تأثير تذبذب أسعار النفط على نمو الاقتصاد العراقي - محمد رضا عباس
تأثير تذبذب أسعار النفط على نمو الاقتصاد العراقي


بقلم: محمد رضا عباس - 04-04-2017
سنوات هيمنة الدول المصدرة للنفط على السوق العالمية قد انتهت , على الأقل في الزمن المنظور . قبل علم 2014 , كان المشترون للنفط يتراكضون وراء البائعون , بعد عام 2014 اصبح العكس صحيح , حيث ان سوق النفط العالمي اصبح يعاني من الفائض في الإنتاج من دول أوبك وغير دول أوبك بفضل التكنلوجيا الحديثة . هذا الفائض سبب في انخفاض سعر برميل النفط الواحد من 140 دولار في أوائل عام 2014 الى ما يقارب 23 دولار في النصف الأول من عام 2016 . السؤال هو ما تأثير هذا الانخفاض الهائل في أسعار النفط والموارد النفطية على الاقتصاد الوطني؟ او بصورة خاصة , كيف يؤثر تدحرج أسعار النفط في الأسواق العالمية على الاقتصاد العراقي ؟
الاقتصاديون منقسمون حول علاقة التذبذبات في أسعار المواد الأولية بالتطور الاقتصادي. هناك مخيم يقول ان هناك علاقة سالبة بين تذبذبات موارد التصدير والنمو الاقتصادي. هذا المخيم يقول ان انخفاض أسعار المواد المصدرة يؤدي الى انخفاض في موارد الصادرات و بدوره يؤدي الى تقليص الاحتياطي من العملات الأجنبية , والذي بدوره يقلل قابلية البلد على استيرادات البضائع الرأسمالية ( الآلات والمكائن) , والتي تؤدي الى انخفاض في حجم راس المال في البلد , و هذا بدوره يؤدي الى تقليص الاستثمارات الداخلية , وبالتالي انخفاض في عدد الايدي العاملة والدخل الوطني . المخيم الثاني لا يجد علاقة عكسية وانما علاقة طردية بين تذبذبات واردات التصدير والنمو الاقتصادي. هذا المخيم يقول ان تكرار التذبذبات في سوق التصدير فرض على مواطني دول التصدير فهم درس مهم وهو عدم الاعتماد على التصدير , وانما على الادخار . أي أصبح المواطن يميل الى الادخار وليس للاستهلاك. هذا الادخار الكثير سوف يؤدي بدوره الى دعم الاستثمار الداخلي , والذي بدوره يدعم الطلب على الايدي العاملة و يزيد من الإنتاج الوطني .
بدون شك ان الاقتصاد العراقي وقع ضمن المخيم الأول القائل ان هناك علاقة عكسية بين تذبذبات الأسعار و النمو الاقتصادي , حتى وان سجل النمو الاقتصادي نموا قدره 5% . مصدر هذا النمو جاء بفضل القروض الخارجية والتي مكنت الحكومة بدفع رواتب موظفيها واجور عمالها , مع البدء ببعض مشاريع البنى التحتية في بعض المحافظات . ومع هذا فان التراجع الاقتصادي كان واضحا على وجه بغداد والمحافظات الأخرى من تراجع في المبيعات بكل أنواعها , كثرة العاطلين عن العمل , تعطيل المشاريع الحكومية , اخفاض في عدد اجازات البناء , وتقليص المساعدات الحكومية لكثير من الفعاليات الرياضية والاجتماعية والثقافية .
لا يوجد امل ان ترجع أسعار النفط الى عافيتها في الأسواق العالمية في المستقبل القريب , وبذلك فان الاستمرار على الاعتماد على الصادرات النفطية سوف يؤدي الى تراجع اقتصادي اكبر و ياس الالاف من الشباب والشابات من الحصول على فرصة عمل . لا يمكن الاستمرار على هذا الوضع كثيرا , خاصة وان العراق متوجه بالخلاص من عناصر داعش الاجرامية ورجوع المنتصرين من أبناء العشائر الابطال وأبناء الحشد الشعبي النجباء الى مدنهم .
ما العمل؟ هناك طرق عديدة يستطيع الاقتصاد العراقي الاستفادة منها وتعويضه من انخفاض أسعار نفط الخام ومنها ما يلي:
1. التركيز على الصناعات التحويلية. صحيح ان الطلب على النفط لا يوازي عرضه , ولكن باستطاعة العراق التحول الى الصناعات النفطية . هناك ما يقارب 300 صناعة موادها الأولية هي النفط الخام. على سبيل المثال , تكرير النفط بكافة انواعه , البتروكيمياويات , صناعة الحديد والالمنيوم والتي تحتاج الى طاقة كبيرة .
