تراجيديا القتل ...تراجيديا القتل ووصية موت صدر العراق - يوسف رشيد حسين الزهيري
تراجيديا القتل ...تراجيديا القتل ووصية موت صدر العراق


بقلم: يوسف رشيد حسين الزهيري - 05-04-2017
مما لا شك فيه ان الزعيم الوطني مقتدى الصدر قد واجه الكثير من الصعوبات والمشاكل والمآسي وهو في بداية تسنمه مقاليد القوة والسلطة القيادية كزعيما للتيار الصدري خلفا لوالده المرجع الشهيد الصدر محمد صادق الصدر رضوان الله تعالى عليه .الذي خلف وراءه فراغا كبيرا في قلوب مقلديه ومؤيديه وحتى على مستوى القيادة المرجعية وربما اولى المأسي التي واجهته هي مصرع والده الصدر واشقائه في مشهد قتل دامي وتصدره مهام وواجبات ومسؤوليات ثقل التيار الصدري بكل ارهاصات المرحلة وتحدياتها وصعوباتها . ونظرا للمخاطر الجسيمة التي كانت تطوقه اذ كان هو ايضا معرضا للقتل في اية لحظة يهجم بها افراد الامن للنظام السابق والقيام بتصفيته واعتقاله كبقية افراد اسرته . اذا فالخطر وشبح الموت كانا يطوقانه طيلة فترة حياته الماضية والاحقة التي جاء بها الاميركان واعلن الجهاد ضدهم وضد تنظيم القاعدة الارهابي .وعرض حياته الى خطر الاعتقال والاغتيال من قبل القوات الاميركية والموساد الاسرائيلي وهو في موقف المواجهة المباشرة . وحتى عند خروج المحتل الامريكي من العراق .فقد كان الصدر مهددا تهديدا مباشرا من قبل الزمر التكفيرية بدعم خارجي والتي كانت تسعى جاهدة باغتياله. او من عملاء الداخل الذين كانوا يسعون لذلك ايضا.

الصدر اليوم معرض فعلا للتصفية والاغتيال منذ ان . وضع نفسه بمواجهة أباطرة الأحزاب ولصوص المال العام والعصابات الدولية والإقليمية التي تعمل على مشروع نهب العراق بمعونة الدول الجارة ومباركة دول قريبة وبعيدة. وليس سراً أن هؤلاء مستعدون لارتكاب أي جرمٍ مهما كانت فظاعته لإدامة مشروعهم، خاصة إذا كان هذا الجرم مصحوباً بفتوى ممن يرونه واجب الطاعة. اوما تقتضيه الاساسيات في المشروع التخريبي للعراق . فالصدر معرض للقتل من اكثر من جهة ولا سيما تعدد الجهات الخارجية التي تحاول ان تتصيد بالماء العكر وتحويل الداخل العراقي الى ساحة استنزاف شيعية -شيعية.

ربما يكون الصدر الرجل الأكثر تراجيدية في المشهد اليوم. يمكن لهذا الرجل أن يعيش حياة أكثر تنعماً من خصومه، يمكن له أن يكون أغناهم وأكثرهم سلطة ونفوذاً وأقربهم إلى أسيادهم أنفسهم، هو الأكثر جماهيرية وله جمهور كبير لا يمكن وصف علاقتهم به إلا بوصف واحد: العشق. إنهم يعشقونه إلى الحدّ الذي يضعهم في مواقف تربك الناس وتجعلهم يسخرون منهم ويستهزئون بهم، لكنْ من يلوم الإنسان على وجدانه؟ ومن يلوم الناس على عشقهم وارتباطهم روحيا وعقائديا بهذا الزعيم الوطني الذي احدث اكبر انتقالة نوعية اسلامية ووطنية في العراق وقاد اكثر من مليون مواطن لمواجهة بؤرة الفساد والنظام السياسي في العراق الذي اصبح نظاما مشوشا وعديم الفائدة في المواقف السياسي والشعبي واصبح مجرد نظام طاىفي سياسي مقيت يستشعر كل الناس بخيبتهم تجاهه وما الت إليه نتائج صناديق الانتخابات من ترشيحهم ليكونوا ممثلين عن خيبات هؤلاء المساكين

