أمينة المفتي .. أشهر جاسوسة عربية للموساد .. أمر الضابط الفلسطيني بفك قيود العميلة وتقديم الشراب وأشهى الطعام لها
أمينة المفتي .. أشهر جاسوسة عربية للموساد .. أمر الضابط الفلسطيني بفك قيود العميلة وتقديم الشراب وأشهى الطعام لها


2015-10-02 05:34:27
أمينة المفتي .. أشهر جاسوسة عربية للموساد .. أمر الضابط الفلسطيني بفك قيود العميلة وتقديم الشراب وأشهى الطعام لها

.. ازدادَ نحيب أمينة المفتي قسوة.. وعلا نشيجها مع صعود صدرها الضامر وهبوطه، وانعقد لسانها فلم تقو على الكلام لاصطكاك أسنانها، ورعشة شفتيها التي غزت الوجه المتقلص الشاحب. وقال الضابط آمراً جنوده قبلما ينصرف: فكوا قيود ضيفتنا وقدموا لها الشراب وأشهى الطعام.
أهزيمة ساحقة أم انتصار باهر..؟ تساءلت أمينة في نفسها وتعجبت للإحساس المائع المشوه الذي يخالجها في ضراوة. وظلت لأيام تترنح لصدى كلمات الضابط التي تنخر في عظامها وعقلها، فلا تجد سوى مرار خفي كأنه دبيب نمل يسري بأوصالها. هكذا اقتُلعت مشاعرها من الجذور، وغرقت في سهوم قاتل يفتك بأعصابها ويزلزل جوانب إدراكها الباطن والظاهر. تقول أمينة في مذكراتها بعد ذلك: كانت كلمات الضابط كالسهام تخترق عقلي وجسدي.. فأصابت اتزاني وطوحت بآمالي وأوهامي.. وأغرقتني في محيط يموج بالغموض وينبض بالخوف.. والعدم. وأوشكت أن أصرخ فيه أن يرحمني ويصمت.. فيوقف رشق سهامه بأعضائي التي وهنت.. ونزحت عنها مسحة القوة. لكنه كان كمدفع رشاش أخرج كل رصاصاته في زخة واحدة. ترى.. لماذا جيء به إليّ..؟ ألكي يشعرني بحقارتي وجرمي..؟ أم ليوقظ بداخلي أحاسيس دفنت من زمن..؟ كل ما أذكره وقتها أنني فقدت رسالتي التي خلقت لأجلها.. وهي أنني لم أعد أصلح لأن أكون أماً. فكيف لامرأة مثلي حبلى بالخيانة أن ترضع طفلها وتحتويه، بينما هي تقتل الأطفال والشباب، وتموت أمهاتهم حزناً عليهم وأسىً..؟ أكنت إذن واهمة الى حد فقدان العقل والتمييز..؟ أكنت أصارع طواحين الهواء كما كان يفعل دون كيشوت..؟ أين أنت الآن يا أمي لأفرد ذراعاي حول عنقك والتصق بصدرك الدافئ الحنون..؟ أين أنت يا أبي لتنتشلني من مصيبتي وتنير لي الطريق بالنصح كما كنت تفعل أيام طفولتي وشبابي..؟ أين هم إخوتي وكانوا لي ظلالاً وارفة تحميني من لسعة الحياة ومدب السيل الجارف..؟ أين شقيقاتي وخالاتي وعماتي..؟ أين ستائر حجرتي الحريرية ومرآتي..؟ ترى أتضم أمي الآن أشيائي وتلعنني أما أنها تبكي لمأساتي..؟ لم يبق لي من شيء سوى صمت كالموات يقتلني.. ودمعاتي..؟
عجيبة حقاً تلك المرأة المثيرة، فلعلكم لاحظتم مثلي مدى تمكنها وبراعتها في وصف أدق خلجات ذاتها بأسلوب مشوق رائع، حتى أنني كثيراً ما كنت أقف مندهشاً أمام سطور مذكراتها، وأمام قدرتها الفائقة على تشريح انفعالاتها بلا تصنع. متنقلاً معها في راحة من موقف الى موقف آخر. وحيرني سؤال ظل يتردد بخاطري طوالي عملي بملفها: هل أسبغت عليها البراعة في التجسس براعة أخرى في الوصف والتحليل..؟ ربما يكون ذلك.. فالعمل التجسسي لا يقوم إلا على اليقظة الشديدة والحرص والدقة. والكتابة أيضاً لكي تدخل الى القلب وتحرك المشاعر تلزمها اليقظة في سرد الفكرة، والحرص على خط التصعيد الدرامي المترابط دون ملل، والدقة في الوصف وتقريب التخيل الى نبض الواقع في سرد الفكرة، كما أنني لاحظت أيضاً في مذكرات أمينة أنها تضج بالحيوية وانسكاب المشاعر، وتندفع بها في أحيان كثيرة - كما في نهاية الفقرة السابقة - الى السجع الموسيقي القريب من أوزان الشعر. فلو أنها اتجهت الى الكتابة لكانت الآن أديبة قديرة.. لكن.. هكذا فعلت بنفسها.
الأنفاس اللاهثة
