ما هي مصادر الثروة في نظام السوق؟

محمد رضا عباس
تتفق جميع المذاهب الاقتصادية على ان مصدر الثروات هو العمل. كان اول من تحدث عن هذا الموضوع الطبيب الفرنسي فرانكوز كوزني والذي اعتبر ان العمل الزراعي هو مصدر الثروات. بموجب كوزني ان الانسان وبقدرته الذهنية العظيمة استطاع تحويل ما هو موجود في الطبيعة الى انتاج يستفاد منه الانسان , وخلق الثروة . وطالما وان كوزني عاش في مجتمع فرنسا الزراعي , فكان من الطبيعي ان يعتبر ان العمل الزراعي هو مصدر الثروات , وهكذا فان الطبيب الفرنسي والذي اصبح الاب الروحي للاقتصاد الرأسمالي اعتبر العمل هو الأساس في الإنتاج والثروة , وبدون عمل , لا ثروة ولا اقتصاد .على سبيل المثال , شجرة في غابة لا تعد ثروة حتى يتم الاستفادة من خشبها , والشجرة في بستان ثروتها هو فاكهتها , وفي البيت جمالها . وهكذا كل ما تنتجه الطبيعة يعد ثروة , لكن على شرط ان يكون ذو قيمة يستفاد منها البشر.
ادم سميث المؤسس للاقتصاد الرأسمالي الكلاسيكي والذي عاش في بلد كان يعد من اكبر الدول الصناعية والاغنى في العالم , رفض القول بان العمل الزراعي هو المصدر الوحيد للثروة .   . لقد لاحظ ادم سميث الأهمية العظيمة للصناعة في تقدم الأمم وعلى الطبقة العاملة وعلى ثروة البلد , دولة واشخاصا  , وعلى هذا الأساس استنتج ان الإنتاج و التخصص في  العمل هو الأساس في التقدم الصناعي وثروة الأمم. بمعنى اخر , اذا كنت قوي العضلات فكن فلاحا  وان كنت ضعيفا تعبا فكن صيادا . لان الضعيف لا يستطيع الإنتاج الكثير من القمح او الشعير , ولا يمكن للقوي ان ينتظر ساعات لصيد سمكة . التخصص في العمل , يزيد الإنتاجية , الأجور , والارباح. الخباز المتخصص ينتج رغيف خبزا اكثر بكثير من إعطاء هذه المهنة الى طبيب متخصص بأمراض الكلى , على سبيل المثال.
كارل ماركس تبنى فلسفة ادم سميث ولكن من باب اخر. ماركس اقر بان التخصص في العمل يخلق الثروة , الا ان التخصص في العمل هي حالة غير إنسانية و مملة للعمال , وانها تخلق  نظاما رأسماليا يخدم مصالح أصحاب الاعمال فقط , الربح الكبير. لقد شدد كارل ماركس على ان الطبقة العاملة هي التي تخلق الثروة , و من المفروض ان تستفاد هذه الطبقة من الثروة التي تخلقها , وعليه يجب على المجتمع مصادرة وسائل الإنتاج من أصحابها , الطبقة الرأسمالية , و تمليكها الى العمال الذين يعملون في المصانع . ماركس قبل أيضا من ان القوانين الاقتصادية هي التي تحرك الاقتصاد. ولكن كارل ماركس اختلف مع ادم سميث في إعلانه ان النظام الرأسمالي سوف يتلاشى ويحل محله “دولة العمال” او ” ديمقراطية العمال” بسبب صراع الطبقات. ماركس أعلن انه في النتيجة ان المجتمع هو الذي سيمتلك وسائل الإنتاج , لان  ملكية المجتمع لوسائل الإنتاج سوف ينتج عنه اكثر عدالة في توزيع الثروة بين أبناء الوطن  , ان المجتمع هو الذي يخلق الثروة وهو الذي يجب ان ينتفع منها , وليس افرادا مغمورين .
