استجابة بقوة (آر بي جي): قضاء يمنح الأمل لمدن كردستان في تزويدها بالكهرباء الوطنية

وسط أزمات الإقليم المختلفة ومع مجيء فصل الشتاء فأن أكثر ما يقلق مواطني الإقليم هو انعدام الكهرباء، ولكن ما اغضب أهالي جمجمال هو كونهم يفتقرون إلى الكهرباء على الرغم من تأمين نصف احتياجات الإقليم من الكهرباء عن طريق الغاز الطبيعي في منطقتهم.

في ثاني يوم من عام 2017 تظاهر عدد من سكان قضاء جمجمال (65 كلم غرب السليمانية) احتجاجا على انعدام الكهرباء، وفي المساء أطلق مجهولون قذيفتي (آر بي جي) على محطة (ماس) لتوليد الكهرباء التي تؤمن خمسين في المئة من كهرباء مدن اقليم كردستان حسب ما قاله قائممقام قضاء جمجمال دون ان تتعرض المحطة لأضرار فيما أكد حراس المحطة أثناء تصريحاتهم لوسائل الإعلام سماع دوي انفجار كبير في ذلك التوقيت.

وقد ربط البعض بين الحدثين نظرا لقرب توقيت التظاهرة من توقيت الهجوم رغم نفي المتظاهرين هجومهم على المحطة، أما أهالي قضاء جمجمال والمناطق الاخرى لإقليم كردستان فقد اعتبروا ان زيادة مدة تزويدهم بالكهرباء الوطنية جاء نتيجة للتظاهرة التي شهدها القضاء.

فقبل الهجوم كان سكان المنطقة يزودون بالكهرباء الوطنية لمدة ساعتين بعد الثانية عشرة ليلا، اما الآن فقد تمت إعادة النظر في مدة وحجم جدول الكهرباء في جمجمال وأصبحت تأتي منذ الساعة العاشرة ليلا وحتى الثامنة صباحا ما فسر على انه جاء نتيجة الخوف من الهجوم.

وتمتاز جمجمال وسكانها بخصوصية تختلف تماما عن سكان مناطق الإقليم الأخرى، فارضها غنية بالغاز الطبيعي الذي ينتج نصف كهرباء إقليم كردستان كما يمتاز سكانها بالشجاعة والصدق في توجهاتهم مع كون معظمهم مسلحين.

وربما كان ذلك سببا في أن يحسب لاتخاذ الجمجماليين موقفهم من انعدام الكهرباء حسابا آخر اذ يسود توجه في المنطقة مفاده “لا تحل المشكلات مع هذه الحكومة سوى بالسلاح”.

وانتشرت المئات من التعليقات والنكات حول أحداث جمجمال على مواقع التواصل الاجتماعي تقول إحداها: “اطلق قذيفة آر بي جي وتسلم (24) ساعة من الكهرباء، هذا العرض مستمر حتى تعود الحكومة الى وعيها.. جمجمال تجمعنا” والتي تمت صياغتها على نفس الوزن والقافية لإعلانات شركات الهاتف النقال وعروض الاتصال المجانية.

وبرزت في جمجمال خلال الثورات الكردية أسماء كثيرة أصبحت رمزا للشجاعة والجرأة والتضحية الا أن الأحداث الأخيرة في المدينة شهدت بروز اسماء اخرى كان ابرزها اسم (عبدالله كويخا مبارك).

وعبدالله شخصية سياسية وهو عضو في حركة التغيير التي استقطبت كقوة سياسية إصلاحية جماهير كبيرة وعلى الرغم من اتخاذه في السابق مواقف متشددة وصلت الى حد التهديد، إلا أن ايا منها لم تلق صدى مثل موقفه الأخير حين أشيع عنه وقوفه وراء اطلاق قذيفتي الـ (آر بي جي).

الإشارة إلى عبدالله كويخا مبارك في حادث كهذا له أسبابه فقد كتب عبدالله العام الماضي على صفحته في فيسبوك: “اذا استمر الحزب الديمقراطي الكردستاني في اهانة حركة التغيير ونوابنا فلن نقبل بذلك وكخطوة اولى سنوقف إمدادات الغاز الطبيعي من جمجمال الى اربيل ودهوك”.

ولم يستغرق الأمر كثيرا حتى تم ليلة التاسع والعشرين من كانون الثاني (يناير) من عام 2016 تفجير الأنبوب الذي ينقل الغاز الطبيعي من حقول كورمور الى محطة كهرباء اربيل ضمن حدود بلدة شوان (قرب جمجمال) وبذلك تعطلت بعض محطات الكهرباء في كردستان التي تعمل بالغاز الطبيعي.

وفي اليوم نفسه أعلن مسؤولو الآسايش انه تم تفجير أنبوب الغاز بواسطة مادة (تي ان تي) وقد تعرض الانبوب الى أضرار بطول مترين، ولكن عبدالله نفى علاقته بالحادث.

وتبلغ نسبة إنتاج الكهرباء في اقليم كردستان (2750) ميغاوات اكثر من (1250) ميغاوات منها كان يتم إنتاجها من الانبوب المتضرر الذي يبلغ طوله (180) كلم ويمتد من منطقة قادر كرم في جمجمال الى منطقة بير داود في أربيل ويصدر الغاز من حقول جمجمال الغازية الى محطة بير داود لإنتاج الكهرباء.

واصبح المواطنون في جميع أنحاء الإقليم يتذكرون عبدالله عندما يدور الحديث عن الكهرباء كما كتب ريكان سالائي المقيم في محافظة أربيل على صفحته في فيسبوك: “نطالب السيد عبدالله بأن يطلق من مكانه في جمجمجال قذيفة آر بي جي على كهرباء أربيل لعلها تصبح (24) ساعة”.