وفي صباح التاسع من فبراير 1980، نقلت أمينة المفتي في سرية تامة الى معسكر جنوبي صيدا، وفي المساء تحت ستر الظلام أخذت الى بيروت، تحيط بسيارتها العسكرية عدة سيارات أخرى تقل قوات مسلحة، حيث أودعت حجرة مريحة بأحد مباني منظمة التحرير بحي الفكهاني، يحرسها أفراد لا حصر لهم مدججون بالسلاح. وعن ذلك اليوم جاء بمذكراتها وصفاً دقيقاً لأحداثه إذ تقول: "دخلت كهف السعرانة لأول مرة في الظلام، وغادرته نهار ذلك اليوم في الظلام أيضاً.. فقد عصبوا عينيّ خشية إصابتي بالعمى.. عندما أواجه ضوء الشمس المبهر فجأة، بعد 1651 يوماً في الظلام.. يا لهم من أناس طيبي القلب رائعين. أرادوني صحيحة النظر لأرى الفارق الواضح بين الوجوه عندما أغادرهم. وفي بيروت أدخلتني فتاتان نظيفتان الى الحمام، واستحممت لأول مرة منذ اعتقالي استحماماً كاملاً، ونمت مغماة بينهما ومكبلة بأحزمة رقيقة من الجلد، وأكلت أطعمة شهية حرمت منها لسنوات وكنت أطلبها بنفسي فيجيئونني بها. وأمام هذا الكرم الرائع طمعت فيما هو أكثر، فصارحت الضابط المنوط بحراستي بأمنية غالية الى نفسي، وهي أن أحادث أمي تليفونياً في عمان. ولما أخبرني الضابط بأن طلبي رفض بحسم، أحسست بالحزن ويأس، وأيقنت بأنني لن أسمع صوتها أبداً.. طالما كنت في إسرائيل..!!
لحظتئذ فقط.. أحست أمينة المفتي بندم شديد. فخروجها من لبنان الى إسرائيل هو بحق موت بطيء لا محالة. فالإسرائيليون سيرفضون بقوة سفرها لأي مكان آخر، وذلك لأن صورها نشرت بمعظم صحف العالم، إذ قد يصادفها فلسطيني فيقتلها غضباً وثأراً، ولن يستطيع الاسرائيليون على كل حال حراستها حراسة تامة خارج الدولة.لقد فكرت أمينة في حالها وحياتها بإسرائيل فيما بعد، ورأت أن كهف السعرانة كان لها السجن المؤقت قبل الإعدام، لكن إسرائيل ستكون الى الأبد السجن المرير، الذي سيقتلها فيه الندم والعذاب والحسرة والقلق والاكتئاب. إذن فالموت السريع في لبنان لأهون ألف مرة.. بل إنه الخلاص من ثورات داخلية ستفتك بها وتقودها غصباً عنها الى حافة الجنون. لذلك صرخت قرب منتصف الليل وملأ صراخها المبنى كله وهي تقول: "لا أريد العودة الى إسرائيل.. لا أريد إسرائيل". هجمت عليها الفتاتان قبلما تتقطع الأربطة الجلدية، واندفع الى حجرتها على الفور عدد كبير من الضباط والجنود، شرعوا في الحال في تضعيف قيودها، وكان جسدها النحيل ينتفض بعنف وشراسة، كأن قوة جبارة حلت به بعد ضعف وهدأة. وقال لها أحد الضباط:
- فلتهدئي من فضلك.. فكل شيء أعد لسفرك الى إسرائيل.
وبذات القوة والعصبية والصراخ قالت:
- أعدموني هنا.. أو أرجعوني الى كهف السعرانة.. أنا أكره إسرائيل.. أكرهها.
أجابها الضابط في هدوء:
- إسرائيل هي وطنك الآن سيدتي.
وكأنما تشد جذور أعصابها من أشواك الخوف قالت في هلع:
- الإعدام أهون.. لماذا لم تعدموني..؟ أتخافون من إسرائيل..؟
رد الضابط في ثقة:
- نحن أقوى من إسرائيل.. لذلك أرسلتك للتجسس علينا.
- نعم.. تجسست عليكم.. فلماذا تعيدونني الى أعدائكم..؟
وبينما كان الطبيب يدخل مسرعاً الى الحجرة ممسكاً بيده محقن المخدر كان الضابط يجيب:
- نحن نبادل امرأة خائنة برجلين من أبطالنا البواسل.
بصقت أمينة في الهواء وانطلقت كالمدفع قائلة:
- نعم أنا خائنة.. وسأخونكم ألف مرة لو أتيحت لي الفرصة.. فهيا تخلصوا مني وأعدموني "والتهديد بالخيانة هنا يعني قمة الندم".. وعندها.. انقض جنديان على ذراعها يحبسان حركته، وأمكن للطبيب إفراغ المخدر بوريدها، وكان صراخها الحاد المسعور ترتج منه حوائط المكان.. وما هي الى هنيهة حتى بدأ يضعف.. ثم يخفت.. حتى هدأ تماماً.. تماماً. وسكن، وانهمد الجسد الممدد في استكانة، وما عاد يسمع سوى صدى لأنفاس لاهثة.
المشرق



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google