استراتيجية ايران ازاء العراق (1) - فارس كريم فارس
استراتيجية ايران ازاء العراق (1)


بقلم: فارس كريم فارس - 08-04-2017
تميزت العلاقة بين العراق وإيران بالتوتر والعداء المتواصل منذ فترة تاريخية غائرة في القدم وحتى العصر الحديث، فالاختلافات بينهما عميقة: إيديولوجية، سياسية، إقليمية، جيوسياسية، وكان التدخل الإيراني بالعراق صفة مميزة على مر التاريخ.
وما الصراع الفارسي- العثماني للاستحواذ على العراق إلا أحد مظاهره البارزة؟ وقد ابتلى العراقيون بذلك كما قال المؤرخ علي الوردي (بين العجم والروم بلوة ابتلينة) ومع الأسف هذا الابتلاء مستمر حتى هذه اللحظة. ولم تكن العلاقة بين العراق وإيران أبداً دافئة أو اعتيادية بل كانت تنافسية بصورة دائمة سواء في عهد الشاه أو النظام الإسلامي، فقد حاولت إيران في عهد الشاه القيام بدور الشرطي في الخليج العربي وان تفرض تهديد مستمر للبلاد العربية المطلة عليه وإن توجد لها فيه دور القيادة، فاستولت على الجزر العربية الثلاث عام 1971، وتواجدت عسكرياً في عمان، واعتبرت دوماً الخليج فارسياً، وبقت العلاقات العربية الإيرانية هامشية على الرغم من الثورة الإيرانية التي أطاحت بالشاه، وأحدثت تغييراً في معادلات القوة بالعلاقة مع الصراع العربي الإسرائيلي.
بقيت العلاقات الحدودية الإيرانية – العراقية، حيث تمتد حدودهما المشتركة 1200كم، إحدى البؤر الرئيسية الملتهبة التي فجرت حرب الثمان سنوات بينهما بالإضافة إلى السبب الإيديولوجي وطموح رأس النظام العراقي إلى القيام بدور إقليمي أكبر بالاستفادة من ضعف إيران بعد الثورة وعزل مصر عن محيطها العربي بعد توقيعها اتفاقية كامب ديفيد.
استمرت العلاقات بين النظامين وسط كثير من الملامح السلبية، إذ أنهما لم يتوصلا إلى معاهدة سلام دائمة تنهي حالة الحرب ومعلقاتها. وهكذا استمر الطرفان في احتضان المعارضة من الطرف الآخر، وغدت إيران أحد اللاعبين الفعالين في كردستان العراق، بدعمها أطراف إسلامية موالية وتمويل المناسبات الدينية المذهبية ودورها المباشرة بالاقتتال الكردي- الكردي في التسعينيات من القرن السابق ودم اطراف ضد اطراف اخرى ولحد الان، ولم يكن الهدف الاستراتيجي الإيراني من هذا التدخل في الشأن العراقي عموماً، زعزعة وحدة العراق الجغرافية والسياسية وهي مقتنعة أن حصول ذلك سابقة يغري بتكرارها في ايران بما يخص القضية القومية الكردية وهي لا ترغب بذلك بالتأكيد.
وإذا كانت سياسة الاحتواء المزدوج الأمريكية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي تجاه العراق وإيران لم تنجح في إزالة الخلاف بينهما وتعاونهما لمواجهة الخطر الامريكي المشترك، فإن فشل هذه السياسية، وبالذات تحولها إلى غزو أمريكي وعربي مع قبول ضمني للطرف الإيراني، الذي آثار حفيظة النظام العراقي وفهم محاولة حشره في الزاوية وزيادة عزلته، تمهيداً للحرب وإسقاطه.
