هل لزيارة العتبات أثر في الجانب العقائدي؟!

 
حسن الهاشمي
الجموع التي تترى لزيارة العتبات المقدسة ولا سيما المعصومين منهم في العراق وبقية البلدان الاسلامية انما يكرسون مبدأ الولاية والانقياد والاتباع لمن هم عدل القران وأحد الثقلين وركن الدين وثقل الرسالة، التواصل مع اضرحتهم المباركة هو تجديد عهد مع مبادئهم وافكارهم ونهجهم النير الذي ضحوا الغالي والنفيس من أجل ايصاله الينا وانقاذنا من الضلالة وحيرة الجهالة الى حياض الله الرحبة ومناهجه السمحة وروابيه المخضرة.
والمؤمن حينما يزور أحد اضرحة المعصومين انما يوثق الصلة بينه وبين الله تعالى، حيث انهم هم الأدلاء الى الله والموصلون اليه عبر القنوات الصحيحة التي دلنا اليها القران الكريم ونبينا العظيم في مناسبات متعددة، إذ لا اثنينية بين التفاعل مع أهل البيت(ع) وبين التفاعل مع رب العالمين؛ لأن هؤلاء من شؤون المولى وهم منصوبون من قبله تعالى، لأنهم العبيد المتميزون للمولى الخاضعون الطائعون له حق الخضوع والطاعة، فمن أراد أن يتقرب إلى الله تعالى، فهم الوسيلة الموصلة اليه، كما نقرأ في الزيارة الجامعة: (من أراد الله بدأ بكم، ومن وحّده قبل عنكم، ومن قصده توجه اليكم).. إن رب العالمين هو أمرنا بمودتهم، فكل مظهر من مظاهر المودة والتحبب إليهم يعود إليه تعالى، وإذا نحن بالغنا في إظهار المودة، فليس هذا على حساب رب العالمين، بل يعود إليه تعالى، لاحظ انك عندما تأمر أحدا بإكرام ولدك، فإذا هو بالغ في الإكرام فإنك- ما دامت المبالغة في ضمن الإطار الشرعي- لا تذمه على هذه المبالغة، بل إنك كم تسعد وتفرح بهذا الإكرام والتبجيل!.
وهل تعلم عزيزي القارئ تعظيما أكبر من السجود؟! إن رب العالمين أمر الملائكة بالسجود لآدم، سجود اكرام واحترام وتقدير، لا سجود عبادة وخضوع وتذلل، قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ). (سورة البقرة، 34) ومن المعلوم أن هذه العملية لا نقوم بها لأئمة أهل البيت (ع)، بل حتى للنبي المصطفى (ص)، لأن هذا أمرا من الله تعالى كان خاصا لآدم (ع)، مع أن آدم (ع) دون النبي (ص) والأئمة عليهم السلام في الفضل والرتبة، بيد ان العترة الطاهرة يبقون اساس التوحيد المجسدين له في الواقع، من يتبعهم فقد عبد الله حق عبادته، ومن تخلف عنهم لا تغنيه عبادته من الله في شيء حتى لو بقي يعبده دهرا بين الركن والمقام، اذ ان الله تعالى يريد ان نعبده كما يريد هو لا كما نريد نحن، عن ابن عباس عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: (لو أن عبداً عبد الله بين الركن والمقام ألف عام وألف عام، حتى يكون كالشنّ البالي، ولقي الله مبغضاً لآل محمد، أكبّه الله على منخره في نار جهنم).( مجمع الزوائد 9 / 171).  
التواصل مع المعصومين الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، والذين أوجب الله تعالى مودتهم ومحبتهم والانصياع لأمرهم، هو بمثابة التمسك بالدين والهدي على نهج سيد المرسلين، وطالما ان هذا العهد معهم يقوي في الانسان المؤمن الجانب العقائدي، ومن هنا جاءت الامامة أصلا من أصول الدين عند الامامية، فهي المكملة للرسالة والحافظة عليها من تحريف المحرفين ودنس المندسين وتكذيب الكاذبين، فهي صمام أمان للدين والرسول والرسالة من أن تقع بأيدي الذئاب المفترسة التي تتربص بأهل الحق واليقين دوائر السوء والمنكر والعدوان.
فإتيان قبورهم كإتيانهم وهم أحياء لا فرق في ذلك، فهم أحياء عند ربهم يرزقون، ولا سيما سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام الذي يزوره انما يزور ترعة من ترع الجنة، وكمن يزور الله في عرشه، وكما نقرأ في زيارته المباركة: (يا أبا عَبْدِ اللهِ، اَشْهَدُ اَنَّكَ تَشْهَدُ مَقامي وَتَسْمَعُ كَلامي وَاَنَّكَ حَيٌّ عِنْدَ رَبِّكَ تُرْزَقُ فَاسْأَلْ رَبَّكَ وَرَبِّي في قَضاءِ حَوائِجي…) وانما وصل الى هذا المقام الشامخ لما بذله في سبيل الله من نفس وعيال واهل واولاد واصحاب، قدم كل ذلك بطبق من الإخلاص والوفاء للمبادئ الصادقة التي يؤمن بها، والتي نعيش نحن الآن بفيئها وظلالها الوارفة من الاسلام المحمدي الأصيل الخالي من التلاعب والتزوير، والموصل الى رضا الله العلي القدير.
اضافة لما يحصل المؤمن من عطاءات معنوية من زيارته لقبور الأولياء ولا سيما سيد الشهداء، من تقرب الى الله أكثر واندكاك في قيم السماء أعظم، فإن تلك الترعة المقدسة باتت ملجأ لأصحاب الحوائج الدنيوية، فإن الكثير ممن تنقطع بهم السبل يلتجؤون إلى هذه المراقد ويطلبون من الله حاجاتهم، يقدمون أصحابها بين يدي نجواهم مع الله تعالى ويبتغون إليه سبحانه الوسيلة؛ لِما لهم من مكانة عظيمة لديه جل وعلا للخلاص من مرض فتّاك لم يستطع الأطباء معالجته أو فاقة مستعصية عجز عنها أصحاب القرار أو غير ذلك، فيكشف الله عنهم الضرّ كرامةً لأوليائه الذين اندكوا في ذات الله وكانوا كما قال الحسين عليه السّلام في مناجاته مع الله:
تركتُ الخلْق طُرّاً في هواكا*** وأيتمتُ العيالَ لكي أراكا
فلو قطّعتني بالحبِّ إرْباً*** لَما مال الفؤادُ إلى سواكا
وقد روى ابن عباس عن الرسول صلّى الله عليه وآله في حق الحسين عليه السّلام: في حديث طويل: « إن الإجابة تحت قبته والشفاء في تربته والأئمة من ولده » (بحار الأنوار للشيخ المجلسي 286:36 ).
فالمعصوم ولاسيما الامام الحسين هو اقصر الطرق للوصول الى الله تعالى، ومادام ان المحتاج لا يمكن له ادراك الغني عن العالمين للبون الشاسع بينهما، فإنه يبقى يلتمس الواسطة الطاهرة للتقرب الى حضرة قدسه سبحانه، وهل يوجد على وجه البسيطة أطهر وأقدس من الرسول وعترته الطاهرة لكي نتوسل بهم الى الله لقبول الأعمال والطاعات والعبادات؟!.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here