هل يستوي أهل القلوب و أهل العقول؟ همسات فكر(144)

هل يستوي أصحاب القلوب و أصحاب العقول!؟
أصحاب (القلوب)(1) هم وحدهم القادرين على كشف الحُجب و آلأسرار العلميّة الكامنة وراء القوانين و العلوم الطبيعة و الأنسانية و آلأحكام الفقهية المحدودة, بل يتعدّون ذلك لإعْمالِ علوم (الكوانتوم) لكشف المعادلات المعقدة و خفايا الأفكار و كنه العلوم و آلأشارات الكبرى التي تنطوي في آلأفكار و آلظواهر العلمية ألتي لا يكشفها سوى آلفلاسفة و آلعرفاء الأستثنائين الذين لا يجود بهم الزمن إلا قليلاً كآلشيخ (البهائي) و (آينشتاين) و (محمد باقر الصدر) و أمثالهم من أهل (القلوب) ألّذي عشقوا الأنسان و حاولوا خدمته و تحقيق سعادته بصدقٍ و وفاءٍ و جهاد مرير لا تخضع للعلوم العادية و المسائل الفقهية و على مدى العمر حتى كشفوا حقيقة العلوم المفيدة و مبادئ الأسلام الحقيقية للناس و وقفوا أمام أعتى طغاة الأرض و مجرمي التأريخ الذين كانوا يريدون إذلال الأنسان متحدّين لهم و مبشرين الناس بزوالهم!

و هكذا كان و يكون سعي و حياة و جهاد العاشقين و ثمرة (الأخلاص) الذي هو (سرّ الله) و عطائهُ الذي يقذفه في قلوب المُحبين, ليصلح الله بهم الناس بعد إصلاح سرائرهم .. كما علانيّتهم و كأنّهُم هم الله لا غير!

ألمُفكرّ ألحقيقيّ ألمُخلص؛ هو صاحب ضمير و قلب نابض بآلحياة و المحبة و العشق و العطاء .. حين يعيش؛ أو يُفكّر؛ أو يكتبْ؛ أو يبحث؛ أو يتعامل مع عائلته أو المجتمع و كل الناس, يختلفُ عن كلّ فقيهٍ و مرجعٍ و مفكّر تقليديّ آخر تَحَدّدَ منهجهُ ضمن الأطار العقليّ و بقوالبَ معادلات و مسائل علميّة جافّة و محدودة حتى تجمّد وجوده بإتجاه واحد نضبَ معهُ الأخلاص و آلحبّ و التواضع في وجوده لإصلاح خلق الله تعالى و نجاتهم من الظلم و الأرهاب و الفقر!

ألمفكر الحقيقي؛ هو آلعالم ألفقيه ألذي ينظر بنور الله و عظمتة و قدرته و ملكوته في كلّ شيئ, و هذا أمرٌ مؤكدٌ و و ثابت أكّدتهُ الأحاديث القدسيّة الشّريفة بجانب آيات القرآن الكريم!

و هكذا كان أستاذنا الفيلسوف الصدر الأول ألذي مَلَكَ القلوب الطيبة كلّها فإختلفَ عن كلّ فقهاء و مراجع عصره و خرق حدود زمانه و مكانه ليشمل حركته الوجود بأسره, لذلك أبى أنْ يعيش حالة التّحجر ألفقهيّ و آلخنوع و آلذّلة تحدده بقعة جغرافية و تأريخية و فقهية, أو جسدٌ محدود كما كان آلآخرون من حوله مُسْتأنسين بوجاهتهم و بمسائلهم الفقهية الجافة و بأبدانهم و حواشيهم لتأمين رفاه أجساد عوائلهم و أحفادهم تحتَ رحمة نظام جاهليّ متفرعن .. بينما هو على عكسهم إختار مسار ألعشق و ألخلود و المواجهة, و أقرانه إختاروا الموت و مملكة النسيان(2)
!
و هذا هو الفرق الجوهري بين أصحاب القلوب(الطيبة) و أصحاب العقول(الوجاهة)!
و إن مركز (البصيرة) و (العقل) الحقيقي هي القلوب و ليست العقول الظاهرة التي قد تفهم شكل و ظواهر الأشياء, و لهذا قال الباري تعالى: [إنها لا تعمي الأبصار بل تعمي القلوب التي في الصدورٍ].
عزيز الخزرجي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) (1) ألبشر على نوعين؛ إما أن يكون من أهل (القلوب) أو من أهل (العقول)؛
فأهل ألعقول؛ يؤمنون فقط بآلحساب و الكتاب و آلأبعاد الظاهرة في المسائل الفقهية و آلأحكام ألشخصيّة ضمن (المحرمات و آلمُحللات و المستحبات و المكروهات).
أمّا أهل القلوب؛ و هم الفقهاء العرفاء .. فيتعدّون ذلك إلى معرفة أبعاد و فلسفة تلك المسائل و آلأحكام الشرعية و القرآنية و علاقتها بالوجود و مقارنتها بآلأفكار الأخرى و هؤلاء هم أهل العرفان و البصيرة و التوحيد الحقيقي, و كان الصّدر الأول و الإمام الخميني منهم!
و ليس بآلضرورة أن يكون صاحب (القلب) مسلماً و مؤمناً و ما أقل ألعرفاء في أوساط المسلمين, بل يشمل كلّ ذي علم و معرفة و بصيرة إتصل و تفاعل مع هذا الوجود عالماً متخصصاً و مُنتجاً و خادماً و مسالماً مع البشر و من أي دين و عقيدة, حيث يتحقق هذا لكل إنسان سويّ بعد ما يعرف الحقّ حقّاً و يخوض أسرار الوجود عبر ألأسفار لكشف معادلاتها بعد ما يواجه المتاعب و المصاعب و المشانق و هو يسعى لخدمة الخلق حتى يصل إلى آلله تعالى(فالطرق إلى الله تعالى بقدر أنفاس الخلائق!
فهذا (جبران خليل جبران) أو (جورج جورداق) أو (جان جاك روسو) مسيحيون؛ لكنهم عرفوا علياً (ع) و عرَّفوه للعالم بشكلٍ أستطيع القول؛ بأنه لم يستطع أن يُعّرفهُ خيرة علماء الدّين المسلمون ألتقليديون الذين يدّعون التشيع و آلولاء و آلمرجعية, حيث كتب (جبران) مثلاً؛ كلمات خالدة بحقّ عليّ(ع) لا يستطيع إلا أهل القلوب من فهمها و هضمها, فأنا شخصيّاً حين أقرأها تنهمر دموعي بغير إرادة و هي تشدّني للحقيقة أكثر فأكثر ..
و كذا المفكر (جورج جورداق) الذي قال؛ [بعد كتابتي عن علي(ع) – حيث كتب خمس مجلدات – إعتزلتُ الكتابة لأني لم أجد شخصيّة أخرى تستحق الكتابة بعده(ع)!
و كذلك الفيسلوف جان جاك روسو, الذي قال: أستطيع القول بأن علي بن أبي طالب أستاذي, و أهل الفكر من الطراز الأول نادراً ما يعترفون بهذا الشكل بشخصية سبقتهم قروناً.
و هكذا فلاسفة كثيرون أمثال رئيس قسم الفلسفة و أستاد روجبه غارودي المستشرق السيد (هنري كاربون) الذي نطق بالحقّ ألمبين بعد تحقيقات طويلة قائلاً: [أنّ الوصول للحقّ و الأرتباط بآلله بعد وفاة النبي لا يتحقق إلّأ من خلال منهج عليّ و أبنائه. بآلمناسبة لم يقل هذا إلا بعد ما درس الأسلام بحيادية تامّة خمس سنوات في مصر ثم المغرب العربي ثم السّعودية ثم إيران أخيراً و لقائه ألمصيري بآلسيد الطباطبائي (صاحب الميزان) كمحطة أخيرة لسياحته العلمية الفكرية التي تجاوزت العشرة سنوات في الشرق!؟
علماً أنّ تلميذ هذا الفيلسوف وهو السيد روجيه(رجاء) غارودي أراد أن يلتقي بآلصدر الأول و سافر لأجل ذلك إلى بغداد, لكنّ البعثيين الجهلاء منعوه في قصة ذكرتْ تفاصيلها في كتاب (الصدر؛ سنوات المحنة و أيام الحصار) للشيخ النعماني.!
المهم هو أن يكون الأنسان صاحب قلب .. و حين يملك الأنسان قلباً سليماً – أيّ الضمير الباطن – المؤمن بآلأنسانية و المحبة والأخلاص يتحرّر من آلتّفكير الفقهيّ ألمُجرّد الجاف و يرى ما لا يراهُ الآخرين من الذين تترّسوا ضمن قالب فقهيّ واحد, و يكون صاحب القلب قادراً على إختراق الأستار و الحجب لتنفتح أمامه أسرار السّموات قبل الأرض فيقول كما قال الأمام عليّ(ع):
[سلوني قبل أن تفقدوني .. سلوني عن طرق السّماء قبل الأرض فإنيّ أعرف بها].
(2) هذا مقطع من بحثنا الموسوم بـ (إضاآت حول الصدر الأول), للأطلاع على التفاصيل, عبر الرابط التالي:
http://www.moubadarah.com/modules.php?name=News&file=article&sid=4178

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here