ومع وقوع الحرب والاحتلال عام 2003م، تصاعد الدور الإيراني في الحياة السياسية والمجتمعية في العراق المحتل، بل أصبحت إيران أهم لاعب سياسي بعد الولايات المتحدة بفضل صلتها بالأحزاب الإسلامية الشيعية- الدعوة والمجلس ورغم معارضتها الرسمية للاحتلال فإنها اعترفت بمجلس الحكم وكانت أول دولة تبعث وفداً رسمياً إلى بغداد وشاركت شكلياً في مؤتمر مدريد للدول المانحة.
وضعت إيران استراتيجيتها اتجاه الحرب على العراق وقبلها أفغانستان على النحو التالي: لا مصلحة لإيران في المواجهة مع الولايات المتحدة, وليس باستطاعة إيران أن تمنع الحرب على الدولة المجاورة (ولا في الانضمام إلى القوة المستهدفة)، من مصلحة إيران (إذا كان ذلك سيحصل) التخلص من نظام شكل تهديدا لأمنها القومي، وكمحصلة لهذا التوجه فإن إيران ستعمل على عدم قيام نظام جديد معادٍ لها بعد سقوط النظام القديم، وإيجاد مواقع نفوذ في النظام الجديد، وهكذا صاغت إيران سياستها الخارجية في سياق أربع استراتيجيات تالية:
- الالتزام بالأعراف والشرعية الدولية.
- دور إيران الإقليمي: إظهار إيران استقلالها عن الولايات المتحدة والغرب من خلال تأكيد قوتها الإقليمية.
- محاولة الحفاظ على المبادئ الرئيسية للثورة.
- تحقيق أعلى منفعة ممكنة من خلال المناورة السياسية.
وبهذا لم تشذ إيران عن غيرها من الدول في التكيف مع واقع ما بعد الحرب الباردة وبخاصة بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر بما يعنيه ذلك من تطويع الإيديولوجيا للمصلحة الوطنية العليا، كما أن إيران دانت كما فعل غيرها العدوان على العراق، ثم قبلت كما قبل غيرها بالأمر الواقع، وتراجعت في الملف النووي كما تراجع غيرها، فقبلت بتوقيع البروتوكول النهائي للتفتيش المفاجئ على مواقعها اولا وبالتالي تم توقيع الاتفاق النووي مع امريكا والغرب.
وفي ضوء مصلحة أمريكا في منع أي دولة من تكوين نفوذ هائل حول النفط، يمكن فهم استمرار التركيز الأمريكي على محاولات البرنامج النووي الإيراني والإصرار على توقيع البروتوكول الإضافي لانتزاع كل عناصر القوة التي تمتلكها إيران والتي قد تمكنها من بناء نفوذ غير عادي، يضاف إلى ذلك "الكابوس اللوجستي" الذي يدفع الولايات المتحدة إلى التفكير أكثر من مرة قبل إقدامها على غزو إيران واحتلالها: سكانها ثلاث أضعاف سكان العراق مساحتها أربعة أضعاف مساحة العراق، تضاريسها صعبة، سكانها عموماً يلتفون حول النظام في وجه التهديدات الأجنبية، ومع فشل في حصول تغيير مقبول في إيران فإن أفضل ما يمكن أن يروع إيران هو الوجود الأمني، أي قوات أمريكية كبيرة منتشرة في أنحاء الخليج العربي، ومنع إيران من تشكيل أي تهديد، وأن يتواصل احتوائها, وهذه كانت سياسة اوباما ازاء ايران.
ستتجه إيران إلى التعامل مع واقع العراق المحتل وستفعل باقي دول المنطقة ذلك أيضاً حيث سيبقى العراق ساحة مواجهة مفتوحة داخلياً وإقليمياً (هذا وفق نظرة ايران واغلب دول الجوار الاقليمي)، وستعمل إيران في هذه الساحة بكل إمكانياتها السياسية والمخابراتية ومن خلال العناصر المؤيدة لها، ومهما قيل عن حجم المكاسب التي حققتها إيران، فلا أقل من أنها أصبحت القوة الإقليمية الأبرز ومن دون منافس بعد غياب القوة العراقية وجعلت فيها اللاعب الثاني في الساحة العراقية بعد الولايات المتحدة، التي ستترك الساحة خالية لها بعد الانسحاب الأمريكي من العراق في 31 ديسمبر 2011, ليدخل العراق في آتون صراع داخلي وإقليمي محتدم ومرير للقوى الإقليمية المتصارعة في المنطقة وارتباطاً بتطورات الأحداث في سوريا وما يسمى ثورات الربيع العربي.
