المريض العراقي - مهدي قاسم
المريض العراقي


بقلم: مهدي قاسم - 09-04-2017
المعروف عن الشخص العراقي إنه بات يعاني من أمراض نفسية شتى ، إلى جانب مرضه الرئيسي والمشخّص جيدا والمعروف ب"الازدواجية " والانفصام الشخصي ..
وهو أمر ليس بغريب ، من حيث كونه يصاحب كل مجتمع عانى أو يعاني من فظائع حروب ومظاهر قمع و بطش و تنكيل وخضات كوارث و نكبات أجتماعية و وطنية أخرى ..
مثلما عاني المجتمع العراقي منذ الخمسينات من القرن الماضي و حتى الان من أعمال عنف و قتل ومعاناة شديدة..
إلى جانب احتقان و اهتياج و توتر أعصاب يومي و متواصل بسبب تفجيرات يومية و قلة أو رداءة خدمات ، أو انعدامها المطلق في بعض الأحيان ..
و ربما لهذا السبب لا يوجد شخص عراقي ــ إلا ما ندر ــ خال من أمراض و أعراض نفسية معينة و التي تنعكس في سلوكه اليومي سلبيا ، وكذلك على تفاصيل حياته اليومية ضمن عائلة و بيئة ومكان عمل و غير ذلك ، من مظاهر اكتئاب و انقباض نفسي و تعكير مزاج ، وربما بشيء من عدوانية أيضا ، كعملية تنفيس و تخفيف من حدة التوتر و من ضراوة هذه الضغوط النفسية المتواصلة ..
فمن هنا تستدعي الضرورة معالجة هذه الأمراض النفسية في عيادات أو دور نقاهة نفسية مختصة في هذا الشأن ، مثلما تعالج أية أمراض عضوية أخرى كأمر طبيعي و عادي ..
أو هكذا يجب أن تُعالج وضمن هذا الفهم والتصور و الرؤية ـ على الأقل ..
غير أن المعوقات والعراقيل القائمة على هذا الصعيد هو التصور الاجتماعي القاصر والمتخلف في النظر إلى هذه المسألة من زاوية كونها " عيوبا " اجتماعية و خلقية ، بمعنى اعتبار هذا الصنف من المريض على إنه جنون و خبل ، وربما تجري عملية تصنيفه والتعامل معه على هذا الأساس ضمن العلاقات و الأعراف الاجتماعية القائمة والفاعلة حاليا في المجتمع العراقي أي : كشخص مجنون أو" مخبل " ..
و من هنا هذا التردد في المراجعة أو المعالجة في " إكلينيك " و باقي دور النقاهة النفسية الأخرى ذات الاختصاص ..
لتبقى هذا الأمراض النفسية تستفحل وتتفاقم سنة بعد أخرى وعبر أجيال ، متحولة إلى أشبه بجينات تتحكم بالسلوك الشخص العراقي مميزة إياه كشخص جاف و متوتر و كئيب حينا و عدواني في أحيان أخرى ..
في حين إن المجتمعات الغربية أو اغلبها ،ـــ على ألأقل ـــ قد عانى من مظاهر أمراض نفسية مماثلة أو مشابهة كما المجتمع العراقي ، غير إنها استعانت ، بدون أي شعور بخجل أو عيب ، بالطب النفسي المختص و أخضعت مرضاها من هذا القبيل لمعالجات في دور النقاهة والمعاهد النفسية ، بشكل طبيعي و عادي ، وبدون أي إحراج اجتماعي يُذكر ..
بل وفي الفترة الأخيرة لوحظ إنه عندما تحدث هناك ــ أي في البلدان الغربية مثلا ــ كوارث أو حوادث طبيعية أو مرورية فتجري عملية إخضاع الضحايا أو ذويهم لجلسات كشف ومعالجات من قبل أطباء نفسانيين ، بغية التخفيف من ضراوة و حدة وتأثير الفجيعة أو الكارثة والمتجسدة بفقدان الأعزاء و الأحباء على قلوب الآخرين ..
و حسب ما نظن بأن المجتمع العراقي يحتاج إلى حملة تثقيف من هذه الناحية، بغية إقناعه بأن مراجعات أو معالجات من هذا القبيل مسألة عادية و طبيعية بل إنها لا تختلف كثيرا عن معالجة أي عضو مريض من أطراف أو باطنية و غير ذلك .
* استوحيت عنوان المقالة من فيلم معروف بعنوان " المريض الإنكليزي "



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google