة حتى يُصاب بهلع و فزع ..فيا حبيبي ! ..الرجل الخجول و الجبان لن يحظى بنساء جميلات أبدا ..
حرك أصبعه لكي يحذف الفقرات المتساقطة بسرعة عجيبة ، ولكن ثمة فضولا منعه من ذلك ، بل دفعه إلى أن يكتب سائلا :
ــ وأنتِ ؟ .. حضرتك الموقرة ( لا نعرف هل كتب عبارة " حضرتكِ الموقرة " تلك ساخرا أم احتراما ) من أين تعرفين كل ذلك ..
ـــ ههههه .. إنه سؤال كان متوقعا على أية حال !.. أنا أعرف عنك كل شيء !.. بل أحيانا أضبطك ممارسا حتى العادة السرية ! .. هههه.. فأليس من الغبن الكبير أن يكون العالم مكتظا بملايين الفتيات العازبات و الحالمات بفارس أحلامهن وبالنساء المطلقات والمهجورات والمستوحدات ، واللواتي يحلمن برجال يطقطق عظامهن بأذرعهم المفتولة ، بينما أنت تهدر طاقتك وحيدا مستوحدا كناسك ممسوس .. أراك تنوي الهروب مرة أخرى .. و هذا ليس من شيمة رجال شجعان !.. أ إلى هذا الحد تجعلك الحقائق قلقا ومضطربا ؟ .. ولكن الهروب لا تحل المشاكل العالقة يا حبيبي ! ، فهذه الحقيقة معروفة لأغلب الناس في العالم !.. فأبق ثابتا ومثابرا كما الشجرة أمام ريح عاتية !..
فكتب هو مستاء وهو يمسح جبينه من بعض قطرات العرق مع أن الطقس كان باردا جدا :
ـــ إنشاء سخيف ومكرر !.. حقيقة أنتِ كلما في الأمر تهرجين لا أكثر .. و لا من الممكن أن تعرفي عني أي شيء يُذكر .. و أخيرا لا تقولي لي يا حبيبي ـ لأن مبتذلة مثلك لا يمكن أن أكون أنا حبيبها !..
جاءته موجة من ضحك عميق وبنبرة مسالمة ومتسلية ، حتى لم يكن ليخطر على بالها الزعل أو الاستياء :
ـــ هل قلتَ أنا لا أعرف عنك شيئا ؟ .. و هل فعلا تعدني مجرد مهرجة ؟. طيب إذن فماذا تفعل صورة هيفاء وهبي شبه العارية على أحد جدران حمامك بنهديها النافرين ؟.. و شيء أخر : ألا توجد شامة على صدرك الأيمن على صورة موز؟ .. لأن أمك كانت حاملة بك عندما رغبت هي بالتهام شيء من الموز !.. وكما ترى إنني أعرفك جيدا حتى من خلال جسدك ؟.. فمثلا ظهرك مشعر بشكل يوحي كما لو كنتَ حيوانا بريا أليفا !.. فلديّ كامرتي الخفية !.. ولكن لا تبتئس !..فأنا يعجبني الرجل المشعر لأنه يحسسني بكل ما هو بدائي آسر وغامض بطقوس وحشية مبهجة !..
و بينما هو كان ينوي إغلاق الجهاز نهائيا و قطع الطريق على هذه المخلوقة الدخيلة والملحاحة جدا ، فأنه عدل عن ذلك لأن المعلومات التي أدلت بها تلك المخلوقة الإنترنتية عن شخصه كانت معلومات صحيحة ودقيقة إلى حد ما ، فاحتار مبهوتا ، ومشدوها ، إذ بدت تلك المخلوقة كما لو كانت قد عاشرته ردحا من الزمن كزوجة أو شيء من هذا القبيل ، بينما ، وهو على الرغم من أنه قد تجاوز السن الثلاثين فلم يقترب من امرأة أو يذق طعمها الأنثوي اللذيذ والعذب .. فكيف ممكن هذا ؟ .. ومن ثم صورة هيفاء وهبي النصف عارية وهي تتدلى معلقة على أحد جدران الحمام في بإثارة تجعل حتى القديسين يلثمون نهديها المندلقين بإثارة واهتياج مصعوقين !..
هل هي قالت له ذلك أم هو تخيل الأمر على هذا النحو ؟ ..
من شدة بهوته و استغرابه أخذ يحرك ويهز ركبته بضراوة وكأنه في رقصة قبائل همجية ، وقد ساءه أن تتعرض أسراره الخاصة والصغيرة إلى كل هذا الانتهاك والعري والهتك الفظيع :
ــ فهل معقول أن نصبح عراة وسفورا مع أسرارنا وخصوصيتنا الخاصة إلى هذا الحد البائس ؟..
