أطباء البصرة يستعينون بسماسرة لاستقطاب المرضى

فجأة وجد طبيب أخصائي في العظام ومعالجة الكسور نفسه ميتاً دون أن يعلم بالأمر، إذ كان في رحلة خارج العراق، ولكنه مات في نظر مراجعيه والمرضى الذين يقصدون عيادته في منطقة العشّار، ولم يعد له وجود، ما اضطرهم إلى متابعة العلاج لدى طبيب آخر.

يقول الطبيب الذي حبّذ عدم ذكر اسمه خشية انتقام السماسرة منه لـ”نقاش” حول ما حدث “زارني أحد مرضاي ولديه موعد دوري كل شهرين وبدا متفاجئا لأني ما زلت على قيد الحياة قال ان أحد الدلالين أخبره بوفاتي منذ شهر وعرض عليه عيادة طبيب آخر لكنه فضّل الاستفسار في المستشفى الذي أعمل فيه وتأكد هناك من عدم صحة الخبر”.

ويضيف “هذه ظاهرة سلبية ليس لها مثيل في بقية المحافظات، فالدلّالون ينتشرون بين عيادات الأطباء ويتلقفون المراجعين من الشارع فإذا اخبرهم المريض انه قادم لمراجعة الطبيب الفلاني يتذرعون بعدم وجوده وأنه انتقل الى عيادة اخرى عنوانها مجهول وهم لا يترددون عن تشويه سمعة الطبيب الذي لا يدفع لهم بترويج شائعات عن عدم كفاءته، مستغلين جهل الناس البسطاء فيرسلونهم لطبيب آخر ويحصلون على نسبة من اجور الفحص”.

يقول عبد الله قاسم وهو مضمد ان الاطباء يستعينون بمن يعملون معهم في المستشفيات لمساعدتهم في عياداتهم واستدراج المرضى، ويبرر ذلك بالقول “هناك تنافس محموم بين الأطباء في المناطق المكتظة فإذا كانت أجرة الكشف لدى أخصائي الباطنية (25) ألف دينار فأنه يعطي للدلّال عشرة آلاف دينار من اجل جلب مريض إضافي”.

ويضيف “الأمر لا يقتصر على الأطباء الجدد بل يتعداه إلى الأطباء المعروفين، انا شخصيا اعرف جراحا أخصائيا يعطي ثمن الكشفية كلها للدلال ويستعيدها من المريض بطرق أخرى”.

يقول أخصائي الباطنية الدكتور عبد الحميد عبد المجيد ان هناك طرقا غير انسانية يستخدمها بعض الاطباء ويؤكد “معظم ضحايا الدلّالين هم من الفقراء وسكان أطراف المحافظة والقرى النائية وأحيانا يستغل الطبيب جهلهم ويخبرهم بتشخيص غير صحيح لغرض إجراء فحوصات إضافية كالأشعة والسونار والفحوصات المختبرية ويكون على اتفاق مسبق مع تلك المختبرات وله نسبة ربح معينة يعوّض بها ما يدفعه للسمسار”.

يكشف عبد المجيد لـ”نقاش” بعض أساليب السماسرة في إقناع المرضى ويقول “إنهم يروّجون أكاذيب عديدة لإبعاد المرضى عن طبيب معين وجذبهم لآخر يجزي لهم الدفع، كالقول إن الطبيب الفلاني متقاعد ولا يعمل في مستشفى، بينما الآخر طبيب ممتاز ويعمل في اللجان الطبية التي من صلاحيتها منح الإجازات للموظفين”.

ينتشر معظم السماسرة في منطقة العزيزية بالعشار التي تضم عيادات الأطباء والمختبرات والصيدليات، ومع أن الجهات الأمنية قامت بحملة اعتقالات لهم بعد تصاعد شكاوى الأطباء إلا انه سرعان ما أخلي سبيلهم بسبب تدخل جهات حزبية وشيوخ عشائر وأطراف نافذة.

يقول الصيدلي شوقي صادق إن المكان مختنق بعد قطع أوصال المنطقة بالمفارز الأمنية ومنع مرور العربات منذ سنوات بدوافع أمنية ما أثر على عملهم،ويوضح لـ ” نقاش”: “تراجع عملنا بنسبة 60 بالمئة عن قبل، وفي المقابل ازدادت الضرائب علينا. نحن ندفع حاليا أكثر من 4 ملايين دينار سنويا، كما تضاعفت بدلات الإيجار، وهو ما دفع بعض الأطباء وأصحاب المختبرات والصيادلة للاستعانة بالسماسرة لزيادة أرباحهم”.

ويتعذر على المرضى المتعبين قطع الشوارع المغلقة سيرا على الأقدام، لذلك اضطر الكثير من الأطباء لاسيما المعروفين منهم للرحيل، وبعضهم حصل على عروض مغرية من الصيادلة للانتقال إلى منطقة الساعي التي تمتاز بشوارع واسعة وبنايات حديثة، وتتمثل هذه العروض بدفع بدل إيجار عياداتهم في مقابل احتكار وصفة العلاج التي يوصي بها الطبيب لمرضاه”.

مع ذلك ما زالت تنتشر في منطقة العزيزية أكثر من مئة صيدلة وعدد لا يستهان به من عيادات الأطباء والمختبرات وعيادات الأشعة رغم تراجع أعداد المرضى نتيجة غلق المنطقة.

وفي مقابل السماسرة انتشرت ظواهر أخرى كاعتماد بعض الأطباء في عياداتهم على أجهزة أشعة أو سونار أو مفراس دون أن يكونوا مختصين بذلك، ما أثر سلبا على عمل اختصاصي المختبرات والفحوصات إضافة إلى عواقب التلوث.

ويعزو رئيس نقابة الأطباء الدكتور مشتاق أبو الهيل تلك الممارسات التي وصفها بـ “اللاأخلاقية والمخجلة ” من بعض الأطباء وجهات أخرى إلى غياب دور النقابة منذ عام 2003 جراء قوانين الحاكم المدني بريمر، وانفصالها عن المركز العام في بغداد وعدم دعمها من الحكومة المحلية.

الدكتور أبو الهيل الذي جرى انتخابه نهاية 2016 يؤكد على اتخاذ إجراءات رادعة بحق الأطباء المخالفين للقوانين ويقول”عممنا تبليغا بالالتزام بقانون الأطباء والمادة (15) الفقرة الثالثة منه التي تمنع منعا باتا التعامل مع السماسرة ويتحمل الطبيب المعني خلاف ذلك المسؤولية التي تصل إلى إغلاق العيادة”.

ويضيف لـ “نقاش” حول ظاهرة السماسرة “نلقي باللائمة أولا على الأطباء، ونحن نعرف أسماء الذين يستخدمون سماسرة ووجهنا لهم إشعارا مفصلا، وسنستعين بسلطة الحكومة المحلية لاتخاذ ما يلزم من اجل ردع الأطباء والسماسرة على السواء”.

في ساعة الذروة عند المساء يتحرك بعض السماسرة بخفة معترضين سبل المرضى عارضين عليهم المساعدة، وغالبا ما يكونون شبابا متعلمين، معتنين بهندامهم ويمتلكون قدرة على الإقناع، لكنهم خلف لباقتهم لا يسمحون لشيء حتى الأطباء باعتراض رزقهم مثلما فعل السمسار الذي بث خبر وفاة طبيب معالجة الكسور الذي فوجئ بخبر وفاته من مرضاه.

وحيد غانم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here