العقاب وحماية المجتمع! * - د. رضا العطار
العقاب وحماية المجتمع! *


بقلم: د. رضا العطار - 31-03-2017


ان احتمال التقصير في حقوق الانسان الفرد في ظل نظام (حماية المجتمع)، وتعرض الفرد لاجراءات تعسًفية دون ذنب جناه. ويمكن لتدابير حماية المجتمع ان تتخذ اشكالا بالغة القسوة في حالتي المنع والوقاية من اخطار محتملة.
ولقد استخدمت تدابير من هذا النوع في بعض البلاد ضد المعارضة السياسية. والمثل الرهيب على ذلك هو اجراءات
(التطيرالستالينية) التي ذهب ضحيتها – حسب تقديرات معينة – عشرة ملايين شخص تمًت (ابادتهم) تماما. ويجب ان نفهم ان عمليات التطهير لم تكن عقوبة على جرائم ارتكبت، انما هي (تنظيف) المجتمع من عناصر غير مرغوب فيها. ونلاحظ ان مصطلح (تحييد) او (تطهير) ينتمي الى اجراء آلي، فهما ينطويان على فكرة آلية. وبناقض ذلك ان (العقوبة) فكرة اخلاقية ظهرت – اول ما ظهرت – في الكتب الدينية القديمة باعتبارها عقوبة من الله، فهناك علاقة اصطلاحية وتاريخية بين الدين ونظرية العقوبة. فلا عجب ان ينطوي التقنين الذي يتضمن العقوبة على فلسفة مثالية، بينما تنطوي القوانين القائمة على مبدأ (حماية المجتمع) على فلسفة وضعية.

تتمشى فكرة العقوبة مع العملية القانونية، بينما تتمشًى تدابير حماية المجتمع مع فكرة العلاج. والمحاكمة القانونية، دراما تتعامل مع اخطر قضية انسانية واكثرها اثارة . . قضية الحرية والمسؤولية والعدالة. لقد ارتبطت المحاكمة دائما بمراسيم ثابتة تذكرنا بالمسرح الدرامي او بالشعائر الدينية. وعلى نقيض ذلك تدابير حماية المجتمع، فهي مسألة يقررها طبيب او معالج نفسي او عالم اجتماع او السلطة الادارية، بعيدا عن القاضي. وبصرف النظر عن الناحية العملية، تعتبر تدابير حماية المجتمع جزءا لا يتجزأ من التلاعب الشامل بالكائنات البشرية في (الطوبيا). ففي (الطوبيا) لا وجود للمحاكم او المحاكمات، لانه لا يوجد في (الطوبيا) حرية ولا مسؤولية . . ولا اخلاق ولا قانون، كما كان الحال في زمن ستالين.

من اجل ذلك نعاقب الانسان الحر، ولكننا نحمي انفسنا من (عضو المجتمع). فعضو المجتمع لا هو مذنب ولا هو مسؤول، وانه إما مفيد او ضار. وليس له في ذلك ادنى اختيار انما هي حقيقة، والحقائق لا مشاعر لها. وليست الانسانية بالضرورة شفقة كما عبًر عن ذلك (ابكتيتوس) بقوله: ( انك تُشفق على المقعد والاعمى، فلِمَ لا تشفق على مرتكبي الشرور ايضا ؟ انهم اشرار ضد ارادتهم)، وهذا ما يعكس مضمون ما جاء في السورة القرآنية المؤمنون:
(أفحسبتم انما خلقناكم عبثا وانكم الينا لا ترجعون) . . . فهذا نموذج للشفقة وليس للانسانية او الدين. فالانسانية هي التاكيد على الانسان باعتباره كائنا حرًا مسؤولا. ولا شيء يحطً من قدر الانسان اكثر من الادعاء بعدم مسؤوليته.
ان الانسان مسؤول، اما الحيوانات والاشياء فليست مسؤولة.

هنا يكمن الفرق بين الفلسفة (الرواقية) والدين. (فالرواقية) تضع العفو والشفقة في المقدمة، بينما الدين يضع المسؤولية في المقدمة . . . مثال على تاكيد مبدأ الذنب الخلقي موجود في قانون العقوبات الايطالي الحديث، وعكس هذا المثال موجود في قانون ايسلندا وبعض الدول الاسكندنافية.
ان (حماية المجتمع) نظرية لا انمسانية في اساسها، حتى وهي تُحلً الانسان من تبعيته. وعلى العكس، نظرية الذنب نظرية انسانية حتى وهي تعلن حكما قاسيا على انسان. والعقوبة حق انساني لمرتكب الجريمة، واي تفريط فيها مرتبط بالتفريط في الحقوق الانسانية الاخرى. وقد اكد الفيلسوف الالماني (هيجل) دائما بان العقوبة – من حيث هي قصاص – تتسق مع الكرامة الانسانية لمرتكب الجريمة ولا يجب ان يكون لها هدف آخر كالمنع او ما شابه ذلك.
ان المسؤولية كمظهر من مظاهر الكرامة الانسانية لها اخلاقها. وهي معنى من معاني العالم الاخر. فمسؤولية الانسان على الارض تجاه غيره من الناس لا وجود لها على الحقيقة الا باعتبارها المطلق الخالد، اي مسؤولية الانسان امام الله. وجميع القوانين والمحاكم في هذا العالم ليست سوى محاولة شاحبة لتقليد المحكمة الألهية والعدالة الألهية.
* مقتبس من كتاب الاسلام بين الشرق والغرب لعلي عزت بيجوفيتش
الى الحلقة التالية !





Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google