المفكرون يبررون ويقولون أنهم يفكرون!!

النزعة التبريرية التسويغية هي السائدة في كتابات المفكرين العرب , ومعظمهم يُطاردون لماذا , ويفتقدون الجرأة على التفكير بآليات كيف!!

فمنذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى اليوم , إنغمس المفكرون العرب بالتبرير وتأهيل المجتمع العربي لإستلطاف العجز والقنوط والظلم , والإنهراس في طاحونات الكراسي ورفع لافتات المؤامرات , وإسناد سلوك الأحزاب التابعة المنحرفة المجندة لإنجاز المشاريع والمهمات المرسومة والبرامج الخفية والمعلومة.

ومن الصعب أن تجد مفكرا مستقلا ومتصديا للمواضيع المصيرية بعلمية , ومنهج منطقي معاصر قادر على الوصول إلى حل للمشكلة , ورسم خارطة طريق لصيرورة عربية أفضل.

ويقولون بأن من واجبهم أن يحللون , في زمن فقد التحليل قيمته ودوره , وتم تفريغه من التوصيات العملية الملائمة للنجاح والعلاج الشافي , وبسبب هذا السلوك القعودي أو القنوطي وصلت الأمة إلى حالها المروع المخيّب للحياة والمندحر في الغوابر والسواحق , والمتجاهل للمستقبل والممعن بحب الموت والتمويت الذاتي والموضوعي.

قد يقول قائل أن السبب هو الإستبداد الذي منع المفكرين من التصدي الموضوعي للتحديات والإشكاليات المعاصرة , وهذا أيضا يقع ضمن المنهج التبريري التكريسي للسلوك السلبي.

فهل إستطاع المفكر العربي أن يحرر المجتمع من أصفاد الهزيمة والإنكسار والشعور بالدونية والتبعية؟

هل تمكن المفكر العربي أن يخاطب العقل العربي الجمعي ويؤسس لتفاعلات ذات قيمة صيروراتية؟

المفكر العربي يجلس في صومعة يرى فيها ما يرى ويكتب ويؤلف , وكأنه يتحدث مع أطياف خيالات وسرابات رؤى وتصورات , وما إستطاع أن يقترب من رأس عربي واحد إلا فيما قل وندر.

ولهذا فأن المسؤولية الأساسية تقع على المفكرين العرب لغياب دورهم وقراءاتهم الموضوعية للواقع , وفشلهم في تقديم الحلول والتصدي الراجح للتحديات.

ومن الواضح أن الواقع القائم يؤكد رسوبهم وفقدان دورهم في الحياة العربية , والدليل القريب جدا ما حصل في المجتمعات العربية من نزعات تغيير وإرادات تثوير وإنطلاق إلى أمام , وجميع الدول العربية التي تحقق فيها الحراك الجماهيري لم تجد المفكر العربي القادر على صياغة المنطوق الجامع المؤثر في إطلاق وتنظيم القدرات العربية التي تفجرت , ولهذا تبعثرت الإرادات وتم إختطافها من قوى متنوعة ذات مشاريع وغايات سلبية وتدميرية , فحصل الذي يحصل في أروقة البلدان التي تورطت بما يُسمى الثورات.

فالسلوك البشري ومنذ الأزل لا يمكنه أن يحقق نتائج إيجابية بدون مفكرين قادرين على رسم معالم الطريق , وبناء المنطوق النظري الكفيل برص الصفوف وتوحيد الجهود , وسبك الطاقات في بودقة كينوناتية ذات قيمة إرتقائية , وتواصلية متصاعدة ومستوعبة لقدرات الأجيال المتعاقبة.

ففي كل أمة يكون للمفكرين دورهم الكفيل بالحفاظ على إرادة الأمة ومصالحها , وجميع الأنظمة السياسية تعتمد على مفكريها في إتخاذ القرارات والنظر في المشكلات والتحديات , ذلك أن المفكر قد فرض نفسه وأهمية دوره في صناعة الحياة.

وبما أن الأمة خالية من الدور الإيجابي للمفكرين العرب , وإنعدام قدراتهم الإدراكية لما يحصل في مجتمعاتهم وحولهم , وإعتمادهم على مناهج ونظريات الآخرين في قراءة واقع الحياة العربية , فأن أحوال الأمة ستمضي في تدهورها , ومن واجب الأجيال المعاصرة أن تتحدى وتسعى لنهضة فكرية جماهيرية تستوعب المتناقضات والعناصر المتشابكة في واقعهم , والعمل على تكريرها وإستخراج النافع منها وإهمال الضار , والعمل وفقا لمناهج كيف التي عليها أن تستحضر خيارات متنوعة للتصدي لأية مشكلة وحلها وفقا لما يتفق ومصالح المجتمع المشتركة الجامعة , فما عاد هناك فرصة للقول , وإنما العمل هو المطلوب , وإرادة كيف ذات الوجوب!!

فمتى سيكون للفكر دور وقيمة في حياتنا يا أمة يتفكّرون؟!!

دصادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here