ونظراً لعدم تمكّن الحكومة من تأمين الكهرباء كما يجب فقد ظهر نظام آخر للكهرباء ويعمل الآن وهو كهرباء المولدات التي تدار من قبل القطاع الخاص.

وتعج مواقع التواصل الاجتماعي بالنكات والكاريكاتورات الهزلية والحديث فيها يدور حول عبدالله وجمجمال فكان المواطنون سابقا يعرفون أسماء الكهرباء الوطنية والمولدة أما الآن فقد أضيفت إليهما “كهرباء عبدالله كويخا موبارك” أيضاً في اشارة الى الكهرباء التي أتت بعد اطلاق قذيفتي (آر بي جي).

واعرب عبدالله عن سعادته بأن تظاهرة جمجمال أحدثت تأثيرا مقارنة بالتظاهرات الاخرى التي تنظم يوميا، الا انه لم يخف عدم وقوفه وراء هذه الاخيرة قائلا لـ”نقاش”: “لقد وصل وعي الناس الى حد لا يقبلون الظلم”.

عبدالله الذي يبلغ من العمر (42 عاما) عاش لمدة ثماني سنوات في النرويج وعاد بعد عام 2008 وهو الآن مسؤول حركة التغيير في جمجمال، يشدد كثيرا على انه وحركته يعملان على إحداث ضغط جماهيري شامل وتوعية الناس، وذكر ان تفجير انابيب الغاز واحداث الفوضى ليس جزءا من أوراق الضغط لديهم.

وأضاف إن “هناك أشخاصا غاضبين وهناك من يستغل هذا الغضب، ولكن ليس من مبدأنا اللجوء إلى تلك الأعمال”.

وعند حديث أهالي جمجمال عن قلقهم يستذكرون الخصوصية وكل النضال والتضحيات التي شاركوا فيها، فمثلا يعتبر حقل كورمور الموقع الذي يستخدم غازه الطبيعي لتوليد كهرباء اقليم كردستان معقل مؤنفلي قضاء جمجمال اذ تفيد احصاءات وزارة الشهداء في الاقليم بان اكثر من (20) الف شخص بريء في المنطقة ذهبوا ضحية القضية الكردية على يد النظام البعثي السابق.

وفضلا عن ذلك فان قضاء جمجمال قدم خلال الثورات الكردية (2000) شهيد جبهة كما قدم خلال الحرب ضد داعش (63) شهيدا.

ويرى الكاتب والصحفي لطيف فاتح فرج أن ما يحدث في جمجمال هو ردّ فعل الناس على حرمانهم من خيرات منطقتهم وقال لـ”نقاش”: “لقد تم إنشاء محطة كهرباء في المنطقة، ويجري بيع الغاز والنفط، وكانت المحطة قد تعهدت بمساعدة أهالي المنطقة أما الآن فلا تنفذ تعهداتها ويتم بيع كهرباء المنطقة إلى مناطق أخرى وهو ما اغضب الأهالي”.

ويرى فرج أيضاً انه تتم إثارة غضب الناس باستمرار بدل الرد عليهم ويوافقه في هذا الرأي قائممقام القضاء الذي ذكر أيضاً إنهم كانوا دوما في مقدمة الأهالي وأوصلوا مطالبهم.

وقال آمانج كساس الجباري قائممقام جمجمال لـ”نقاش”: ان “المواطنين سبقونا بخمسة أشهر، ولكن المشكلة تتمثل في أن حكومة الإقليم تدعي اللامركزية ولكن من يديرون سياستها لهم نفس مركزي وهذا ما أدى إلى تأخرهم في الاستجابة لمطالب الناس”.

واعتبر الجباري مطالب المتظاهرين مشروعة خصوصا وان “أهالي المنطقة كان لهم حصة الأسد من التضحيات وحماية الإقليم والأراضي العراقية والديمقراطية في المنطقة”.

وأثار موضوع اطلاق قذائف (آر بي جي) أمورا أخرى كثيرة حول مواقف الجمجماليين فبالإضافة الى حادث تفجير أنبوب الغاز تم اطلاق النار لمرتين على كاميرات المراقبة التابعة لشرطة المرور بحجة إيفائها غرامات كثيرة من الأهالي من دون ان يعلم احد إلى أين تذهب وارداتها.

كل ذلك ابرز الاجابة على سؤال مالذي يجري لو نفذ اهالي جمجمال بالفعل تهديداتهم؟ هل سيتم قطع الغاز او سينعدم الكهرباء ام ستقطع الطريق امام ناقلات النفط؟.

وقالت ريواس فائق عضو لجنة الطاقة والموارد الطبيعية في برلمان كردستان لـ”نقاش”: ان “كل شيء متوقع من الاهالي الغاضبين، وللصبر حدوده، فاللجوء الى العنف وقطع الطريق امام ناقلات النفط وقطع الغاز ومهاجمة المؤسسات الحكومية كلها امور متوقعة”.

وأضافت: “اذا لم تحاول الحكومة على وجهة السرعة تقليل أسباب الاحتجاجات ليس في جمجمال فقط وانما في المناطق الاخرى ايضا فقد يصل العنف الى حد المواجهة المباشرة مع القوات الامنية والحكومة والأحزاب السياسية”.

وبخلاف النائبة ريواس يعبر المواطنون عن وجه آخر للحلول عبر النكات على صفحات فيسبوك فهم يتحدثون اقل مايمكن من الكلام الجاد ولا يوجهون حديثهم الى الحكومة والأطراف السياسية بل ينتظرون مع كل انقطاع للكهرباء ان تحل جمجمال وعبدالله كويخا مبارك مشكلتهم.

آلا لطيف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here