المقامة الخامسة:
حدثنا يحيى بن حيان وقال: التعاون يبني الأوطان , ويُطلق الطاقات ويستنهض الإنسان , وإن المجتمعات إذا تعاونت تنامت وربت , واستحضرت قدرات ما رأت وتفكّرت , ومَن لا يتعاون يتهاون , وفي القيعان يتطامن , فالتعاون تآمنٌ وتضامنٌ.
“وتعاونوا على البر والتقوى , ولا تعاونوا على الإثم والعدوان” المائدة: 2
“إنما المؤمنون أخوة” الحُجرات: 10
“واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا” آل عمران: 103
وفي الحديث: “المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا”
والتعاون قوة , كما قال معن بن زائدة:
“تأبى العصيُ إذا اجتمعن تكسرا
وإذا افترقن تَكسّرت آحادا”
ومضى يحيى بن حيان قائلا: تأملوا أجسامكم ففيها أعضاء متعاونة متفاعلة لإدامة قوتكم وصيانة حياتكم , ولولا تعاونها لهزلتم وضعفتم وتوسدتم التراب , فهل وجدم جسما صحيحا إذا إعتل عضو فيه , أو تنافر وأبى أن يتفاعل مع أعضاء الجسم الأخرى , فلو ضعف القلب لفسدت الصحة , ولو عجزت الرئتين لأصاب الجسم ما أصابه من الأضرار , وتلك حقيقة خلقية , وقانون حياة , وناموس كوني , فكل ما في الوجود يتعاون , ولا يمكنه أن يتواصل إذا غاب التعاون والتآزر , فكل موجود مرهون بغيره , ولكي نكون لابد لنا من إدراك قيمة التعاون وضروراته المصيرية.
ولهذا قالت العرب قديما بمفردات الواقع الكائن والسلوك الصائن: ” لا يعجز القوم إذا تعاونوا” , كما قالوا: ” يد الله مع الجماعة”.
وتلك حقائق سلوكية مرهونة بالقوة والنجاح والرقاء والتقدم والفلاح والصلاح.
وقال يحيى بن حيان: لماذا لا تتعاونوا؟
أ لم تسمعوا أحمد شوقي يقول:
“ويجمعنا إذا اختلفت بلادٌ
بيانٌ غير مُختلفٍ ونُطقُ”
أم أنكم يصح فيكم وصف الرصافي بقوله:
“تجد الرجالَ قلوبها شتّى الهوى
مدّ الشقاق بها حِبالةَ غُولِهِ
مًتناكرين لدى الخطوبِ تناكرا
يعيا لسان الشعر عن تمثيلهِ”
و” نِعمَ المؤازرة المشاورة”
فتساعدوا وتعاضدوا , فالموج يتكاتف لينبثق التيار وتجري الأنهار , والخلق أمواج في سفر الجريان الكوني الدفاق , فتواشجوا وتصاهروا بعقولكم ونفوسكم وأرواحكم , لتصنعوا سبيكة والألفة والمحبة والإنعتاق!!
د-صادق السامرائي
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط