من الذاكرة العراقية طارق حمد العبدالله.. سيرة وذكريات الحلقة العاشره
من الذاكرة العراقية طارق حمد العبدالله.. سيرة وذكريات الحلقة العاشره


2016-08-26 04:15:16
تاليف / ليث الحمداني

طارق حمد الانسان
حينَ عين طارق حمد العبد الله وزيرا للصناعات الخفيفة كان متزوجا من السيدة الفاضلة فاطمة عبد الله عثمان أبو الخيل، وله منها ولدان وثلاث بنات. وكنت أحس من كلامه عن أسرته تعلقه بها جدا وسعيه لإسعادها. وكان شديد الاهتمام بمتابعة أولاده دراسيا وحريصا جدا على تفوقهم، وكان يشدد على متابعة نجله الكبير محمد وسلوكه في المدرسة خوفا من أن يتصرف كما كان يتصرف بعض أبناء المسؤولين حينها، وكان يؤكد دائما على وليد لقمان للاتصال بشقيقه جاسم لقمان مدير إعدادية المنصور للتأكد من التزام محمد وسلوكه في المدرسة. خلال جولاتي معه كنت ألمس مدى التزامه الأسري في أحاديثه وتصرفاته. وأذكر أن وليد لقمان أبلغني صباح أحد الأيام بعدم الخروج من الوزارة لأي اجتماع، لأن الوزير سيطلبني في أية دقيقة. بعد ظهر ذلك اليوم أبلغني وليد أن الوزير يطلبني. وحين دخلت عليه وبعد أداء التحية قال لي: هناك سيدة أعتقد أنك تعرفها، لأنك موظف قديم في وزارة الصناعة، ستأتي لمقابلتي، وأريد منك أن تحضر المقابلة. وخرجت لأنتظرها في المكتب. وجاءت السيدة، وكنت أعرفها معرفة جيدة، فقد كانت موظفة في إحدى منشآت الوزارة قبل عشر سنوات، ثم تركت الوظيفة لتعمل بالتجارة. وكانت معروفة بعلاقاتها مع الأجهزة الأمنية. وقد طلب منها وليد الجلوس ثم أوصى لها بقهوة حسب طلبها، وبينما كانت تسألني عن أحوالي وعن بعض الموظفين، دخل وليد إلى الوزير ثم أبلغها أن الوزير يجري مكالمة وستدخل فور انتهائه منها. كانت سيدة جميلة وتحرص على إظهار مفاتنها واستخدام أرقى العطور التي تلفت لها الانتباه. وقد تناولتها شائعات كثيرة خلال عملها في القطاع الصناعي وبعد خروجها. أدخلنا وليد إلى غرفة الوزير وترك الباب بينه وبين الوزير مفتوحا، وكنت أحمل دفتر ملاحظاتي. رحب بها الوزير بدبلوماسية وسألها عن طلبها فأبلغته بأنها تعاقدت لتصدير كمية من السمنت لدولة خليجية وتطلب جدولة الكمية بما يجعلها تفتح أسواقا للمنتجات العراقية. وحاولت أن تستمر بالحديث عن أهمية التصدير إلا إن الوزير اعتذر منها لأنه مرتبط باجتماع عاجل، والتفت إليّ قائلا: ليث، اصطحب السيدة لمقابلة الدكتور محمد العوادي رئيس المؤسسة العامة للصناعات الإنشائية، وقال لها: لقد اتصلت برئيس المؤسسة لتسهيل مهمتك. وكان ينهي الزيارة بتلك العبارة. شكرته وخرجت وأنا معها ونزلنا إلى المؤسسة العامة للصناعات الإنشائية لنقابل الدكتور العوادي. كانت أخلاقيات طارق حمد تدلل على تربيته وعلى التزامه الأسري، فقد كان يأمر وليد لقمان بحفظ الأوراق التحقيقية التي تتعلق بقضايا أخلاقية في بعض المنشات في المكتب كي لا يطلع عليها أي موظف. وحين كانت بعض التحقيقات تقترح نقل موظف أو موظفة لهذه الأسباب، كان الوزير يأمر وليد بأن يستدعي الشخص المطلوب ويطلب منه تقديم طلب نقل لكي يبدو الأمر طبيعيا. ويشهد الله إنني لم أره يوما يرفع عينيه على موظفة حين دخوله وخروجه لمبنى الوزارة. أما عن تواضعه وبساطته فسأروي هذه الحكاية: صباح أحد الأيام استدعى الوزير وليد لقمان ليسأله: وليد شنو الموضوع إشو اليوم ماكو موظفين، أنا أرى الموظفين يدخلون يوميا حين قدومي للوزارة، اليوم كان الباب خاليا حين قدومي؟ اتصل وليد بالاستعلامات وطلب منهم إرسال الشرطي إسماعيل، وجاء الشرطي وسأله وليد بحضوري: شنو اليوم اشو ماكو موظفين يدخلون من الباب الرئيسي؟ فأجابه الشرطي: استاذ وليد هذه تعليمات من مسؤول الأمن، أبلغنا أن هذا الباب لدخول الوزير فقط. وحين نقل وليد الأمر للوزير انفعل الوزير واستدعى مسؤول الأمن، وكنا حينها وليد وباسل عباس وأنا، وقال له الوزير بعصبية: من قال لك إنني أريد أن أدخل لوحدي من الباب الرئيسي؟ ومن الذي أبلغك أن تمنع الموظفين من الدخول من الباب الرئيسي للوزارة؟ وحاول مسؤول الأمن أن يبرر القضية وقال للوزير إن هذا توجيه من أمن المنشآت، وقد نهره الوزير وأبلغه أن الباب للجميع وأنه لا يخاف من موظفي وزارته، وهو يعرفهم جميعا. ومرة سأل الوزير عني فأبلغه وليد بأنني استاذنت المكتب وخرجت للذهاب لزيارة سائقي جلوب المريض في بيته بقرية قرب سلمان باك. وحين عدت إلى الوزارة في الدوام المسائي سألني الوزير عن السائق فرويت له حالته وبأنني اصطحبت معي طبيبا خلال الزيارة، فسألني عن كلفة زيارة الطبيب فأخبرته بأنه صديقي وأنه لا يتقاضى أجورا من الفقراء بشكل اعتيادي. وسألني عن اسمه فأخبرته بأنه الدكتور عبد الصمد نعمان، ورويت له حكايته. ويومها قال لي إنه يتمنى أن تفعل ابنته منى بعد تخرجها من كلية الطب الشيء نفسه مع الفقراء. وفي إحدى المرات طلب منا تلفزيون بغداد تخصيص سيارة لاندكروزر ومرافق لاصطحاب فريق من تلفزيون بغداد إلى محافظة السليمانية لتصوير المشاريع الصناعية التابعة للوزارة، وفعلا تم تخصيص السيارة وأوفدت معها موظفا من قسم الإعلام هو حميد مجيد مع فريق التصوير، ويبدو أن الفريق بعد أن انهى تصوير المنشآت قرر الذهاب إلى السوق القديم لشراء بعض الاحتياجات مستخدما السيارة وبرفقة الموظف حميد مجيد، وبعد دقائق من دخولهم السوق هاجمهم مسلحون كرد وطلبوا من السائق مفاتيح السيارة، وحين رفض السائق تسليم المفاتيح أطلق المسلحون النار عليه وأخذوا المفاتيح وهربوا. يومها قام الوزير بتحمل نفقات الفاتحة من ماله الخاص. وحين راجعت زوجة السائق المغدور الوزارة وكانت في حالة يرثى لها، رفض طلب التقاعد واعتبر السائق مخالفا للأوامر لأنه استخدم السيارة خارج أوقات الدوام. يومها كتب الوزير رسالة شخصية إلى الرئيس مباشرة حول منح السائق راتبا تقاعديا رحمة بأسرته، وفعلا وافق الرئيس على ذلك ومنح السائق راتبا تقاعديا حسب خدمته. في إحدى المرات استدعى الوزير مدير المكتب وليد لقمان وكان واقفا أمام شباك الغرفة وينظر إلى الحديقة حيث كان الفلاحون يعملون في حديقة الوزارة، وسأل وليد: هل تشملون الفلاحين بمكافآت بين الحين والاخر؟ أجابه وليد: في الأعياد فقط! فطلب منه إبلاغي لجمعهم مع الوزير يوم مقابلة المواطنين بعد انتهاء المقابلات يوم الأربعاء. وفعلا جمعتهم وكان عددهم ثلاثة، وهم من كبار السن، وسألهم الوزير عن احتياجاتهم الشخصية وظروفهم، وطلب مني الاتصال بشركة الصناعات الخفيفة وشركة الصناعات الإلكترونية لتلبية طلباتهم من المنتجات المعمرة. كان هناك شرطيان منتدبان للعمل في الوزارة أحدهما اسمه إسماعيل على ما اذكر، وكان الوزير يتفقد أحوالهما بانتظام ويساعدهما من جيبه الخاص، وأحيانا يطلب مني الاتصال بالمنشآت لإعطائهم نماذج من منتجاتها.
المشرق
من الذاكرة العراقية طارق حمد العبدالله.. سيرة وذكريات الحلقة التاسعة



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google