لماذا نهتم بقادة المجتمعات الأخرى؟!!

المجتمعات تهتم بقادتها والعرب يهتمون بقادة الآخرين , وهذه عجيبة سلوكية تحتاج إلى تشخيص وعلاج وتطعيمات ضد وبائيتها وإستفحالها في العقول والنفوس.
فمن الغريب أن يهتم المفكرون والكتاب بقادة غيرهم , ويستهلكون جهودهم وطاقاتهم في دراسة شخصياتهم وسلوكياتهم ويمعنون بالكتابة عنهم , وكأنهم قادتهم!!
تلقيت ثلاثة دراسات من مختصين حول الرئيس الأمريكي الجديد , وكأن الموضوع يستحق كل البحث والدراسة والإهتمام , وأن الذين كتبوا عنه قد أنجزوا شيئا متميزا , وهذا السلوك يثير الإستغراب في المجتمع الذي يرأسه.
فما هي الفائدة المرجوة من الكتابة عنه ودراسة شخصيته؟!!
هل سنأتي بجديد؟
وهل أن مجتمعه لم يدرسه ويعرفه حق المعرفة وهو الذي جاء به للحكم؟!!
يبدو أن في ذلك تبديد للنشاط المعرفي ونوع من السلوك العبثي , فالرجل مدروس وكل ما فيه وحوله معروف وواضح , فلا توجد خافية أو سر , فهذه المجتمعات تعري قادتها وتدرسهم بما توصلت إليه من آليات ونظريات ومناهج وفلسفات , قبل أن تنتخبهم , وهي ليست بحاجة لدراساتنا وتحليلاتنا.
قد يعترض البعض على ما تقدم , لكن السلوك يشير إلى فقدان القائد القدوة والمؤثر في الحياة المجتمعية وفقا لما يتمناها الناس , ولهذا يتم اللجوء إلى قادة المجتمعات الأخرى , وكأنه نوع من إسقاط أو إزاحة الأمنيات والتمنيات , وإشباع لرغبة حاجوية خلاصتها “القائد المفقود” , فمجتمعاتنا ترزخ تحت وطأة التيهان في يم الدنيا بلا بوصلة قيادية جامعة يمكن الإقتداء بها والسير على هديها , وهذا يدفعها إلى فنتازيا التصورات المنقطعة عن واقع الحياة.
كما أنه سلوك يدل على اليأس والإحباط والعجز عن التأثير في الواقع المُعاش والذي يزداد تعقيدا وقسوة , وتغيب فيه الحلول لأية مشكلة مهما كانت بسيطة أو عادية , وإنما ديدن الأيام التعضيل والتعاضل والتدميل.
بينما المجتمع بأمس الحاجة للنقد العقلي والسلوكي الكفيل بتحقيق يقظة تفاعلية ذات قيمة وطنية وإنسانية جامعة ودافعة لبناء وصناعة المستقبل.
فالمطلوب صرف الجهود وتركيز النشاطات على النقد العقلي الواضح الدقيق السليم , الذي يساهم في بناء الذات الوطنية , وتطوير قدرات التفاعل الإيجابي ومهارات القيادة الرحيمة المقتدرة على توظيف الطاقات وإستثمارها في البناء والتقدم والنماء.
إن الإنشغال بقادة الآخرين يعطينا دليلا على آليات الإنقطاع عن الواقع ونكرانه , والإحجام عن التفاعل الإيجابي الحيوي معه لتغييره والإنطلاق منه إلى أفق أرحب بهيج.
فهل سنقف أمام أنفسنا ونمتشق جرأتنا وعزيمتنا , ونعري الذين يقبعون في مستنقعات الكراسي , وصناديق الضلال والبهتان والفساد المشين؟!!
فلربما سنوقظهم ونعيد إليهم بعض الرشد الضروري لحياة المجتمع!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here