وحين يقال أن للصدر جمهوراً ينبري آخرون ليقولوا أن لخصومه جمهوراً أيضاً ويحاججون بالانتخابات مثلاً. والأمر مختلف قطعاً. فثمة هنا فارق كبير بين الجمهور السيا سي الحزبي المؤيد لتلك الاحزاب الفاسدة وبين الجمهور الانتخابي الشعبي على المستوى الجماهيري بشتى توجهاتهم الوطنية والفكرية و فارق شاسع بين ان تكون زعيما وطنيا ورئيسا وظيفيا بين جمهور لا يتذكر قائده إلا عشر ثوانٍ كل أربع سنوات يغطّ فيها أصبعه في المحبرة لينتخبه، وبين جمهور يتابع تحركات هذا القائد يوميا ويوجهه حيث ما يريد ويحدث كل حين أثراً فكرياً ووجدانياً فيه وينشئ معهم مشروعاً يتطور بشكل يكاد يكون يومياً، فلا يمكن أن تساوي هذا الجمهور العريق المخلص بمواقفه وانتماءه الفكري والعقاىدي بجمهور متلون لشخص ا خر او رئبس اخر كل اهداف مشروعه أن ينتخب ويبقى هو متربعا على كرسي السلطة لزيادة ثراءه وثروته خدمة له ولعائلته وحزبه .


ان كل الاحزاب الحاكمة في السلطة منتفعة اليوم من ثروات العراق ومنتفعة من الدعم السياسي الخارجي وكل الاحزاب تجد ان مشروع الصدر يهدد بقاءهم في السلطة وينذر بزوالهم .

فتراجيديا الصدر عميقة. ورث بامتياز من أبيه وعمه الشهيدين "محمد صادق ومحمد باقر" اللذين قُتلا وهما في خضم تراجيدياهما الخاصة. حين كتب محمد باقر الصدر "كتاب المحنة" قبيل استشهاده كان مخيراً بين أن يصبح المرجع الأكبر بأموال طائلة ونفوذ كبير مقابل الصمت في السرداب لا أكثر، وبين قتله وأخته وأتباعه. ومن يقرأ "كتاب المحنة" يعرف أن الخطاب متوجّه فيه إلى العراق، كتاب يلخص محنة العراق ذلك الوقت، ليس فيه من "تعاليم إسلامية" أو "طائفية" وفيه يتنبأ الصدر بقتله، حكاية رجل يسير بخطواته إلى الموت من أجل هدف وطنه ومبادئه

ذات تراجيديا محمد محمد صادق الصدر، الذي كان الجميع يعلم أنه سيقتل رغم الزوبعة التي حدثت حوله من قبل المغرضين من الداخل والخارج لتشويه سمعته ، لكنه رضوان الله تعالى عليه استمر بمشروعه ونهجه الاصلاحي في فترة اسوأ نظام دكتاتوري حيث يتجول رسل الموت من البعثيين والصداميين وهو يخوض في كل ا يعجل موته مصراً على المضي في مشروعه. قبيل مقتله كان جمع من المعممين العراقيين في قمّ وطهران يباركون مقتله ويدعون إلى التخلّص منه سريعاً، سمّوه بعثياً وصدامياً وشاقاً لصفوف الشيعة وعدواً للمراجع، وهو في كلّ ذلك كان يمتاز عنهم بأن في خطابه روح عراقية افتقدها الجميع. سُئل يوماً هل تريد قيام دولة إسلامية فقال (لا أبقاني الله لمثل هذا اليوم)، تراجيديا تصبح مكتملة تماماً إذا صدقنا رواية أحد أخلص أتباعه الذي سأله (سيدنا ماذا تريد بالضبط؟) أجاب (أريد أن أموت). وأنا شخصياً أصدّق هذه الرواية.

آل الصدر ليسوا منذورين للموت مجاناً، وليست هذه التراجيديا مفتعلة، إنها جزء من "كتاب المحنة" الذي لم تنته فصوله بعدُ، الكتاب الذي نقرأه يومياً ونخطئ في فهمه وتدبّر معناه ولا ننتبه له ولمغزاه إلا على رؤية دم صدريّ جديد. يسيل فوق ارض العراق

والمتابع لتاريخ أسرة ال الصدر سيجد عنواناً جامعاً مانعاً لهذه التراجيديا الصدرية. منذ حادثة اختفاء موسى الصدر رضوان الله تعالى عليه وكيف كانت الايادي القذرة والجهات العميلة تسعى لتصفيته وضرب مشروعه التحرري للانسان وثورته الانسانية


ثم جاء محمد باقر الصدر رضوان الله تعالى عليه وكان يعرف أنه سيقتل عاجلا ام اجلا وافراد الحكومة يعرفون ان الحكومة ستضطر لقتله. أتباعه يعرفون أنه سيُقتل، الدول كلها تعرف أن هذا الرجل سيقتل، لكن .لم يفعل أحد شيئاً لإيقاف ما سيحدث، كأنه القدَر، والأهم من كلّ ذلك أنه هو شخصياً لم يفعل شيئاً لإيقاف مصيره، لأنّ "المحنة" وضعته في موقف أصبح فيه كلّ خيار آخر غير القتل لا يليق بمحمد باقر الصدر. حياة ومواقف كهذه يجب أن تنتهي نهاية محتومة ممزوجة بشرف الطهر والشهادة

