كيف نصلح التعليم في العراق؟ موجود نظريا عاطل وظيفيا

ماجد عبد الحميد الكعبي

تنطبق هذه المعادلة على مسميات وعنوانات وممارسات وسلوكيات واخلاقيات واشياء اخرى كثيرة نشاهدها عيانا ونشعر بوجودها المادي المحسوس لكنها  لا تعمل على ارض الواقع فهي معطلة وليس لها وظيفة. وينسحب هذا الحكم على النظرية والتنظير الجميلين الموجودين في الكتب والمدونات والتاريخ والسجلات ولكن ذلك الوجود الجميل لا يتحول الى واقع او فعل جميل. بل تبقى النظرية شكلية الوجود ، عاطلة عمليا ، ووظيفيا. النظرية هي عبارة عن امنية وعالم افتراضي نطمح الى تحقيقه ولكنه عمليا غير موجود ولا يمكننا تطبيقه.  انها بنية افتراضية تنتج كائنات افتراضية. فاذا كانت البنية الفوقية ( السياسة ، القانون والنظم ، الادب والثقافة ، الاخلاق والقيم ، اللغة والهوية ،..الخ) افتراضية وكذلك البنية التحية (الزراعة ، الصناعة ، الطرق والمواصلات ، شبكات الصرف الصحي ،الثروات ، حماية البيئة ، العمران ، ..الخ) افتراضية ايضا فالحال يقول : اننا كائنات افتراضية. ليس لها وجود مادي واقعي ملموس ، هي عبارة عن تفوهات عشوائية و ارقام وحبر وورق. عالم خيالي افتراضي شبحي ماورائي . لدينا سياسيون محنكون ومحللون سياسيون لكننا افشل الناس في السياسة الداخلية والخارجية . لدينا قوات عسكرية مسلحة وفي كل يوم نتذوق مرارة الهزائم ونشاهد الالاف من النازحين والمهاجرين. لدينا قانون ودستور و اقدم مسلة في التاريخ ولكن شريعة الغاب هي التي تحكم الشارع. لدينا قيم انسانية و اخلاق رفيعة في بطون الكتب والتراث . والواقع يتحدث : ان ثقافة السلب والنهب والغدر والغلبة هي التي تتحكم بسلوكيات الناس. لدينا اعظم لغة مقدسة تمتلك اكبر معجم لغوي ويحافظ عليها نحو عتيد بقواعده و اقيسته الافتراضية ، ولكننا نتكلم ونتحدث بلهجاتنا الاشد محلية وعامية . يتخرج عشرات الطلبة في كليات الهندسة سنويا ولكن ليس لدينا بنايات وانشاءات قائمة تشهد لخبرتهم وقدرتهم الهندسية ، واذا ما ارادوا تعبيد شارع ما  فانهم لا يرون من تطبيقات الهندسة الا رؤية الشوارع وهي مستوية امام ناظرهم حيث يتم قشط المنطقة المرتفعة ودفن الاخرى المنخفضة. لدينا كليات طب وطلبة سيتخرجون اطباء بالعشرات ولكن مرضانا يذهبون الى دول الجوار للفحص والعلاج لعدم ثقتهم بالاطباء ولدينا مستشفيات عامة وهياكل لمستشفيات كبيرة لكن المرضى يستعينون بالعيادات الخاصة في الفحص وشراء الادوية والاستشارات الاخرى. لدينا مدارس يتم تدريس اللغة الانكليزية فيها لمدة ثمان سنوات ولكن الطالب الجامعي لا يعرف كلمات  وافعال بسيطة مثل : ( build, river, talk, decide, factory, etc.  ) وكذلك يتم تدريس اللغة العربية فيها منذ المرحلة الاولى الى الصفوف المنتهية والطالب لا يحسن التفريق بين الاسم والفعل والحرف.
وعلى صعيد البنية التحتية لدينا ثروة نفطية هائلة واحتياطي كبير، لكن افقر الناس هم من يسكن ارضنا. لدينا انهار عذبة صافية لا تستعمل اغلب مياهها للزراعة ولكنها ايقونة يتحدث عن جمالها وعذوبتها الشعراء فقط . لدينا شمس دائمة النور وسماء زرقاء ولكننا نهاجر الى بلدان الثلج والغيوم. لدينا ابنية جامعية انيقة شكليا مزركشة بالالوان الزاهية وديكورات تحاكي احدث التصاميم الهندسية ولكنها وظيفيا معطلة حيث الاخطاء الهندسية التنفيذية الفادحة التي ادت الى تشقق البنايات وتساقط الزخارف بعد عامين من الاستعمال.   لدينا كل شيء وفي الوقت نفسه نحن الفاقدون كل شي ، لاننا كائنات فضائية ، مجدها وتراثها ودينها يتحدث عن عالم افتراضي اخر بعيد عن واقعنا المزري.
ان معظم تلك الاشكاليات هي نتيجة حتمية لتعليم افتراضي مبني على الجانب النظري فقط ، فهو كحال من يعلم السباحة بالكراسة دون ان ينزل المتعلم الى المسبح ، ومثل الذي يعلم السياقة بقراءة كتيب التدريب على السياقة ولم يقد السيارة يوما ، ومثل الذي يتعلم الحاسبة بالكتاب دون استعمال الحاسبة.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here