بغض النظر عن نوع الملكية , فردية او مجتمعية , فان الثروة لن تتجمع وتتكدس بدون انتاج كبير . بينما استطاع الفلاح في العصور القديمة على فلاحة ارضه باستخدام وسائل بدائية وإنتاج قليل يكفي عائلته , الا ان هذا الفلاح لم يستطع تغطية حاجة مجتمعه وربما حتى نفسه . الفلاح في قديم الزمان لم يستطع بخلق الثروة , لأنه لم يقدر على الإنتاج الكبير الذي يغطي حاجته وحاجة مجتمعه , انتاج اكثر من حاجته وحاجة عائلته , وإنتاج يستطيع بيعه في السوق و يؤهله للتوسع . ومن اجل الوصول الى هذا الهدف , يجب على الفلاح  ان يتعلم على كيفية تحويل بعض الموارد الطبيعية الى وسائل  منتجة ,  كان يستعمل المحراث و الحيوانات لجره , خزن الماء لاستخدامه وقت الحاجة , واستعمال فضلات الحيوانات كسماد , وقتل الادغال . هذه هي وسائل الإنتاج والتي مكنة الفلاح من الإنتاج الواسع , وخلق الثروة , وتأسيس حضارات راقية معروفة بكثرة خيراتها . وعلى هذا المنوال فان زيادة الإنتاج الصناعي يحتاج الى زيادة في مستوى التفكير للعمال الصناعيين مثلما استطاع الفلاح بإنتاج أكبر. وعليه فان مصدر الثروة يعتمد على درجة قدرة العمال الذهنية على تحويل الموارد الطبيعية الى انتاج متنوع يستفاد منه المستهلك ويضيف ثروة له.
الغريب في الامر , ان ما تحدث  به كوزني , سميث , و ماركس من ان مصدر الثروة هو العمل , تحدث عنه الإسلام  قبل 14 قرنا . القران يصرح بان الله تعالى خلق الأرض وما عليها , وخلق الأنهار والجنات والجبال والشجر , وطالب الانسان بحميتها . ولكن لم يأمر الله تعالى الشجرة ان تنثر فاكهتها على مالكها , وانما امر الله الانسان بقطفها , ولم يأمر الله  الحنطة والشعير ان يكونا خبزا جاهزا على مائدة الانسان , وانما امر الله الانسان , بحصاد محصول الحنطة او الشعير , طحنه وتحويله الى خبز يستعمله الانسان في غذائه . وهكذا جاء في الآية الكريمة ” اسعوا في مناكبها واكلوا من رزقه ” , أي ان القران جعل العمل فرضا على المؤمن , لان العمل هو الذي يجلب الرزق او الثروة. كما ان القران لم يضع محرمات على تبني الانسان المهن ( الا ما حرمه الله) وانما ترك اختيارها للإنسان وجعله حرا في ان يكون عاملا او فلاحا او تاجرا او جنديا او موظفا حكوميا او اهليا.  كما وان الإسلام شدد على العناية بالمال او الثروة او الرزق , فلم يسمح للإنسان تبذيره او خزنه وكنزه وانما شدد على دورانه لينتفع منه المجتمع , اما في التوسع على عائلته , استثماره في تعمير الأرض , و الانفاق من اجل الخير . وعليه فان الإسلام يشارك النظام الرأسمالي والشيوعي وهو ان الانسان من يخلق الثروة وان الثروة هذه قد تأتي من الصناعة او الزراعة او التجارة , وان هذه الثروة يجب ان تستخدم من اجل النمو والرقي البشري . ولكن الثلاث يفترقون على توزيع هذه الثروة , فالنظام الرأسمالي مع ملكية الثروة للأفراد , والنظام الشيوعي مع ملكية الثروة للمجتمع , بينما اتخذ الإسلام طريق الوسط بين الافراد والمجتمع. 

 

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here