سأل نفسه بصوت عال دون أن يفطن إلى ذلك ، حتى سمعته آنسة الإنترنت فردت " هي " بسرعة كما لو كانت تنظر منه هذا السؤال على وجه التحديد :
ــ بالطبع ! ..فلكل شيء ثمنه .. فلا يمكن للعالم أن يتطور بهذه الصورة المذهلة دون أن يدفع ثمنا باهظا من خصوصياته وأجزاء حميمية من روحه .. ولكن دعنا من هذا التفلسف البارد و غير المجدي ، يا حبيبي الغالي !.. فقل متى سنلتقي قريبا ، فأنا حقيقة أتحرق شوقا لهذا اللقاء !.. فسوف ترى كيف سأمتص نسغ عظامك الهشة ،.. هههة .. أنا حبيبتك الحيرانة والملتاعة والمهتاجة والظمآنة شوقا وقربا ! ، ومن ثم سأختفي فجأة قبل أن تملني أو تضجر مني .. فأنا لا أحب أو أكون عبئا على أحد ما .. فهذه هي حسنتي الوحيدة بين سيئاتي الكثيرة والعديدة .. فسوف تبحث عني وتسأل كمجنون ليلى : أين راحت حبيبتي جنية الإنترنت ، حبيبتي الحلوة و اللذيذة كطعم المشمس والعطرة الفواحة كريحانة الينابيع وهيل الأسحار البهيجة ؟ ..فأنا أريدها ولا يمكنني العيش بدونها ؟.. ثم تبكي باحثا عني بدون أي جدوى !.. فآنذاك سأكون قد رحلتُ بعيدا ، بعيدا جدا ، ربما ، نحو كواكب أخرى .. لكي لا يدركني الملل المميت من خواء هذا العالم المتفاقم !..
مكث صامتا لبعض الوقت ، كأنما ذخيرة الكلام والتفكير قد نفدت من جعبة ذهنه ، ربما بسبب حيرته من الأمر برمته ، فلولا الشامة الممتدة عند صدره الأيمن وصورة هيفاء وهبي المتدلية بكل تحد سافر، لاعتبر الأمر مزحة أو مشاكسة مزعجة أو محاولة استهبال من قبل أحدهم ، فوجد أن أفضل حل لكل هذه الإشكالية هو أن يغلق جهازه لبعض الوقت ..
وُطفئت العين الخضراء بنقرة مستعجلة ..
ولكن دون أن تمضي بضع دقائق حتى عاد الجهاز ليشغل نفسه بنفسه كأنما ثمة قوى خفية تدخلت في الأمر ، ولتظهر الصورة مجددا ل"جنية الإنترنت " وهي تقول له بلطف :
ــ كلما في الأمر أردتُ أن أقول لك مودعا : مع السلامة يا حبيبي .. فيليق الوداع حتى إذا كان الفراق قصيرا ، وخاصة بين المحبوبين و العشاق المتلهفين !..
وكم كانت دهشته كبيرة عندما وجد نفسه يرد عليها ساهما :
ــ مع السلامة !..
و سرعان ما أدرك بأنه قد دخل اللعبة سهوا أو بدافع الفضول ، ولكن الذي هاله أكثر هو قيام الجهاز بتشغيل نفسه بنفسه !..
فكيف يمكن أن يحدث هذا ؟ ..
فأغلق الجهاز مرة أخرى بنقرة قوية وحاسمة..
ولكن بعد لحظات قليلة رجعت العين الخضراء تومض مجددا بعد تموجات راقصة من ضربات حمراء خاطفة كبرق باهر ، وما هي إلا ثوان وإذا " بها " تظهر مرة أخرى لتقول :
ــ عفوا !.. نسيت أن أقول بأنني من المحتمل سأزورك الليلة إذا أنهيت أشغالي مبكرا وفي وقتها المناسب مع السلامة ..
انتابه انزعاج جديد بسبب هذا الإلحاح والنبرة المتحدية وكذلك بسبب هذه الثقة المفرطة بالنفس : "من المحتمل سأزورك الليلة " .. فهي لا تستأذن ، وإنما تقول ذلك كأمر واقع وتحصيل حاصل غير قابل للشك أو للمراجعة أو الرفض.. كما لو كنت عبدا لها ..
فأغلق الجهاز للمرة الثالثة متهيئا وواقفا بالمرصاد ليغلق الجهاز فيما إذا شغل نفسه بنفسه من جديد ..
