6500 عراقي يعيشون "الهول" في صحراء سورية
6500 عراقي يعيشون "الهول" في صحراء سورية


2016-07-01 01:18:00
بغداد

يقضي أبو نور (33 عاما) جل يومه متعلقا بحبال الخيمة الصغيرة التي لجأ إليها برفقة زوجته وطفليه الصغيرين قبل اربعين يوما، عينٌ على غالون ماء صغير وكيس طعام في الخيمة خشية نفاده، وأخرى على الطريق ترقب وصول أية مساعدات إلى مخيم الهول ليهرع إليها ويضمن وجبة يوم إضافي لعائلته، أما قلبه فمتعلق بـ"أمل إنقاذ الطفلين من هذا الجحيم"، كما يقول.

أبو نور معلم أرهقه العيش تحت حكم داعش خاصة وان الحكومة العراقية تقطع رواتب جميع الموظفين في الموصل منذ سنة ونصف السنة، وقد قرر مغادرة المدينة لئلا يصير وعائلته جزءاً من درع بشري يتخذه التنظيم لعرقلة العمليات العسكرية المرتقبة في نينوى.

وسأتجاوز الحديث عن معاناتنا الطويلة خلال رحلة المغادرة، يقول الرجل. قصدنا سوريا، الخيار الوحيد المتاح حاليا لسكان الموصل، ولان داعش يمنع خروج المدنيين من مناطق سيطرته ويعاقب الهاربين بالقتل، طاردنا الرعب طوال الرحلة التي استغرقت (12) ساعة وكلفتنا ثلاثة آلاف دولار.

في نهاية المطاف ترجلنا من السيارة ليشير المهرب بيده نحو الشمال "سيروا بهذا الاتجاه ستكونون في منطقة سورية خاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردي السورية (YPG)، سيأخذونكم الى الهول".

المخيم الذي ارتبط اسمه بمعاناة آلاف الفارين من الموصل وتكريت والشرقاط وغيرها يقع في ناحية الهول (منها اشتق اسمه) بمحافظة الحسكة السورية، ويبعد عن الحدود العراقية نحو ثلاثين كم، أنشأته الأمم المتحدة للاجئين العراقيين أثناء حرب الخليج الثانية 1991 وهو مهجور منذ عام 2007.

النوم في العراء

يضيف أبو نور، انطلقنا سيراً على الأقدام في منطقة صحراوية منبسطة خالية من البشر تقريبا، كنت احمل طفلتي المعاقة (5 سنوات) يتبعنا طفلي الثاني (7 سنوات) فيما تحمل زوجتي حقائبنا، أرهقنا تماما بعدما قطعنا مسافة 20 كم حتى وصلنا "حاجز الصلبي" حيث كانت ترفرف راية صفراء يستظل بها مسلحون من (YPG) كانوا يراقبوننا باستمرار عبر المنظار.

وجدنا أمامنا ست عائلات عراقية وصلت قبلنا بقليل فانضممنا اليها. "سننتظر هنا يومين او اكثر قبل ان ينقلونا الى الهول"، قالت امرأة تفترش وأطفالها الارض.

بعد ثلاثة أيام قضيناها في العراء نبيت في خندق ويجود علينا المقاتلون بقليل من الطعام، اخذوا أوراقنا الثبوتية ثم نقلونا بسيارات الى المخيم، نحن ومن انضم الينا لاحقا، فكنا خمسين فردا تقريبا.

دخول الهول ليس كالخروج منه

تدير قوات (YPG) المخيم الممتد على مساحة كلم2 واحد والمسور بأسلاك شائكة منذ ان بدأ يستقل العراقيين في نيسان (ابريل) الماضي ليكون محطة استراحة بهدف اكمال الرحلة كلاً حسب وجهته، اقليم كردستان او المناطق المحررة غربي نينوى او تركيا، وعمليا اصبح سجنا كبيرا يدخله الفارون من داعش بإرادتهم ولا يخرج منه الا ذو حظ عظيم.

يقول بشار الجميلي، وصلت الهول قادما من قضاء الشرقاط شمال صلاح الدين، منتصف نيسان (ابريل) الماضي، وكان على شكل غرف متهالكة ومهملة. غادرته متوجها الى تركيا بعد بضعة ايام دون ان يمنعني احد، وبعدها بعشرين يوما وصلت عائلتي الى المخيم فاحتجزوها شهرا كاملا، حتى تمكنت من إخراجها الى اربيل بعدما تدبرت موافقة من مديرية امن دهوك (الاسايش).

عائلة أبو نور أنهت حتى الآن اربعين يوما هنا من دون ان تحصل على الموافقة، وثمة عائلات ما زالت تنتظر منذ ثلاثة أشهر.

"اتصلت بجميع معارفي لكن بلا جدوى، السبيل الوحيد للخروج يكون عبر امن دهوك الذي يسيطر على منفذ ربيعة-اليعربية بين العراق وسوريا، يبعد (70) كلم تقريبا عن المخيم" يضيف ابو نور.

