من الذاكرة العراقية طارق حمد العبد الله.. سيرة وذكريات الحلقة الثامنة
من الذاكرة العراقية طارق حمد العبد الله.. سيرة وذكريات الحلقة الثامنة


2016-08-24 03:40:08
تأليف/ ليث الحمداني

في لندن.. موقف آخر..
كانتْ عودتنا عن طريق العاصمة البريطانية لندن. ومساء اليوم الأول لوصولنا إلى مطار هيثرو في لندن واستقبالنا من قبل السفارة وتكليف أحد العاملين في الدائرة التجارية أو مديرها، لا أذكر، بإخراج حقائبنا ونقلها الى الفندق، وكان السفير وهبي القره غولي على رأس مستقبلينا، ويبدو أنه كان يرتبط بعلاقة قديمة مع طارق حمد، وهو ما بدا من خلال حديثهما المشترك في المطار. توجهنا بعد ذلك إلى حيث تم الحجز لنا، حيث نزل الوزير في فندق من الفنادق الكلاسيكية القديمة، فيما نزلنا ثابت الدوري ود.عصام حويش ومزهر الدوري وأنا في فندق آخر في نايتسبرج. تواعدنا للقاء بعد استراحة ساعات في فنادقنا، ولأن لندن هي مربط خيل العرب، فقد انفصل عنا ثابت الدوري ومزهر معه حيث استقبلهما دوري آخر يعمل في الخطوط الجوية العراقية، أو في دوائر السفارة، كما انفصل عنا أيضا د. عصام حويش بعد أن اعتذروا جميعا من الوزير، بينما انتهزت الفرصة لأتصل بعدد من الأصدقاء الذين أعرفهم في لندن، وكان منهم الصديق الفنان عزيز النائب الذي زرته في مقر عمله في منطقة (كوينز واي). ويومها حاولت أن ألتقيَ بصديقي القديم الصحفي فائق بطي، ولكن الوقت لم يسمح بذلك. في المساء جاءت سيارة السفارة لتنقلني من الفندق الذي أسكن فيه إلى الفندق الذي نزل فيه الوزير، حيث اتصلت به من الاستقبال وأبلغني أنه سينزل خلال دقائق، حيث ابلغني لاصطحابه في دعوة للسفير هذا المساء، اعتذر عن حضورها ثابت ومزهر الدوري لارتباطهما بقريبهما، ود.عصام الذي خرج مع زميل له يعيش في لندن. ولاحظت أن الوزير كان يريد الخروج مسرعا بحيث إنه لم يتكلم مع السفير العراقي سوى لحظات، خرجنا بعدها حيث اعتذر منه في السيارة لعدم دعوته على فنجان قهوة لأنه أراد الخروج من الفندق بسبب دخول فاضل العساف الذي كان مديرا للشرطة ثم سفيرا في المغرب فيما بعد، واستقر في لندن بعد تقاعده، ولاحظت أن طارقا كان صريحا مع وهبي حين قال له إنه لا يريد أن يكلم هذا الرجل، وهو يشك بعلاقاته مع المخابرات العراقية.. كان الحديث عاما خلال الجلسة.. تحدث وهبي عن همومه الحياتية وعدم تفهم البعض في الخارجية لطبيعة العمل الدبلوماسي.. ولمحت، وأنا جالس أمام طارق حمد في حين كان السفير يجلس بجانبه، سليم الفخري الذي كانت تربطني به معرفة سابقة، فاعتذرت بحجة الذهاب إلى الحمام، واتجهت له لأسلم عليه، وتواعدنا على الاتصال هاتفيا في اليوم التالي بعد أن أبلغته إنني سأغادر يوم غد مساءً. ولم يدر ببالي قط أن طارقا سيلاحظ وقوفي معه لأن وجهه كان بالاتجاه الأخر... وبعد أن انهينا عشاءنا أوصلتنا سيارة السفارة إلى فندق الوزير وطلب هو من وهبي أن يرسل له السيارة بعد أن توصله إلى داره. كانت الساعة قد قاربت الثانية عشرة ليلا، ولاحظت أنه كان يريد بقائي معه، فبقيت فعلا وودعنا السفير وصعدنا إلى جناح الوزير وفور دخولنا سألني:
كيف حال سليم الفخري؟
فوجئت.. فلم يترك لي المجال، قال مباشرة: لقد كنت ألاحظك في المرآة المقابلة.. الرجل تغير بعض الشيء.. ولكنني عرفته.
اعتذرت له بارتباك قائلا: يبدو أنك تعرفه جيدا!
أجاب: نعم أعرفه جيدا. إنه انسان ذو أخلاق عالية جدا ومثقف، وقد تحدثت معه أكثر من مرة حين كان سجينا في السجن العسكري رقم (1) في الرشيد.. أيام عملي في السجن المذكور. بلغه تحياتي إن كلمته ثانية.
وأضاف ضاحكا: قلت إنك تركت السياسة، فماذا استجد هذه الليلة؟
أجبته: أبدا كل ما هنالك صديق وأستاذ قديم وجدت أن من اللياقة أن أؤدي له واجب التحية.
