السمك يحرج البرلمان البريطاني

السمك يحرج البرلمان البريطاني
فسحة معرفة (11)
ربما يواجهك سؤال وانت تحلم بالتغيير، هل تسطيع لوحدك ان تغير ؟ هل الصوت الواحد قادر ان يصل الى ما تريد ، كثير من الاسئلة ستنطلق في رأسك وسيكون الجواب نعم ولكن بشروط .
التغيير يحتاج الى الشجاعة والإقدام والإصرار والإيمان بالقضية التي تحملها ، لذا لا يهم ان تسير وحدك وانت صادق مع ذاتك وان تخلى عنك الناس، فبالصدق والإيمان تبنى الأوطان.
لذا قال أ لامام علي بن ابي طالب ( ان صوتا واحدا شجاعا أكثرية)
وهذا ما حدث تماماً في بريطانيا صيف عام 1969م في مدينة لندن حينما ذهبت سيدة بريطانية الى السوق لشراء ما تحتاجه.
قبل ظهور الكردتكارد والهواتف الذكية كانت النساء يكتبن ما يحتجن اليه في قائمة ويحملن من النقود ما يكفي فقط ، فأرادت تلك السيدة ان تشتري السمك لكنها فوجئت بسعره المرتفع بحدود الـ 30% ولم تكن تتوقع ذلك فغضبت وتوجهت على الفور الى مبنى البرلمان القريب من السوق آنذاك ، والجدير بالذكر ان للمواطنين البريطانيين حق الدخول الى مبنى البرلمان متى شاؤوا بأعتباره بيت الشعب ، دخلت السيدة الى الداخل واقتربت من قاعة المجلس اثناء انعقاده وطلبت مقابلة النائب الذي انتخبته فمنعها الحراس وحاولوا عبثا إقناعها بأن المجلس في حالة انعقاد ولا يسمح لها بالدخول لكنها أصرت على الدخول ، وأخذت تصيح على النواب بصوت مرتفع، حتى لفتت إنتباه رئيس المجلس، وما كان من الرئيس إلّا أن قام من مكانه وتوجّه إليها، وبكل إحترام وهدوء وسألها عما تريد، فقالت له أن لديها شكوى عاجلة تريد إيصالها إلى نائبها وكل النواب الآخرين، ودون أن يسألها عن ماهية شكواها قام فورا بإصطحابها، متأبطة بذراعه، إلى منصة المتحدثين وأعطاها الميكروفون وقال لها : تفضلي سيدتي تحدّثي وكل مجلسنا آذان صاغية. أمسكت المرأة الميكروفون وقالت: من المعيب ونحن أبناء بريطانيا العظمى، أن نعيش في جزيرة وحولنا البحر، ونملك أساطيل صيد تجوب المحيطات، ولا يمكننا تناول وجبة من السمك لإرتفاع سعره. لقد إنتخبناكم لتكونوا عونا لنا على تجّار البلاد الجشعين، وإلتفتت إلى نائبها وقالت له أنا لم أنتخبك لتقف مع هؤلاء الحمقى الجشعين، قالت كلماتها تلك ورمت الميكروفون وغادرت غاضبة. كلمات قليلة لكنها كبيرة لقد وعتها ضمائر صادقة ، لم تكن فوق رؤسهم لوحة كتب عليها حديث للنبي عيسى ولا آية من الإنجيل ولم يتلقوا تعليما ً لاهوتيا ً لا بالحوزة ولا بالأزهر لكنهم بشر يرفضون الظلم .
أتدرون ما حدث بعد ذلك وفورا ؟؟ أوّل ردة فعل كانت من النائب الذي وجهت إليه حديثها، فقد قدّم إستقالته لرئيس المجلس قبل أن تصل المرأة إلى باب القاعة !!! ولدينا يا سادة يا كرام تأتي النساء الى مجلس النواب العراقي الموقر ( وتنزع شيلتها وهي ام شهيد او مغدور ، لكن الضمائر ميتة لا تهتز ولا تشعر بألمها ، شتان بين الانسان وبين اللا انسان .
ومنذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا، فإن وجبة السمك مع البطاطا تعتبر أرخص وجبة شعبيّة في بريطانيا، وهي تعادل في قيمتها سندويشة الفلافل عندنا، ولم يطرأ عليها أي إرتفاع إلّا بمقدار نسبة إرتفاع مستوى معيشة البريطانيين اليوم، لذا فإن وجبة السمك مع البطاطا (Fish&Chips) تعتبر وجبة الفقراء لتدنّي سعرها، وأصبحت تباع في مطاعم وحوانيت صغيرة في كل شارع وزاوية من مدن وقري بريطانيا، تماما كما تنتشر المطاعم الشعبيّة التي تبيع الفلافل والفول والحمص في الدول العربية. كان صوت السيدة صوتا شجاعا ً فاستطاع التغيير.
ونحن في العراق نسبح على بحر من النفط ولكننا نعيش حالة الفقر والحرمان فلا كهرباء ولا سكن لا ئق ولا تعليم ولا صحة ولا حتى تدفئة في الشتاء ونحن اهل النفط . ياترى من المسؤول هل ضمائر المسؤولين ام شجاعتنا المتراجعة الى الخلف .
علاء الخطيب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here