العقاب وحماية المجتمع ! * - د. رضا العطار
العقاب وحماية المجتمع ! *


بقلم: د. رضا العطار - 07-04-2017


ان الهدف من العقوبة ليس هو المنع او الوقاية او التحسين او التعويض، ولا حتى اعادة تعليم المجرم، فالهدف من العقوبة ليس بينه وبين هذا العالم شيء مشترك. انما هدفها هو اعادة التوازن الاخلاقي الذي اخلً به ارتكاب جريمة، فالعقوبة نفي للآثم كما قال الفيلسوف الالماني (هيجل)، ولو كان هذا التعريف يبدو خاليا من الحياة بعض الشيء، الا انه يحتفظ بمعناه الاصلي واهميته. وستبقى العقوبة قصاصا او استجابة اخلاقية لعمل لا اخلاقي، حتى ولو قيل انها غير مفيدة من الناحية العملية. وعلى نقيض فكرة العقوبة نرى ان تدابير الحماية، الحافز عليها دائما هو المصلحة . . اي حماية المصلحة الاكبر بتضحية المصلحة الاقل، او باخضاع مصلحة الفرد لمصلحة المجتمع (وفقا لرؤية السلطة)

ان فكرتي القصاص والعقوبة لهما اصلهما في الفكر الديني، فالجريمة تستدعي غضب الله. وبرغم كل التحديات والتصحيحات التي طرات مؤخرا على فكرة العقوبة، فانها ستبقى جزءا ثابتا في مفهوم العدالة القانونية. وفي بعض الاحيان يشار الى (انتهاك النظام الاخلاقي) بدلا من غضب الله، وهو ليس اكثر من اختلاف اصطلاحي لان الله هو الخالق وهو المهيمن على النظام الاخلاقي.
تعبًر المناقشات السابقة عن الجوانب النظرية للموضوع. ومن وجهة نظر هذا الكتاب، توجد حقيقتان هامتان :
الاولى هي ان نظرية (الذنب الاخلاقي) يجب الحاقها بنظرية (حماية المجتمع) كنقيض معادل لها.
والحقيقة الثانية انه من الناحية العملية نجد ان جميع التشريعات الفعلية – بصرف النظر عن فلسفاتها – لا تصنع قوانين (مجردة). ففي جميع القوانين الفعلية نصادف فيها شيئا مفارقا للنظرية. ومن ثم لا يوجد قانون عقوبات مبنيً كلية على مبدأ الذنب فحسب، ولا على مبدأ حماية المجتمع فحسب. وفي حقيقة الامر يمكننا فقط ان نتحدث عن نسبة اقل او اكثر من هذا المبدأ او ذاك.

حتى الحركة الحديثة لحماية المجتمع التي بدأت في القرن التاسع عشر من موقف شديد التطرف، اخذت تنتقل الى مواقف اقل تطرفا عبر سلسلة من التطورات لم يكن في الامكان تجنبها، وقد يعبر عن هذا احد رواد الحركة
(مارك انسل) حيث يقول: ( في التشريع – خلال الفترة بين الحربين العالميتين – انتصر الطريق الوسط بين المذهب الكلاسيكي للذنب ( والقصاص ) وبين مذهب حماية المجتمع. ويمضي (انسل) متسائلا : (مهما يكن الامر، هل يعني هذا ان فكرة - حماية المجتمع – تتضمن بالضرورة رفض كل الاجراءات الجبرية، وفي النهاية رفض العقوبة بهذا الاعتبار ؟ هل علينا الان ان نختار في النهاية بين القانون الجنائي وبين حماية المجتمع ؟ على العكس، ان كثيرا من الدعاة النشطين لحركة حماية المجتمع يعتقدون ان القانون الجنائي ومبدأ حماية المجتمع لا بد ان يتحدا في نظرية جديدة.
الى الحلقة التالية !
* (مقتبس من كتاب (الاسلام بين الشرق والغرب) لعلي عزت بيجوفيتش



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google