أجاب قائلا: أتمنى أن يكون الأمر كذلك، وإلا فإنك ستعرضني وتعرض نفسك لما لا يعرفه إلا الله!!
بعد دقائق اتصلتْ موظفة الاستقبال في الفندق لتبلغنا أن سيارة السفارة عادت بعد إيصال السفير وأن السائق بانتظار أوامرنا. ودعته على أمل اللقاء في اليوم التالي.
اليوم التالي كان يوما مختلفا تماما.. كان هو على موعد لزيارة الفريق سعدون غيدان الذي كان يعالج في لندن من السرطان واصطحبني معه.. حين دخل على سعدون كان هذا الأخير قد وصل إلى حالة لا توصف من الهزال والضعف.. قال له بصوت شاحب.. أشكرك أخوية أبو محمد.. الله لا يشوفك مكروه.
فجامله طارق: إن شاء الله تكوم بالسلامة أبو سمره.
أجاب سعدون بصعوبة: أبو محمد أطلب من الله ياخذ أمانته ساعة كبل اخوية دا اتعذب!! الموت أحسن!!
كانت كلماته تخرج بصعوبة.. وصوته ضعيفا لا يكاد يسمع.. احترمت موقف طارق وهو يعبر عن ألمه لهذا الوضع الذي وصل له، إلا إن ابتسامة أفلتت مني ونحن خارجان رغما عني فسألني:
هناك ما تريد قوله، أعرفك جيدا؟
* نعم.. ألا تعتقد أن الله يعذبه لأنه أقسم كذبا بكتابه العظيم.. وخان الأمانة!!
- لا أعرف ما تقصد؟
* الجميع يعرف أن سعدون كان ضمن المجموعة التي استدعاها الفريق عبد الرحمن عارف قبل انقلاب 17 تموز بأسبوع واحد، وأقسموا جميعا على القرآن الكريم أن لا يخونوه.. الآخران كانا عبد الرزاق النايف الذي مات اغتيالا.. وعبد الرحمن الداود الذي لا يستطيع مغادرة الأراضي السعودية لأنه يعرف أن الموت بانتظاره في كل مكان!!
وأحسست أن الكلمة صعقت طارقا.. فقد انقلب مزاجه تماما وظل صامتا ونحن نجتاز مخازن شارع أوكسفورد الواحد تلو الآخر. اشترى بعض المستلزمات البسيطة له.. واخترنا معا ملابس لأولاده، وحرص على أن يشتري لجميع موظفي وموظفات المكتب الخاص هدايا، بما فيهم السواق والحجاب والسعاة.. وفي أحد المحلات الكبيرة في شارع أوكسفورد، وبينما نحن نقلب بعض البضائع اقتربت منا سيدتان بالعباءة العراقية.. وحاولت أن أقف بينهما وبين الوزير، إلا إنه أبعدني قائلا: دعهما.. اقتربت السيدتان وتكلمت إحداهما: (عيني الله يخليك إنت مو اللي يطلع بالتلفزيون وتقرا المرسوم الجمهوري).
فابتسم لها قائلا: إي يابه هذا أني بس كبل هسة أني وزير الصناعة.. أمر.. خدمة؟
فأجابت المتكلمة: سيدي الله يخليك احنا والله العظيم عراقيات أبا عن جد صارلنه 4 سنوات ضايعات، مات ابونه هنا وكتبنا أكثر من عريضة للريس انريد نرجع والله احنا مو إيرانيين سفرونا ظلم!! واستمرتا بشرح حالتهما للوزير، الذي طلب منهما أن يكتبا طلبا للرئيس ويسلماني إياه وبدوري أعطيتهما الكارت الذي يتضمن عنوان فندقي ورقم غرفتي، وقلت لهما إننا سنسافر اليوم ليلا.. وعليهما أن يضعا طلبهما في استقبال الفندق قبل الثامنة.
فعلا وجدتهما في السابعة والنصف في الفندق وسلمتا لي الرسالة وهما تتوسلان بشكل أثار فيّ مشاعر القرف من النظام وأساليبه.. وحين سألته ونحن في الطائرة في طريقنا إلى بغداد، هل تعتقد أن طلبهما سيصل إلى الرئيس قال لي:
إن رئيس الديوان، وكان يومها خالد عبد المنعم رشيد، (لا يبول على يد مجروح)!!
وقد ظل هذا رأيه في خالد عبد المنعم، وكذلك في أحمد حسين، وكان يردد امامي باستمرار، هذا هو سر بقائهما في الديوان، إنهما لا يخدمان سوى نفسيهما!!
ولن أنسى إنني في اليوم الثاني لوصولنا انشغلت بإعداد تقرير عن الرحلة للرئاسة، وفوجئت به يسألني عند الظهر:
(ليث، أين طلب النسوان اللي جابولك اياه بلندن؟..)
لم ينسَ الطلب وظل يتابعه مع خالد عبد المنعم، ولا أعرف بالضبط مصير ذلك الطلب.
المشرق
من الذاكرة العراقية طارق حمد العبدالله.. سيرة وذكريات الحلقة السابعة




Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google