الثورة مفتاح الفرج الجزء الأول

لمْ يَعُد مُمكناً السكوت عَمّا آلَتْ إليهِ الأَحوالُ من تَدَهورٍ أنهكِ مُجتَمَعِنا بِدْءاً من عَهدِ نظام صدَّام المَقبور الى ما بعد الأحتلال الأمريكي المجرم للعراق عام 2003 والذي لَمْ يَتوقفُ حتى يَومِنا هذا، ولقد تَحَوَّل هذا التَدَهور الى حالةٍ سلوكيةٍ اصبحت تُصاحبُ حَياتَنا اليَومية تَفْتِك بثوابتِ وأَخلاقيات مُجتَمَعنا ليتمخض عنها  إنهيار شامِل في جميع مظاهر الحياة المتمدنة ومقومات الحياة الأجتماعية الرصينة.
إن أَية عملية تغيير في المجتمع يجب ان تبدء بالفرد الذي هو العنوان الأول المستهدف بتلك المهمة الشاقّة سَواءَ كان ذلك التغيير قسريا أم عن طريق بناء الولاءات العقائدية تدريجيا.
لقد أَصبح من الضروري جدا فهم العوامل التي أنتجت الشخصية العراقية في الظرف الراهن، كما علينا إيجاد الأجابة الصحيحة على التساؤل التالي: هل ان نواميس التطور التاريخي والطبيعة البشرية هي التي رسمت ملامح المجتمع على النحو  الذي نعيشه الآن، ام إن ثمة ارادات خارجية وداخلية هي التي وضعت الفرد والمجتمع خارج دائرة الزمن ؟.
يعلم القاصي والداني بأن العراقييون هم الذين فتحوا أبواب التقدم الحضاري الإنساني على مصراعيها، وقد وضعوا نواميساً للزمن وأخضعوه الى تقاسيم دقيقة ليجبرونه على البقاء في حيز حركتهم ونتاجاتهم الحضارية وهذا يكشف عن مدى قدرة العراقيين على اقامة بناءات حضارية فخمة بمظهرها عميقة بدلالاتها.
اما الآن فقد اهتزت وأُفرغت عناصر الفعل والأبداع لدى الشخصية العراقية وتجذّرت مظاهر التدهور والخراب فيها عميقاً ! وحالت الأَنا بين الفرد وبين مسؤولياته الحضارية تجاة الأمة، مما أدّى الى انفصام واضح بينه وبين القيم الوطنية التي كانت تحكم فعّالياته الحياتية، وهكذا أَخذت مقولة  “آني شعلية” فاليذهب الجميع الى الجحيم طالما أنا بخير!تفعل فعلها وتأتي اُكُلها كل حين”، فمِنْ هنا تبدأ عملية إنقلاب الأنسان من وجود منتجٍ مُبدعٍ يَصنعُ حياتَهُ وأدواتها عبر معرفة اكتسبها او تجربة أَبدعها الى إنسان مُحبطٍ إتكاليٍّ يَستهلك جُهدَ غيرةِ في تلبية إحتياجاته، فيصبح مُستَلبٌ يُعيدُ اجترار بقايا مجد الماضي ليُعوّض عن عجزٍهِ وفشله ويبقى فاغراً فاه ببلاهة أمام تسارع التطورات الحضارية المتلاحقة، فيتحول الى كائناً مسطَّحا مُفَرَّغا منعدم الإحساس والطموح ،منفصلاً عن حركة الزمن، ينحصر دوره الحياتي في الإنبهار بما ينتجه الآخرون، فيصير أداةً يسهل خداعها وبرمجتها وحقلا مجّانياً لتجارب الآخرين.

خلاصة القول: إنَّ عملية إعادة بناء الإنسان العراقي أمست أشبه بالمستحيلة إلّا إذا توفرت “لدينا” إرادة حقيقية للتغيير والبناء تقودها عقول واعية،تكون بمستوى المسؤولية التاريخية،مدركة لأهمية إعادة بناء الإنسان العراقي وجعلها أَولوية الأولويات في سياق سلطة وطنية نزيهة ومستقلة، قاسية بِعَدلٍ ،غير متهاونة في اداء مهماتها التي ترتقي الى مستوى القداسة.
إن التحدِّيات التاريخية المناطة بقادة التغيير للنهوض بعملية البناء وضمان نجاحها  تتطلب قادة اشداء ذوي خبرات واسعة وبصيرة ثاقبة تتناسب مع طبيعة التحدي الكبير الذي يستلزم  تضحياتٍ جسام  لأنه سيشكِّل أنعطافاً تاريخياً يفصل بين وجود حضاري منتج ومبدع وبين صيرورة بهائمية هدفها القضم والأستهلاك فحسب.

بقلم : المهندس عبد الحسن محمد صادق آل جبارة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here