نزع الفتيل والفتايل كثر

علي علي

كثيرة هي المصطلحات التي أدمنتها أسماع العراقيين في العقود الأربعة الأخيرة، وهي مصطلحات كبيرة بعددها عقيمة بمعناها، وإن كان لها معنى فهو بعيد عن جادة الخير، قريب من هاوية الشر والضر. وقد كانت في زمن الطاغية السابق تدخل أذن الواحد منا وتخرج من الأخرى طواعية، أما بعد حكم الطاغية -أي في حكم الطغاة اللاحقين- فهي لاتدخل أي أذن منهما، ذلك أنها عديمة النغم واللون والرائحة والطعم، وكذلك النفع. سأسرد بعضا منها متوسما العذر ممن يقرأها إن أصابه غثيان:
(عنق الزجاجة): هو حيز وهمي يأبى السياسيون الذين اعتدنا السير خلفهم إلا ان يضعونا فيه، حيث يمنّون علينا بأنهم أخرجونا من قعر الزجاجة متفضلين، وما عنقها بأفضل من قعرها، بل هو أشد ضيقا وأضل سبيلا.
(حلحلة الأزمة): هي عملية تخدير، يكون حينا موضعيا وأغلب الأحيان كليا، يكثر قادتنا إجراءها على أكثر من مريض، يصل عددهم في العراق الى أكثر من ثلاثين مليون مواطن في الآن نفسه والآنية نفسها.
(شد الأحزمة): وهو مرحلة متقدمة من الحلحلة آنفة الذكر، يبلغ فيها السيل الزبى، ولكن ليس للمواطن حول ولا قوة في النأي عنها، لاسيما وأن ساسة عصرهم قد ابتلعوا الحول والقوة وأرخوا أحزمتهم عن آخرها.
(نهاية النفق): وهو شيء يشبه الى حد كبير الـ (مـُلهـِّية) فحين يزعجك طفلك، ليس أمامك إلا الملهِّية كي (تسد حلگه) ومنها استنبط ساستنا مصطلح نهاية الأفق، وأصبحوا يلوِّحون به لمواطنيهم، مع يقينهم أن لا نهاية للنفق الذي أولجوا المواطن فيه عنوة وقسرا.
(الغد المشرق):  وهو حلم غير قابل للتحقيق البتة، فهو لاينتمي الى احلام المنام، ولا الى أحلام اليقين، يستخدمه الساسة حين يفلسون من أمسهم ومن يومهم، فيقامرون به لضمان مستقبلهم.
(نزع الفتيل): وهو أكثر مصطلح يستعيره السيساسيون (والعياذ بالله) ويصلح في مواضع عدة، ففي الازمات يستخدمون (نزع فتيل الأزمة)، وفي المعارك (نزع فتيل الحرب)، وفي حال تقاطع مصالحهم (نزع فتيل الخلاف)، وحين يهب الشعب على حصونهم (نزع فتيل التظاهرات) وليتهم يقفون عند هذا الحد من نزع الفتايل، فأغلب الظن أن العراقيين لم يتبقَ لديهم فتيل آخر ينتزعه ساستهم منهم، وإن كان قد تبقى واحد، فالخوف كل الخوف من وصول الساسة الى موضعه، وساعتها سيتجسد فيهم مثلهم القائل: (چانت عايزه التمت). ولعل اللافت في الأمر، أن المصطلحات المتقدم ذكرها لاتعدو كونها أحرفا منسقة منمقة جوفاء، اجتمعت فصارت مفردات وظفها السياسيون لصالحهم، وجيروها لحسابهم، كقول كالشاعر الذي قال:
الأرض أرض والسماء سماء
والماء ماء والهواء هواء
والحر ضد البرد قول صادق
والصيف صيف والشتاء شتاء
والمسك عطر والجمال محبب
وجميع أشياء الورى أشياء
والمر مر والحلاوة حلوة
والنار قيل بأنها حمراء
والماء قيل بأنه يروي الظما
واللحم والخبز للسمين غذاء
ويقال أن النـاس تنطق مثلنا
أما الخراف فقولها مأماء
كل الرجال على العموم مذكر
أما النساء فجميعهن نساء
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here