محمد صادق الصدر، أعاد نفس اسلوب التراجيديا في المحنة، أضيف فصل جديد لكتاب المحنة، هل كان أحد يشك في أن الرجل سيُقتل؟ بل كان هو متيقناً من ذلك "بل كان يريد الوصول إليه حثيثاً"، السلطة كانت تعرف أن لا منجى من محمد الصدر إلا بالتخلص منه جسدياً، فمشروع الرجل مخيف، لا يريد تغيير الحكومة ولم يسع لذلك، كان يريد احداث تغييرا عميقاً تغيير الشعب واصلاح المجتمع ونجح .والعالم كله كان يعرف أنه سائر إلى حتفه بسعادة، أتباعه يعرفون و"نظراؤه" من المعممين كانوا بانتظار نبأ مقتله كان هذا الرجل الذي سماه الفقراء "الليث الأبيض" انه ايضا سائر نحومقتله وحين ادرك دنو حتفه ارتدى كفن الشهادة مودعا انصاره ومقلديه من مسجد الكوفة .

لقد ترتبطت هذه الاحداث الماساوية بأن هذا الموقف التراجيدي هو الموقف الذي كان فيه الحسين عليه السلام المتيقن من قتله وكان جميع من حوله يعرفون كيف ستنتهي الحكاية بسهم مثلث ورأس مقطوع ونار تأكل الخيام ولم يفعل أحد شيئاً. كان على الجميع أن يصمت لتكتمل التراجيديا. وتنتهي احداث ذلك المشهد المأساوي والذي كان عبارة عن مشاهد حزينة ومؤلمة انتهت بفاجعة عظيمة وذبح عظيم .

ولهذا لم يكن مفاجئاً أن يستعيد مقتدى الصدر "كتاب المحنة" ذاته ومستذكرا كل تلك الاحداث والمشاهد لتاريخ ال البيت وال الصدر الذين رفعوا شعار "هيهات منا الذلة ". والتي تليق برجل يريد أن يصنع تراجيديا تحفر عميقاً في وجدان الناس وذاكرتهم وسجل تاريخهم الخالد في ثورة الاصلاح ومواجهة رموز الظلم والطغيان.

وقد جاءت كلمة الصدر في التحرير وصية ميت !!

واوصى انصاره يجب استمرار الاحتجاجات، ويجب أن المحافظة على السلمية. لا انتخابات إلا بقانون عادل ومفوضية نزيهة. لا سلاح خارج إطار الدولة. لا يجب أن تستقوي الفصائل العائدة من الموصل "بعد تحريرها" بسلاحها للهيمنة وفرض أمر واقع. لا تنتخبوا "الصدريين" ولا المقربين مني بل انتخبوا المستقل النزيه. وإذا قتلت فلا تثأروا لمقتلي "بل اقرأوا لي الفاتحة وادعوا لي"، واستمروا في ثورتكم السلمية بعد مقتلي. اسلوب خطابيا على شكل خطاب والده الصدر حين اوصى مقلديه وانصاره بالدعاء له وحثهم على الوحدة وان لا يستعبدكم احد من بعدي وان تكونوا احرارا في دنياكم ومن ثم طالته ايادي الكفر والضلال

خطاب عراقي في اللحظات "الأخيرة" يعلن فيه الصدر عن مشروعه "العراقيّ" وهو في الموقف ذاته، وُضع نفسه في قلب المحنة، في قلب الإعصار حيث لا من ثمة خيار اخر يشتهيه سوى الموت والشهادة . فقد خيروه سابقا في اعتصامه السابق امام الخضراء بين انهاء اعتصامهم او اراقة دماء الثوار .اذا فهو مدرك جيدا للخطر الكبير الذي ينتظره كما انهم ينتظرون ايضا الخطر الاكبر الذي يهددهم بعد تصفيته .

جزء من فصول "كتاب المحنة" أن تستعاد هذه التراجيديا ونحن ننظر ببلاهة منقطعة النظير إلى ما يحدث منتظرين أن يحدث الحدث المرتقب .

وان أباطرة المال السحت بكل ما يمتلكون من قوة ونفوذ يحيطون بهذه الحركة الاحتجاجية التي هي الأمل الأخير للعراق، فإذا ما قتل الصدر فمن سيتنبأ بما سيحدث للعراق ومن هو القادر على ايقاف ثورة الصدريين المجانين بحب ال الصدر الذين قابلوا وصية الصدر بعواطف نبيلة بالبكاء والنشيج . والتهديد والتوعيد لأعدائه.
بقلم : الكاتب يوسف رشيد حسين الزهيري -العراق



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google