وهنا تؤكد سلسلة تقارير أصدرها تحالف المنظمات لأجل نينوى (ANA) اواخر ايار (مايو) الماضي عن الوضع الإنساني في الهول واطلعت عليها نقاش، أن قوات YPG تعامل العراقيين في المخيم على انهم لاجئون وتفرض عليهم البقاء فيه بينما هم ليسوا كذلك، غالبيتهم يريد الوصول الى الاراضي العراقية المحررة ووجودهم مؤقت.

رشوة العودة للوطن

الناشط السوري احمد جدعان يزور الهول بالتنسيق مع منظمة (Mercy Corps) لتقديم المساعدات، اخبرنا عبر الهاتف بان عدد المحتجزين تجاوز (6500) غالبيتهم من الموصل والرقم في ارتفاع مستمر لأن المخيم يستقبل كل أسبوع تقريبا وجبة جديدة من الفارين خاصة منذ بدء عمليات تحرير الفلوجة التي أعلنها رئيس الوزراء العراقي في 23 ايار (مايو) الماضي.

قلة من المحتجزين يستطيع تقديم اوراقه لسلطات الإقليم وعليه الانتظار أسابيع لتأتيه الموافقة ثم ينتقل للإقليم عبر منفذ ربيعة، وقد لا تأتي الموافقات اصلا.

وبسبب الظروف المأساوية التي لا تطاق يلجأ من يملك المال إلى دفع رشوة للمغادرة، لكن لا شيء مضمون فثمة (60) عائلة عالقة حاليا في المنفذ، تبين ان عناصر من امن دهوك زوروا الموافقات بعدما قبضوا المال وكشف امرها في ربيعة فاحتجزت العائلات في ربيعة، بالمقابل ترفض قوات (YPG) اعادتها الى المخيم نكاية بموقف سلطات الاقليم، يضيف.

الجوع والعطش مشكلة الهول المزمنة، القوات المسؤولة غير قادرة على توفير الطعام والشراب للجميع والمنظمات الانسانية لم تمد يد المساعدة بينما الحكومة العراقية لم تتحرك بعد. جدعان يؤيد ما جاء في شهادة عدد من سكان المخيم الذين قالوا لنقاش، ان عائلات كثيرة تأكل وجبة طعام واحدة يوميا وتشرب ماء غير مصفى، ويؤكد "ان الوضع الإنساني هناك كارثي".

ولـ(أبو نور) شهادته، "يجلبون لنا مياه آبار، ننتظر الصهاريج كل يومين لنقف في طابور طويل تحت الشمس الحارقة، وإذا عدت الى خيمتي بـ (20) لتراً تلك فرحة للعائلة، كما أرسل طلباتي لجلب الغذاء مع اشخاص يحصلون بصعوبة على موافقات للتسوق من البلدة القريبة".

"اطفالي يشربون الماء الحار في ذروة الصيف واحيانا يأكلون الطعام البارد لأننا نطهو بطريقة بدائية جدا. لا استطيع وصف حجم المعاناة" يضيف والحزن صاغٍ على نبرته.

تحالف المنظمات يحذر من تدهور الحالة الصحية لنحو (500) طفل دون سن السادسة بسبب سوء التغذية وارتفاع درجات الحرارة، الى جانب ما تعانيه ثلاثون امرأة حامل لعدم توفر اية رعاية صحية لها، إلى جانب انتشار الأمراض الجلدية وإصابات بلسعات الثعابين والعقارب السامة.

البيئة الصحراوية مناسبة لانتشار الأمراض، لذا يتكدس المرضى أمام العيادة الوحيدة التي يتواجد فيها طبيب من منظمة الهلال الاحمر يزور المخيم مرتين في الأسبوع فقط، الشهادات تتحدث عن صعوبة إسعاف الحالات الطارئة بسبب الإجراءات الأمنية الصارمة، حيث ينقل المريض الى مستشفى الحسكة ويمنح إجازة خروج زمنية لا تزيد عن (48) ساعة.

هل تحركَ الماء الراكد؟

هذا جانب من القصة وفي كل خيمة قصة ومأساة، لذا صوت الهول بدأ يرتفع، الفيسبوك مليء بمناشدات لناشطين موجهة الى الأمم المتحدة للتدخل، ولأول مرة يزور المخيم مسؤول عراقي (النائب عبد الرحيم الشمري) فأوصل مساعدات تضم (300) خيمة وكميات بسيطة من الغذاء.

الشمري ظهر في شريط فيديو يوم 27 حزيران (يونيو) يناشد بانفعال شديد رئيس الوزراء العراقي بالتدخل الفوري والضغط على إقليم كردستان للسماح للمحتجزين بالدخول الى أراضيه او فتح مخيم لهم في العراق.

ابو نور لم يفرح كثيرا بمساعدات الشمري، بل ركز على ما ستحققه الزيارة من نتائج لإخراج الناس من هذا "المنفى".

استرسل الرجل بنبرة جادة تشير إلى نهاية حديثه، يجب أن يوضع حد لكل هذا العذاب والإهانة، اذا لم يسمحوا لنا بدخول الاقليم او المناطق المحررة في نينوى، واصرت قوات (YPG)على احتجازنا هنا كالحيوانات، فليفسحوا لنا المجال للعودة الى الموصل.



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google