العرب بين المَفخرة والمَسخرة!!

صديقي الأجنبي يزور إسبانيا هذه الأيام ويتواصل معي مندهشا ومتعجبا ومتحيرا في ذات الوقت , وهو يقول : ثمانية قرون فعلت فعلها وأثرها وغيّرت العقل الغربي وأخرجته من الظلمات إلى النور , إنهم العرب يا صديقي , هذه مفاخرهم فكيف هم اليوم بلا مَفخرة , لا تصح المقارنة؟!!
إحترت في الجواب , وهو ذات الموقف الذي واجهني عندما كنت في إسبانيا وصرخ بوجهي أحد الأخوة الإسبان قائلا: ” لا يمكننا تصديق ما أنتم عليه اليوم في دياركم , وما كنتم عليه في ديارنا”!!
هذه أمثلة ووقائع نواجهها كعرب وهي تقول :” يا عرب كنتم مَفخرة وأصبحتم مَسخرة”!!
والفرق بين المَفخرة والمَسخرة كالفرق بين السماء والأرض أو النهار والليل.
نعم يا أصدقائي الأجانب ,  نحن العرب نعيش في عصر المَسخرة!!
هذه المَسخرة طرقنا أبوابها بإرادتنا وحشدنا لها جميع قدراتنا وقوانا , مثلما فعلنا عندما كنا نعيش في عصور المَفخرة.
فالعرب اليوم منشغلين بنشاطات وفعاليات التعبير عن فقه المَسخرة على جميع المستويات وفي كافة ميادين الحياة , حتى تحوّلوا إلى مطايا مشاعة للراكبين وفرائسَ للمُفترسين , فهم لا عزة عندهم ولا كرامة ولا غيرة وطنية أو عربية على وجودهم بأسره , وكأنهم قد تبرمجوا على الفتك بذاتهم وموضوعهم وبأفظع الوسائل والأدوات , حتى دينهم الذي أطلقهم أنوارا مشعشعة في أروقة التأريخ الإنساني , صار عدوهم والقوة التي تدمرهم وتمحقهم , فدينهم يقاتلهم , أو هم يقاتلون دينهم , والعرب صاروا ألد أعداء العرب , حتى لتشردوا وتناثروا في كافة البلدان.
نعم يا أصدقائي الأعزاء , إنه سلوك المَسخرة الذي طغى وإستشرى وتفاقم وتعاظم ومزق الوجود في بلاد العرب أوطاني واخصى العقول العربية , وأجهض الأحلام والتطلعات , وأباد العرب بالعرب , فلا عدو للعرب أشد من العرب!!
فالواقع العربي المرير يشير بقسوة إلى مواطن الإهلاك والتماحق والبلاء العاصف في ديار العرب , والذي أشاع الدمار والخراب والتبعية والخنوع والفساد والحكم بإرادة الفوى الطامعة بالوجود العربي بقضه ونفيضه , والعرب يتفاخرون ويتباهون ويدينون بسلوك المَسخرة.
فهل لديكم جواب لأصدقائي الأجانب الذين يسألونني عن أسباب هذا الإنحدار المروع لشمس الوجود العربي وغيابها في آفاق الظلمات واليأس الأليم؟!!
أعينوني على جواب إن كنتم تعلمون , فلا جواب عندي إلا أن العيب فينا والعلة منا وفينا , والداء داؤنا والترياق ترياقنا , ونحن أصحاب الخيار وقد إستلطفنا الذل والهوان والإندحار في جحور الباليات , وكأننا قد طلقنا زماننا ومكاننا بالثلاث والثلاث!!
و”على قدر أهل العزم تأتي العزائم”!!
وإرادة أكون تغلي فينا ونأبى أن نكون!!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here