2. لا يجوز ان يبقى العراق يستورد حتى مشروب الصودا من تركيا والدجاج من الهند وأمريكا الجنوبية. الدولة يجب عليها التركيز على شعار " صنع في العراق". لا أقول على العراق البدء بصناعة السيارات والطيارات والدبابات , بل اذا استطاع صناعة ما يستهلكه في بيته من مواد سيكون هذا كافي على القضاء على البطالة في العراق . العراق معروف بجودة صناعة الغزل والنسيج , صناعة الأحذية , خياطة الملابس , أدوات الطهي , وصناعة الأثاث . و بالمناسبة , ان شوارع بغداد مملوءة بالسيارات الإيرانية وكوريا الجنوبية , ليس من العيب ان يضغط العراق على هاتين الدولتين ببناء خطوط لصناعة سياراتهم في العراق , تماما كما تفعل الولايات المتحدة الامريكية مع شركات صناعة السيارات العالمية .
3. مصدر الثروات هي الأرض وما تنتجه وهذا كان هو السبب لاستعمار بريطانيا نصف الكرة الأرضية. العراق غني بمائه وارضه الصالحة للزراعة وتنوع تضاريسه. يستطيع العراق انتاج جميع أنواع الفاكهة والخضار. تستطيع البصرة ان تنتج كل أنواع الفاكهة التي تنتجها باكستان وماليزيا وبنجلادش. وتستطيع محافظة واسط انتاج جميع أنواع الخضروات التي تنتجها الأردن وإيران. وتستطيع الموصل لوحدها تجهيز العراق بكل حاجاته من الحنطة والشعير , تستطيع ميسان والديوانية من انتاج كل ما يحتاجه العراق من الرز , وتستطيع محافظات كردستان انتاج كل ما يحتاجه العراق من لحوم . اذن , لا يحتاج العراق الا الى سياسة زراعية يقودها فرسان على وزن قادتنا في الجيش والحشد الشعبي . الزراعة ليس مثل الصناعة , حتى تعطي شجرة البرتقال ثمرها سوف تحتاج على الأقل خمسة سنوات , بينما لا يحتاج مصنع صناعة السيارات اكثر من دقائق معينة ليضيف سيارة أخرى الى اسطول انتاجه . وعليه , فان مسؤول الزراعة يحتاج الى اعتراف حكومي وشعبي حتى وان تأخرت شجرة البرتقال في انتاجها .
4. العراق زاخرا بمواقعه السياحية الدينية , السياحية , والثقافية . يجب على جميع محافظي البلد العناية بقطاع السياحة , لان هذا القطاع هو القطاع الوحيد الذي من خلاله يتعرف العالم على المحافظة . ولكن يجب العمل على العناية بالطرق العامة , نظافة المدن , توفير مرافق صحية نظيفة , توفير المطاعم الفاخرة , وبناء الفنادق الراقية . لقد ادهشني احد مسؤولي محافظة النجف او كربلاء وهو يقترح على الحكومة العراقية بتقليص عدد زوار الأجانب الى محافظته . لقد توقعت ان هذا المسؤول سوف يخسر وظيفته بعد هذا التصريح , ولكن لم اسمع عنه شيء. اليس من العيب ان الدول المتقدمة والمتأخرة تصرف المليارات من الدولارات لتشجيع السواح زيارة بلدانهم ويخرج علينا مسؤول يطالب بطردهم. اعتقد ان هذا لا يوجد الا في العراق.
على كل حال , لا اعتقد النقاط الأربعة أعلاه غائبة عن ذاكرة الحكومة العراقية , ولكن الغائب هو البداية بها , لان من لا يعمل لا يخطا , وان التحرك الحكومي و الحكومات المحلية نحو تنفيذ هذه المشاريع سوف ينقل العراق من حالة الركود الى حالة الحركة والنمو , والاهم من كل شيء فان نجاح العراق في نقل اقتصاده من مرحلة الاعتماد الى مرحلة الاستقلالية سوف يضيف نظرية اقتصادية أخرى الى علم الاقتصاد تسمى " النموذج العراقي للتنمية ".



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google