وبهذا سمح الاحتلال الأمريكي للعراق بصعود الدور الإيراني في المنطقة العربية على شكل غير مسبوق، فانهيار العراق سمح بوجود فراغ قوة ليس بمقدور دول الخليج أن تملأه نتيجة ضعف البنية العسكرية للدول الست في مواجهة إيران سوآءا وفق المعيار الكمي حيث يشكل التفوق العسكري الإيراني 1.16 :1 مقابل الدول الخليجية الست. كما أن إيران متفوقة من الناحية الكيفية إذ تتمتع قواتها بالقدرة على التنسيق بين وحداتها وتحسين مستوى الاتصال بينها وبقدرتها على المناورات ورد الفعل السريع، بما تفوق قدرات القوات الخليجية.
وبذلك لن تستطيع دول الخليج منافسة إيران على ملئ ذلك الفراغ، خاصة أن الأخيرة تسعى جاهدة إلى ذلك بما يسمح لها بالقيام بدور القائد الإقليمي من خلال إيجاد حكومات موالية لها وتطوير شبكة من العلاقات الاقتصادية والسياسية وفي أحيان معينة العلاقات الاجتماعية والثقافية أو عن طريق العمل على وصول عناصر شيعية إلى السلطة إذا ما سمحت الظروف بذلك، وعمل إيران بهذا المنطق في كل من العراق ولبنان والبحرين واليمن وفق ما تمتاز به كل حالة من خصوصية.
لقد حددت اللجنة المكلفة من قبل المرشد الأعلى للثورة الإسلامية بخصوص العراق إبان الاحتلال الأمريكي له في ثلاث أهداف تعمل إيران لتحقيقها في العراق، وهي:
أ- منع الولايات المتحدة من الانتصار في العراق بما يقوض أمن إيران حتى لو تطلب الامر دعم وامداد مجموعات القاعدة والبعثيين وكل طرف يقاتل ضد الوجود الامريكي في العراق وتشجيع سوريا للقيام بذلك ايضا ( وهذا ما حدث فعلا حين ذاك).
ب- ترسيخ نفوذ إيران في العراق الجديد من خلال الدعم غير المحدود لأحزاب الاسلام السياسي الشيعية وفق قربها وبعدها من نظام ولاية الفقيه, وعلى اساس طائفي للاستحواذ على السلطة وردع القوى الوطنية والعلمانية بالإضافة الى القوى السياسية السنية واضعافها.
ت- منع ظهور عراق قوي, والابقاء على دوامة الصراع الداخلي خوفا من نشوء نظام قوي تنجح الاطراف الاقليمية والدولية الاخرى من جعله مصد امام ايران في تحقيق اهدافها وطموحاتها الاستراتيجية في المنطقة.
ولقد نجحت إيران في المحصلة في تحقيق هذه الأهداف بأشكال مختلفة حيث تم تشكيل حكومات شيعية موالية لها (الجعفري والمالكي)، كما تم المساهمة الفعالة في رفع تكلفة وجود القوات الأمريكية في العراق. مما شكل أحد اهم أسباب انسحابها النهائي عسكرياً في ديسمبر 2011م، وصب ذلك في مصلحة إيران بشكل كبير، حيث غدت اللاعب الأول في الوضع السياسي الداخلي في العراق واستحكام النفوذ الإيراني وتأثيره الكبير في مواقف العراق والتحركات السياسية للحكومة السابقة خاصة منذ 2006-2014 الداخلية والخارجية.
يتبع>>>>>>>>



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google