جنود الجيش العراقي يصنعون أفلاماً "مفبركة" بأعلام داعش
جنود الجيش العراقي يصنعون أفلاماً "مفبركة" بأعلام داعش


2016-07-25 18:36:00
القيارة

كان جندي كوردي في الجيش العراقي، واقفاً على سطح احد المنازل في قرية كبرول، قرب القيارة، صباح يوم الاثنين الماضي، وينظر الى الدخان الاسود المتصاعد الى السماء في ناحية القيارة، حيث اضرم مسلحو داعش النار في عدد من الابار النفطية للاحتماء من الغارات الجوية، وغطى الدخان الناجم عن ذلك سماء المدينة بالكامل.

كان جنود الجيش العراقي، ذلك الصباح، في خضم الهجوم لاستعادة قرية اوسيجه في ضفة نهر دجلة المقابلة للقيارة، وكانت اصوات الرصاص تسمع بوضوح وسط العاصفة كأنها اصوات طبول تدق من بعيد، رأيت بواسطة منظار جنديين كانا جالسين من بعيد في زاوية السطح بصمت، مجموعة من الدبابات والمدرعات من بعيد تتجه الى قلب المناطق التي يسيطر عليها داعش.

كان الغبار يملء الجو شديد الحرارة، وكان دوي العاصفة الترابية، يشبه فتح باب الفرن، القى الجندي الكوردي، نظرة الى ما حوله وقال "ما هذا المكان! حتى الحمار لا يستطيع العيش هنا".

بعد مرور ساعة، سمعت صوت قائد المحور الذي كان جالساً في ظل احد المنازل على مقعد بلاستيكي، وكان يوجه الجنود في الخطوط الامامية صارخاً، "تقدم الآن، والا ساعتقلك"، لكن الجندي الكوردي نظر الى المسؤول وقال لي "لا يملك أي شيء الا الصراخ".

التحق هذا الجندي بالجيش العراقي منذ 9 أعوام، وخاص معظم المعارك ضد داعش، ويؤكد انه لم يشهد قط استسلام احد عناصر داعش طواعية، قائلاً "يسلمون انفسهم حينما لا يبقى لديهم اي طلقة، للقتال او للانتحار".

اغلب مسلحي داعش هم من اهالي المنطقة، الذين اقدموا على معاقبة ابناء قرية الحاج علي، والذين كان معظمهم موظفين في الدولة، او جنودا وضباطا في الجيش العراقي، وفي هجوم ذلك اليوم كان هناك عدد كبير من الجنود من قرية الحاج علي، وكانوا أكثر تحمساً من الاخرين، لاخراج داعش من المنطقة، وكان اليوم يبدو كانه يوم للانتقام بين من مسلحي داعش والعسكريين من اهالي القرية، وعلق الجندي الكوردي بالقول "اذا لم يكن في داخل الشجرة ديدان فانها ستعيش مئة عام".

وتقع القيارة في منطقة استراتيجية بين الموصل واربيل وكركوك وتكريت، كما توجد فيها ابار نفطية ومحطة توليد الطاقة الكهربائية وقاعدة جوية، لذا فان مسلحي داعش عززوا وجودهم فيها بحيث اصبحوا يعرفون اسماء الجنود في الجيش العراقي، عبر احتجاز ذوي الجنود كرهائن، او قيام بعض الجنود بالادلاء بمعلومات لداعش طوعاً، لاقتناعهم بافكار داعش، وقال الجندي الكوردي "الخيانة منتشرة هنا، قبضنا على جنود في معسكرنا كانوا يرسلون المعلومات لداعش، في احدى المرات فوجئنا باحد جنودنا وهو يتصل باحد مسلحي داعش بعد اعتقاله".

في حرب الانتقام هذه، لا يقوم الجنود بدفن جثث مسلحي داعش حتى، ويتركونها تتعفن تحت الشمس، وقال الجندي الكوردي "ان الرائحة المنبعثة من الجثث مثيرة للاشمئزاز بحيث ان استنشاقها يمنعك من تناول الطعام لعدة ايام، لقد فقدت وزني بسبب ذلك، في احدى المرات دخلنا الى احدى القرى، لم يكن فيها غير رجل عجوز وعدد من اغنامه، قال لنا فور رؤيتنا تفضلوا خذوا هذه الاغنام وتناولوها، بدأ الجنود بالاكل، لكني لم اتناول اي شيء، كنت اشعر بالذنب، لاني كنت اعلم ان الرجل قال ذلك من شدة خوفه منا، كما اني كنت قد شاهدت في ذلك اليوم جثة بحيث فقدت شهيتي، وقمت بتناول بعض الخبز مع الشاي فقط".

بعد اقل من ساعة من الوقوف لرؤية المعركة، توجهت مع بعض الجنود الى قرية اوسيجة، لكننا وقفنا على تلة قرب القرية، بسبب خطورة الدخول الى داخل القرية، بعد دقائق من وقوفنا اخرج الجنود العراقيون فجأة علماً واجتمعوا لالتقاط صورة جماعية، لصالح كاميرات قسم الاعلام التابع للجيش العراقي، شعرت ان العلم ليس من الاعلام التي ازيلت نتيجة المعركة، كان القماش جديداً بحيث كان يلمع تحت اشعة الشمس دون اي تجعد، ومن ثم سألت جنديين في المكان عن الامر، قال لي الاول "هذا فلم"، فيما قال لي الثاني "لا تصدق كل هذا".

بعد الانتهاء من التقاط الصورة الجماعية، تجمع الجنود للرقص الذي يطلق عليه في اللهجة العراقية "الهوسة"، كانوا يدقون ببياداتهم على الارض ويرفعون رشاشاتهم الى السماء، ويمدحون انفسهم، اطلق احدهم حزامين من ذخيرة الرصاص في الهواء، الى ان خرج ضابط من الدبابة، وقال "لا تفعلوا ذلك، لا تهدروا طلقاتكم، بل استخدموها في المعركة"، قبل الجنود كلام الضابط على مضض، لكن بعد عدة دقائق حصل ما اجبرهم على السكوت جميعاً، حيث وجه احد قناصي داعش فوهة سلاحه من احد المنازل في القرية الى الجنود واجبرهم على الانتشار.

ركبت عجلة همر عسكرية، كانت تمضي لحمل جندي مصاب، في الطريق اكتشف العسكري الذي يقود العجلة، ان الوجهة خاطئة، ليعود بحذر، وقفنا في مكان قريب، دون ان يستطيع الجنود الخروج من العجلة خوفاً من نيران قناصي داعش، طلب قائد المركبة، مني ومن عدد من الصحفيين، الانتقال الى سيارة مضادة للرصاص من نوع "باجر"، ما ان وضعنا اقدامنا على الارض حتى اصبحنا هدفاً لاحد قناصي داعش، كانت عجلة "باجر" تدور للتوجه الى الوجهة المعاكسة لفوهة القناص، فيما كان يطلق نيران سلاحه بشكل مستمر، وفي الوقت الذي قام فيه احد الصحفيين العرب بالاختباء كان يتحرك كما لو انه تعرض للدغة عقرب، حينما دققت النظر عن قرب وجدت انه اصيب بطلق ناري، فيما ارتدت طلقة أخرى كانت مصوبة باتجاهي، كانت لحظات الانتظار لحين استدارة العجلة قاتلة بالنسبة لنا، اقتربنا من الباب، حينها اطلقت رصاصة ثالثة الينا، رأيت الرصاصة التي كانت تبعد عني عدة سنتيمرات فقط.

بعد فترة وجيزة، عدنا الى قرية كبرول، وفي منتصف الطريق جاءت سيارة "بيك أب" من المقر الرئيسي للجيش في مخمور لجلب الطعام الى الجبهات الامامية، وما ان وصلنا الى القرية الا ان سألني الجنود الذين كنت معهم في الصباح "هل استعيدت القرية؟ هل رأيت مسلحي داعش؟ هل شنت الولايات المتحدة غارات جوية؟" وحينما رويت لهم ما حصل، قال احد الجنود وهو من جنوب العراق "هؤلاء الدواعش جاءوا لتدمير الدولة العراقية، وتناول العشاء بعد ذلك مع النبي، كما لو ان النبي افتتح مطعما لهم"، فيما قال آخر "هذه ليست دولة اسلامية، هذه دولة مفخخات".



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google