شناشيل :فـي قضيّة حرامي كرميان – كركوك

عدنان حسين

[email protected]

ليس مُفترضاً بالقاضي أو مطلوباً منه أن يكون بلا روح حسّاسة أو شعور مرهف كيما يحكم بالعدل ويقرّر لكل ذي حقّ حقّه. القاضي إنسان وكلّ إنسان بروح وشعور، لكن المفترض بالقاضي والمطلوب منه أن يكون ذا ضمير حيّ لتتحقّق العدالة في ما يقرّره ويحكم به.
رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى في إقليم كردستان صوّتوا بالإجماع على رفع دعوى قضائية ضد قناة “NRT” الفضائية لنقلها معلومات “مجانبة للصواب، مع التشهير بمحكمة كركوك – كرميان ورئيسها”. هذا ما جاء في أنباء اليومين الأخيرين.
المعلومات لم تتفرّد بها هذه القناة، إذ بثتها قنوات أخرى وتداولتها مواقع إلكترونية عديدة، وهي تتعلق بحكم بالسجن عشر سنين و6 أشهر أصدرته المحكمة على متهم بارتكاب 13 جريمة سرقة للحفّاضات وحليب الأطفال. المحكوم، وهو موظف بلدية، أقرّ بذنبه الذي برّره بأن راتبه الشهري لا يسدّ احتياجات أسرته، ما أرغمه على اللجوء إلى السرقة لرعاية أطفاله.
الحكم أثار موجة من الاستغراب والاستهجان عبر مواقع التواصل الاجتماعي. القنوات والمواقع التي نقلت وقائع هذه الموجة، وبينها قناة “NRT”، إنما قامت بما عدّته واجبها في تقديم المعلومات الى جمهورها.
الموجة التي نقلتها القنوات والمواقع بشأن هذه القضية تشبه تماماً موجة الاستغراب والاستنكار التي قوبل به حكم بالسجن أصدرته العام الماضي محكمة في السماوة (جنوب العراق) على طفل بعمر 8 سنوات بتهمة سرقة علب مناديل ورقية من أحد المحال. يومها حاجج المستنكرون بأن القضاء في العراق يقوم بواجبه على خير ما يرام حيال مرتكبي الجنح والجنايات الصغيرة، فيما لا يؤديها بالمثل في خصوص قضايا كبرى، وبخاصة تلك المتعلقة بسرقة مليارات الدولارات من المال العام بألف طريقة وطريقة.
ما حصل مع محكمة كركوك – كرميان يشبه ذاك الذي حصل مع محكمة السماوة. هو لا يعني أن ناشطي الفضاء الإلكتروني وسواهم من المستغربين والمحتجّين يناهضون أن تأخذ العدالة مجراها حتى في أصغر القضايا .. الناس في الإقليم كما في سائر أنحاء العراق يريدون للعدالة أن تتحقق أولاً في حقّ كبار الفسدة من سرّاق المال العام، فهؤلاء ليسوا جياعاً كطفل السماوة أو موظف البلدية في كرميان .. إنهم متخمون للغاية، والأنكى أنّ تخمتهم حصلت بسبب سرقاتهم المليارية التي تسببت في إملاق الملايين من العراقيين العائشين في أسوأ الأحوال في طول البلاد وعرضها وليس في السماوة وكرميان وحدهما.
مجلس القضاء الأعلى في الإقليم، كان من المفترض أن ينظر من هذه الزاوية بالذات في قضية القناة التي عُدّت معلوماتها “مجانبة للصواب”، فالعدالة لا تتحق من دون روح حسّاسة أو شعور إنساني مرهف.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here