من الذاكرة العراقية.. طارق حمد العبد الله.. سيرة وذكريات الحلقة الحادية عشر
من الذاكرة العراقية.. طارق حمد العبد الله.. سيرة وذكريات الحلقة الحادية عشر


2016-08-28 04:05:16
تأليف/ ليث الحمداني

النجاح وثمنـــــــــه
استمرَ طارق يحقق النجاح تلو النجاح في علاقاته بالعاملين وفي عمله، بل إنه حدّث صدام حسين أكثر من مرة عن واقع الصناعات الخفيفة، ووجد منه دعما كبيرا كما كان ينقل لنا. كان طارق حمد ينصت باهتمام للفنيين ويتابع كل صغيرة وكبيرة بنفسه.. مما جعل بعض العاملين يكرهونه لأنه نجح في إدارة القطاع بعد أن كانوا يتوقعون فشله وعزله بعد شهر أو شهرين. وحين أصدر ديوان الرئاسة أمرا للوزراء لممارسة المسؤولية من موقع أدنى.. بعد أن بدأها صدام حسين نفسه في فرقة المأمون الحزبية.. وبدأ طارق يتنقل من مؤسسة إلى أخرى، وسمع آراء كوادر تلك المؤسسات بعمل الوزارة وكادرها من الوكلاء بوجه خاص، وكان يسمع ويدوّن. سمع الكثير عن تدخلات أحنف الناصري في قضايا بسيطة جدا في إدارة المؤسسة العامة للصناعات النسيجية (علاوة لموظف) (تفريغ مهندس) وغير ذلك من إجراءات تمس صلاحيات رئيس المؤسسة صباح العبيدي الذي كان طارق يحترمه ويحبه لكفاءته وتواضعه ودماثة خلقه. وكان الرجل قد تبوّأ موقعه عبر السلم الوظيفي في القطاع نفسه. واستمرت جولاته الميدانية التي كان يستنبط منها أفكارا تطويرية من خلال سماعه للكوادر الفنية ومناقشتهم في مشاكل الإنتاج. وقد أوعز، ولأول مرة، إلى قسم الإنتاجية في الوزارة الذي كان على رأسه أحد أكفأ الموظفين الذين التقيتهم في حياتي الوظيفية، هو يعقوب يوسف شونيا لوضع ضوابط لاختيار أفضل منشأة سنويا من كل قطاع. وفعلا حصل على جوائز من رئيس الجمهورية للمنشآت الأفضل، وقد أشاد الرئيس بالوزير طارق حمد خلال لقائه بكوادر متميزة من الوزارة جرت مرتين وحضرت إحداهما (الثانية) التي شملت كوادر القطاع المختلط، وقد كرم الرئيس الجميع إلا كاتب السطور. كما إنه تابع المبادرات الحاصلة في المنشآت ورفعها إلى الرئاسة لتكريم القائمين بها، وكان من أبرز تلك المبادرات قيام كوادر من المنشأة العامة للسمنت في الموصل والمنشأة العامة للسمنت في السليمانية بصنع سمنت الحشوة لأغراض السدود، وهو نوع من السمنت يصنع للمرة الأولى، ويعرف بالسمنت الواطئ القلويات، وقد تم تكريم الكوادر التي أسهمت بهذا العمل بعد أن أمر الوزير بـإرسال نماذج من الإنتاج إلى واحد من أكبر المختبرات المتخصصة في فحص السمنت في العالم واعتقد انه كان في الدنمارك قبل إقرار استخدامه.. وحصل مرة اعوجاج في أحد أفران معمل سمنت سدة الهندية وهو من المعامل القديمة التابعة لشركة السمنت العراقية، وتمت دراسة إمكانية صيانة الفرن دون اللجوء إلى الشركات الأجنبية، ورفعت التوصيات فعلا للوزارة ووافقت الوزارة وكانت أول عملية صيانة من هذا النوع تجرى بأيدٍ عراقية مئة بالمائة. وقد كرم الرئيس الكوادر المشاركة في العملية في ضوء اقتراح من الوزارة. وظل طارق حمد يعتمد اختيار المدراء العامين الجدد للمنشآت على كوادر من المنشات نفسها رفض مبدأ التعيين من الخارج، واذكر انه تعرض لضغوطات من مكتب نائب الرئيس عزت إبراهيم لتعيين أحد الإداريين من خارج القطاع مديرا عاما للنسيج العراقية فرفض المبدأ وقال مرة بحضوري: مستعد أن أعيّنه في أية وظيفة إلا مدير عام منشأة إنتاجية، أريد أن تشعر الكوادر الفنية المتقدمة في كل منشأة أن أمامها فرصة لأن تتبوأ المواقع القيادية في منشآتها! خلال ممارسة المسؤولية من موقع أدنى في المؤسسة العامة للصناعات الإنشائية، شكا رئيس المؤسسة من بطء الوكيل صباح كجه جي في اتخاذ القرارات وتردده وتخوفه. وقد تكون عملية ممارسة المسؤولية من موقع أدنى لم تحقق أهدافها في العديد من الوزارات لأنها تحولت إلى ممارسة استعراضية وإعلامية، ولكنها حققت في وزارة الصناعات الخفيفة الكثير بفضل متابعة طارق وسعيه للتعاون مع إدارات المؤسسات في إيجاد الحلول للمشكلات التي كانت تواجه القطاع أيامها والتي كانت تتركز على العمالة والتمويل وفقدان الكوادر الوسطية بسبب نتائج الحرب التي كانت قد بدأت تظهر جليا في مختلف قطاعات الحياة. قبل أن يكمل طارق برنامج ممارسته من موقع أدنى تم تشكيل وفد لزيارة باكستان حيث رافقت الوزير ورئيس المؤسسة العامة للصناعات النسيجية إلى العاصمة الباكستانية، وكان الهدف من الرحلة محاولة تحصيل ديون مستحقة على شركات باكستانية يبدو أن التدخلات السياسية ظلت تؤجلها إلى أن تحولت إلى ديون ميتة، ولم يكن في الصناعات الخفيفة الباكستانية التي اطلعنا عليها ما هو مفيد لنا، فقد كانت التقنيات المستخدمة في صناعاتنا المماثلة أكثر تقدما، وظروف وبيئة العمل لدينا أفضل بعشرات المرات من الصناعات الباكستانية. ملاحظتان أساسيتان ناقشتهما طويلا مع الوزير، الأولى كانت استخدام الباكستانيين لتكنولوجيات روسية قديمة مصنعة في الصين تعود للأربعينات والخمسينات (مكائن ومعدات) كان لدينا أحدث منها في الشركة العامة للصناعات الميكانيكية في الإسكندرية لصناعة بعض الأجزاء لطائرات متقدمة، وكان من بين تلك الصناعات صناعة خزانات الوقود الخاصة بالطائرات الروسية، وأعتقد أن ملاحظتنا هذه التي تم تدوينها في تقرير الإيفاد نبهت العاملين في وزارة الدفاع والقوة الجوية إلى إمكانيات التعاون مع الباكستان لاحقا في توفير بعض المستلزمات، والملاحظة الثانية كانت اعتماد الباكستانيين على الأسلوب الصيني في عمليات التصنيع وهو ما يسمى (الهندسة العكسية) بحيث إنهم يقلدون صناعات بعد تفكيك نماذجها ورسم خرائطها بدقة. خلال الرحلة زار طارق حمد الرئيس الباكستاني ضياء الحق الذي كان قد أجرى عملية جراحية بسيطة وقدم له باسم الرئيس صدام حسين التهاني بالشفاء. كان مقر ضياء الحق خارج المدينة ومحصنا بطريقة تلفت النظر. في مساء آخر أيام زيارتنا للباكستان حدثنا مسؤولون في السفارة عن اشتداد المعارك في القاطع الجنوبي ويومها كنا نسير مساء في حديقة الفندق انتقد طارق بمرارة بعض قادة الفرق العسكرية وقال إن بعضهم يدخل معارك تكون خسائرها أكثر من 50% من قواته ثم يكتب للرئيس بأنه حقق نصرا في المعركة من أجل أنواط الشجاعة والامتيازات. كما حدثني أيضا عن زيارته للفريق محمد جسام الذي كان قد عين رئيسا للمؤسسة الخاصة بالصناعات العسكرية وأنه أخبره أن أغلب الصناعات غير اقتصادية وأن تطورها بطيء جدا، ولم تدم مدة رئاسة جسام للمؤسسة طويلا فقد أبعد عنها ولم يترك فيها أية بصمات.
المشرق
من الذاكرة العراقية طارق حمد العبدالله.. سيرة وذكريات الحلقة العاشره



Advertise on Sotaliraq.com? Click here for more information!

Copyright © 1998-2017 Sotaliraq.com - All rights reserved / جميـــع حقـوق الطبع والنشر محفوظة لصوت العراق
Home | News & Reports | Articles | Privacy Policy | Contact Us

Google