لماذا يعتبر سعر الفائدة مؤشر لصحة الاقتصاد الوطني ؟

محمد رضا عباس

تستخدم البنوك المركزية أسعار الفائدة في إدارة الاقتصاد الوطني. ففي مرحلة الركود الاقتصادي تقوم البنوك المركزية بخفض أسعار الفائدة حتى يتشجع المواطنين وشركات الاعمال بالاقتراض من اجل تشجيع المواطن من شراء بيت سكن له ولعائلته , شراء أدوات كهربائية منزلية , اثاث بيتية , او إضافة تحسينات الى البيت . انخفاض أسعار الفائدة يشجع أيضا أصحاب شركات الاعمال على التوسع في الإنتاج وذلك عن طريق إضافة آلات ومكائن جديدة , ابنية جديدة , إضافة عمال جدد , او زيادة المصاريف على تطوير الإنتاج من خلال البحوث العلمية . وهكذا عندما تنخفض نسبة أسعار الفائدة تدور عجلة الاقتصاد الوطني من جديد , لان بناء بيت جديد للسكن يوفر فرص عمل لعشرات المواطنين ومن مختلف المهن .

وعندما تتصاعد الأسعار في الأسواق المحلية , فان هذا التصاعد يعتبر بمثابة انذار من ارتفاع نسبة التضخم في البلاد , وعلى المؤسسة النقدية والمالية معالجته . في هذه الظروف تقوم المؤسسة النقدية (البنك المركزي) بزيادة اسعار الفائدة حتى تقلل حجم تهافت المواطنين ورجال الاعمال على الصرف , تخفيض الطلب العام , ومن ثم تراجع عام في الأسعار . وهكذا فان ارتفاع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية يحمل بشائر خير وعافية للاقتصاد الوطني , لأنه يعني ان الاقتصاد الوطني في مرحلة توازن و ان كل من له قدرة ورغبة على العمل يستطيع الحصول عليه .

لقد ظلت أسعار الفائدة واطئة جدا في الولايات المتحدة الامريكية منذ الركود الاقتصادي العظيم الذي ضرب اقتصادها عام 2008 . لقد وصلت الى ما يقارب الصفر وبدا بنك الاحتياطي الأمريكي برفعها مع تحسن الاقتصاد تدريجيا حتى وصلت هذه النسبة الى 0.75% في 15 اذار من هذا العام , ولكن عندما شعرت إدارة البنك الاحتياطي ان الاقتصاد الوطني بدء يخرج من مرحلة الركود والدخول الى مرحلة الشفاء , أعلنت رئيسة البنك عن رفع أسعار الفائدة من 0.75% الى 1%.

ان رفع أسعار الفائدة في اقتصاد مثل اقتصاد الولايات المتحدة الامريكية لها تأثيرات بالغة على الكثير من القطاعات الاقتصادية على الرغم من قلتها. القرار سوف يؤدي الى رفع أسعار القروض العقارية , أسعار التامين بكل انواعه , أسعار القروض الشخصية , وأسعار قروض البطاقة الائتمانية . رفع سعر الفائدة يؤشر أيضا الى دخول الاقتصاد الأمريكي في مرحلة التعافي , توازن بين العرض والطلب العام , انخفاض نسبة البطالة بين المواطنين الى اقل مستوى لها , وان نسبة التضخم في البلاد تحت السيطرة. أحد المحللين الاقتصاديين صور حالة الاقتصاد الأمريكي مثل المريض الذي تشافي وأنهى المعالجة وهو واقف بجانب دائرة استعلامات المستشفى ينتظر سيارة تأخذه الى منزله.

بينما سبب قرار رفع سعر الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الأمريكي الى رفع أسعار العقارات , فان هناك جهة أخرى سوف تستفيد من هذا القرار , وهي شريحة أصحاب الادخارات . المواطنون الذين لديهم حسابات توفير سيكونون اول المستفيدين من هذا القرار وستضيف هذه الزيادة الطفيفة ما يعادل 675 مليون دولار الى توفيرهم. وهكذا , فان قرار بنك الاحتياطي كان بمثابة الإعلان الرسمي عن الخروج من الركود ودخول مرحلة الازدهار .

الحديث يقودنا الى حالة الاقتصاد العراقي الذي ما زال يعاني من حالة اقتصادية شبه راكدة . الاقتصاد العراقي لم يدخل مرحلة الركود الاقتصادي حيث بقى ينمو في السنتين الماضيتين بما يقارب 5% . النسبة ليست كبيرة ولا تعالج مشكلة البطالة في البلاد , لكنها على الأقل ليست بالسالبة , وهي علامة من علامات التراجع الاقتصادي . الاقتصاد العراقي لم يدخل التراجع الاقتصادي حسب تعريفه الاقتصادي وعلى المواطن العراقي تقديم الشكر والثناء لقادة الاقتصاد في البلاد , لانهم استطاعوا من استقرار الاقتصاد الوطني , بدون تخفيض سعر الدينار العراق مقارنة بالعملات العالمية الأخرى , وبدون ادخال الاقتصاد الوطني في مرحلة تضخم اقتصادي يؤثر على القدرة الشرائية لكل العراقيين.

الاقتصاد العراقي يعتمد اعتماد شبه كامل على بيع النفط في الأسواق الخارجية , وعندما تنخفض أسعار النفط , تنخفض الإيرادات المالية للحكومة , والذي يؤثر سلبا على حجم ميزانيتها . لقد سبب انخفاض أسعار النفط الى عجز مالي ما يقارب 20 مليار دولار سنويا في السنتين الماضيتين , وكان لدى السيد العبادي خيار طرد نصف موظفي الدولة بحجة عدم استطاعة الدولة دفع اجورهم , بل كان هناك خطر عدم استطاعة الحكومة توفير ما تحتاجه المؤسسة العسكرية من أسلحة و تجهيزات عسكرية و رواتب لأبناء القوات المسلحة وهي تقاتل عناصر داعش الإرهابي . ولكن اختيار المخطط الاقتصادي طريق الاقتراض الداخلي والخارجي لتعويض النقص في ميزانية الدولة هو الذي أنقذ الاقتصاد الوطني وقلل من الأعباء الاقتصادية على المواطن العراقي. القروض أدت الى السيطرة على سعر الصرف للدينار العراقي , السيطرة على التضخم المالي , وأعطى المجال للحكومة بتغطية احتياجات الميزانية التشغيلية , وسمحت للحكومة باستثمار الفائض على بعض المشاريع الاستثمارية.

لا يجوز ان تبقى البنوك التجارية في العراق تشبه محلات الصرافة في قديم الزمان. ان وجود بنوك تجارية فعالة سترفع حمل كبير عن كاهل الحكومة , وتقلل اعتماد الاقتصاد الوطني على مادة النفط , و تعطي الفرصة للمواطنين وشركات الاعمال بالتوسع في الصرف على الاستثمار والذي بدوره يسرع وتيرة النمو الاقتصادي و يقضي على نسبة البطالة الكبيرة في البلاد .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here