بقلم: د. رضا العطار -
02-04-2017
ان الاضافة التي اضافها شعر الغزل الاندلسي لشعر الغزل العربي هي :
_ توسيع رقعة شعر الغزل العربي عموما.
- ظهور عدد من الشاعرات ساهمن في تطوير هذا الفن
- تنويع الاغراض والمعاني والاساليب وزيادة استعمال المحسنات البديعية.
- تطويع لغة المعجم العربي وتقريبها اكثر فاكثر من لغة الحياة اليومية
- التنويع الموسيقي في الشعر – مما مهد تمهيدا فنيا لحركة الشعر المهجر وحركة الشعر العربي الحديث
فنزار قباني يدين كثيرا في شعره لشعراء المهجر وشعر المهجر وخاصة الغزلي على قلته - - - فهناك مؤثرات كثيرة ادت الى انتاج هذا الشعر وعلى راسها :
- حركة التجديد التي شهدها الشعر العربي الحديث والتي تمثلت في الطابع الرومانسي عند المنفلوطي وطه حسين والزيات وفي الكلاسيكية الجديدة عند البارودي واحمد شوقي وحافظ ابراهيم ثم في مدرسة مطران التجديدية الرومانسية – وما تلاه من مدارس رومانسية كمدرسة شعراء الديوان ومدرسة ابولو الشعرية التي انشأها الشاعر احمد زكي ابو شادي – وهي مدارس عربية تجديدية ظهرت في اوائل القرن العشرين.
ولعل رومانسية الشعر المهجري مستوحاة في بدايتها من هذه المدارس الشعرية في الشرق العربي ! - - ان هذه المؤثرات هي حركة البعث الادبي الامريكي المتجاوبة مع حركة الاداب الاوربية – في نوها وازدهارها وكثرة مدارسها ومذاهبها المختلفة.
ولقد عرف ادباء المهجر كيف يستوعبون الروح الامريكي بجميع خصائصه البديعة – فمذ صحب الادب المهجري المهجرين من الشرق الاوسط الى امريكا في اواخر القرن التاسع عشر وهو ادب حياة وقوة – بحكم النبتة الجديدة التي غرس فيها - -
اما ما جاء في هذا القرن وتوطد استقلال الادب الامريكي حتى اخذ الادب العربي المهجري يظهر استقلاله ايضا - - واذا كان هذا الادب في روحه يعد بمثابة ادب امريكي، معبرا عنه في اللغة العربية، فان موضوعاته شرقية غربية معا وروحانية كذلك.
فالادب العربي في المهجر يصوغ لنا تجارب اتصال العقل العربي بالحضارة الامريكية هذا الاتصال القوي ويضع ايدينا على اثر هذا الاتصال مباشرة وينقل الينا الكثير من التاثيرات المختلفة بادب الغرب وحضارته.
لقد تاثر الادب المهجري الى درجة محسوسة بالبيئة الامريكية الحرة – فهو مزيج من الواقعية والرومانسية والرمزية والسريالية وغيرها وان كان للواقعية فيه نصيب موفور – والواقعية لا تزال محدودة بين الادباء العرب بتاثير الرومانسية الفرنسية المتغلغلة في الشرق الاوسط وعلى الاخص لبنان ومصر. لقد وصف الشعر المهجري بانه شعر تقدمي كامل التفاعل مع الحضارة التي نشأ فيها وهو بالتالي ادب مشغول الحياة وجميع مقوماتها متفاعل معها غاية التفاعل وجدانيا وفكريا بصورة ايجابية.
وبالرغم من هذا التفاعل مع الحياة والانشغال بهذه الحياة الا ان مساحة الغزل في الشعر المهجري ظلت اقل مساحة ممكنة في خارطة الشعر العربي على مدار التاريخ.
ويبدو ا للغربة والاغتراب اثر كبير في هذا ويبد ان الهموم السياسية والقومية اثر كبير في هذا ايضا. لقد لاحظ الدارسون للشعر المهجري ان موضوعات هذا الشعر كانت تنحصر في الموضوعات التالية :
- الحنين الى الوطن
- الافتخار بالشرق والغرب
- الابتهال الى الله وتقديس الانبياء
- الكفاح في سبيل الحياة
- وصف الطبيعة
- الحيرة والتسائل والتأمل
- البكاء والالم
- القصص الشعرية
وياخذ الدارسون على شعراء المهجر عيوبا كثيرة وعلى راسها شعر الغزل وجمال المرأة الذي ظل غائبا عن الشعر المهجري باستثناء شعر جبران.
ان الحرية السياسية المفتقدة في العصر العباسي قد ادت الى زيادة مساحة الشعر الغزلي على خارطة الشعر العباسي – وان الحرية السياسية المتوافرة في المهجر قد ادت الى تقليص مساحة شعر الغزل على خارطة الشعر المهجري - - لان الشاعر لم يعد بحاجة للهروب من احزان الوطن الى المرأة – كما كان يفعل في العصر العباسي
ولكن هل كانت مساحة الحرية المتاحة هي (البارومتر) الذي حدد حرارة شعر الغزل في كلا العصرين ؟ - - لقد كانت الحرية احدى الاسباب فقط.
لقد استفادت حركة الشعر العربي الحديث فنيا من الشعر المهجري كثيرا منها :
- العناية بالانسان العربي ومشاكله الاجتماعية والسياسية والفكرية.
- تأكيد العنصر الرمزي والفلسفي في الشعر لدى شعراء مهجريين كثيرين، وكان اثره على حركة الشعر العربي الحديث كثيرا.
- التمهيد لثورة الشكل الشعري - - فقد جدد في الاوزان ونظموا شعرا منثورا.
- وكان تاثير الشعر الاندلسي تاثيرا كبيرا على الشعر المهجري وخاصة الموشحات الاندلسية.
- التمهيد للثورة على القيود الفنية البيانية التي اتسم بهذا الشعر العربي عموما.
فقد اتسم الشعر المهجري بالابتكار والتحرر اللغوي والبياني وهذه صفات اتسم بها الشعر الامريكي المعاصر فتاثر بها الشعر العربي الذي كان قريبا منه.
لقد كانت هذه العوامل جميعها، سواء ما كان في الشعر الجاهلي او الشعر الاموي او الشعر العباسي او الشعر الاندلسي او الشعر المهجري، عوامل مؤثرة تاثيرا بليغا كشعر الغزل لدى (نزار قباني) بالذات.
* مقتبس من كتاب (المرأة اللعبة، ضوؤها الشاعر) لنزار قباني