ولكن الجهاز بقي هادئا و ساكنا و كذلك العين الخضراء بقيت مطفئة ومعتمة .. ليكتشف بأن الوقت قد مضى وانقضى سريعا ، وأنه أخذ يشعر بإنهاك و بخوار قواه الروحية والجسدية ، فرغب بالتمدد على فراشه لاستعادة حيويته المسلوبة من قبل هذه " الجنية " المدعية والمشاكسة ، وأخذ يتفرج على شاشة التلفاز وكم هاله أن يرى هيفاء وهبي تغني مندفعة بنهديها المكتنزين بحركات مثيرة و مؤججة ، فاستغرب هذا التوقيت والترتيب والصدفة الغريبة ، كأنما ثمة تآمرا بين الاثنتين قد نُسجت فجأة وبخفاء كامل بغية إرباكه و اضطرابه ، غير إن نظره بقي مشدودا بالشاشة حتى كّل و تعب وتخدر كأنما وسط أمواج دافئة و ....
و فجأة أخذت العين الخامدة للجهاز تومض من جديد بضربات قوية وتكتكة سريعة ومتراكضة ، حتى اهتز الجهاز كأنما هزوه هزا عاصفا ، و انشقت الشاشة فخرجت منها امرأة كانت ملامحها تشبه تماما ملامح " جنية الإنترنت " تلك التي ودعته قبل ساعات قليلة ، كانت ترتدي قميص نوم شفافا حريري الملمس أبيض اللون ولكن بذيل طويل جدا و بلا نهاية ، وكانت تتقدم نحوه دون أن تتعثر والظلال تتكثف وتمتد حولها وحيثما تخطو ، وبدت الأشياء وكأنما نامت جميعا في عالم مقفل وخامد ، يا لهذا السكون الرائع ، وفي هذا الوقت البهيج بالذات !، فكر مبتسما ، بينما أنا فكرتُ بأنها تمزح معي أو تتسلى لتمضية الوقت أو السخرية من الرجال ..
فأراد النهوض لكنه شعر بأنها تضع يدها فوق رأسه طالبة منه البقاء كما هو ، فبقي كما هو !، و بما أن صوته كان غافيا أيضا فصاح بأعلى صوته هاتفا بترحاب حار:
ــ يا أهلا بهيفاء !.. وسهلا و مرحبا .. في الحقيقة ما كنت لأصدق بأنكِ ستزورنني هكذا فجأة !.. لأن أمرا كهذا لا يحدث إلا في الحلم !..
فسألته هي مستغربة وبشيء من الفتور:
ــ هيفاء ؟ .. عن أية هيفاء تتكلم ؟ .. ألم تر أنني لست هيفاء وإنما " جنية الإنترنت " لقد وعدتك بالمجيء وها أنا ذا ! .. بينما كنتَ تنتظرها ، نعم ؟ .. يا لك من خائن وعديم الإخلاص ! .. حقا من هي هيفاء هذه ؟ .. أها ! .. تذكرت .. تلك التي صورتها تتدلى من جدران حمامك أليس كذلك ؟.. وبالمناسبة لماذا هي هناك بالضبط ؟.. ههههة .. شحاذ الرغبات ويتدلل ويختار ! .. أوف منكم أيها الرجال !.. لقد أضعت على نفسك فرصة ثمينة بتفضيلك إياها عليّ ، سأرجع من حيث أتيت ، فأنك لا تستحقني قطعا !..
ثم أخذت تتراجع عنه خطوة فخطوة و كأنها تخشى من ذيل ثوبها سيتشبث بشيء ما ويعرقل انسحابها السريع ، وبذل هو جهده المضني لينهض ويقنعها بالبقاء ولو بضع دقائق فقط ، وعندما جمع قواه ونهض ، كانت هي قد غارت واختفت تقريبا داخل الشاشة ، وبالكاد تمكن هو التشبث بذيل ثوبها الذي شده نحوه بكل قوة ، ولكن ذيل الثوب قد تملص من يده ، ولم ير غير شاشة جهازه ترتطم بالأرض بقرقعة كبيرة !..
فيما بعد ، عبثا بحث عنها هنا و هناك و انتظرها ، قافلا الجهاز عسى و لعلها تظهر فجأة ، حتى أنه قد أخرج صورة هيفاء وهبي من الحمام ورماها في القمامة لأجل خاطرها هي وترضية لها ، ولكنها أبت الظهور نهائيا ، كأنما سافرت فعلا إلى كواكب أخرى ..
وفكر مشدوها :
ــ حتى إنني لم أملها وهي لم تكن عبئا عليّ .. فلماذا هذا الاستعجال والاختفاء المبكر ؟..
أخر شيء نسبه إليها وهي العبارة التالية :
ــ عندما يخلق المرء شيئا من بنات أوهامه فأنه يبقى متعلقا به حتى النهاية ، على الرغم من عبثية الأمر !.. فأليس جمعينا يعيش في وهم و من أجل وهم فقط .. فانتظرني لتجد لحياتك ثمة معنى للمثابرة و العيش المقبول والمقنع !..



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google