الى متى يستمرالوضع المزري في إدارة فيدرالية كردستان العراق؟!

د. صباح قدوري

لا تزال الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية تتراوح في مكانها في إدارة حكومة فيدرالية كردستان العراق، نتيجة سوء الإدارات السابقة في الحكم، وتراكم سياسات أقتصادية خاطئة، وتفشي الفساد الإداري وهدر المال العام في المفاصل الإدارية والحزبية، وإلانشغال في محاربة الارهاب الذي يعرض الحالة الامنية والاستقرار والسلم الاهلي للاقليم الى الخطر.

ومنذ، 19/أب-ـ أغسطس2015، وهو تاريخ إنتهاء ولاية الرئيس مسعود برزاني بعد تمديها لمدة سنتين بالأستناد الى قانون رقم 19 لسنة 2013، المعروف بأسم قانون تمديد ولاية رئيس إقليم في 20/آب ـ آغسطس،2013، يشهد إقليم كردستان العراق أزمات حادة على الصعد العلاقات السياسية بين الاحزاب الكردستانية المشاركة في العملية السياسية وإدارة الحكومة الفيدرالية. وتفاقمت ذروتها بعد إنهيارالمحاصصة الحزبية التي شكلت بموجبها رئاسة البرلمان المنتخب والحكومة في كابينتها الثامنة بين الحزب الديمقراطى الكردستاني وحركة التغيير والاتحاد الوطني والاحزاب الاسلامية، مما أدى الى تعطيل البرلمان ومنع رئيسه والبرلمانيين من كتلته الدخول الى أربيل، وحصر الحكومة بين الحزبي الديمقراطي والاتحاد الوطني، بعد إقصاء الوزراء التابعين لحركة التغييرمن وظائفهم، مع إشداد حملات الاعلامية والتهم المتبادلة بينها، بهدف الاستحواذ على السلطة والمال والنفوذ.

لم تستطيع الاحزاب الرئيسية المشاركة في الحكم من الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير والاحزاب الاسلامية، التي أعلنت مرارا ومن خلال أجتماعاتها وتصريحات قادتها، بان القوانيين المعمولة بها في الاقليم، لن تمنح اية فرصة لمسعود بارزاني للترشيح للدورة الثالثة، من تنظيم الانتخابات الرئاسية المباشرة و/أو تقديم اي مرشح بديل لهذا المنصب، و/أو تعديل بعض قوانين مسودة الدستور وجعل الحكم بموجبها من الرئاسي كما هو علية الحال الى حكم برلماني تمهيدا لطرحها على الاستفتاء الشعبي لاقرارها بصيغتها الجديدة وإنتخاب الرئيس من البرلمان، مع بقاء الوضع على حاله من دون إيجاد آي حل لهذه المعضلة.

أن ضعف آداء هذه الاحزاب وعدم تمكنها من الوصول الى قرار حاسم لهذا الموضوع، وبروز الخلافات بينها بين حين واخرتجاه مجمل الاوضاع المزرية التي يعيشها الاقليم منذ ما يقارب السنتين من انتهاء ولاية مسعود برزاني، وإنتهاج السياسة الديماغوجية في الحوارات بين هذه الاحزاب وخاصة المشاركة منها في إدارة الحكم، مما قاد العملية السياسية في الاقليم الى ما آلت عليه اليوم، وعدم تمكن من إيجاد حلول صائبة للازمة الخانقة التى تمر بها الاقليم، وخاصة في جوانبها الاقتصادية والمالية والاجتماعية والامنية، وذلك لبعض الاسباب (وباختصار شديد)، كالاتي:

  1. التدخل العضوي بين الهيمنة الحزبية المباشرة وأتخاذ القرارات الفعلية في الإدارة الفيدرالية، مما أدى الى تعطيل ممارسة المؤسسات القضائية والتشريعية والتنقيذية وحتى السلطة الرابعة الاعلامية لسلطاتها ومهامها بالوجه المطلوب.
  2. عدم وضوح لدى الحكومات المتعاقبة في الاقليم، وخاصة بعد 2003 في فلسفة النظام السياسي، كي تتبنى رؤية شفافة وأستراتيجة واضحة ومعللة لعملية التنمية الشاملة والمستدامة.
  3. بقاء الطابع الريعي لاقتصاد الاقليم على المداخيل الناتجة من بيع وتصدير النفط بالدرجة الاساسية، ويجد تعبيره في الضعف الشديد لمساهمة قطاعات الزراعة والصناعات التحويلية والخدمات الانتاجية في تكوين الناتج المحلي الإجمالي.
  4. ضعف الأجهزة الإدارية والمالية والقانونية، سببت الى سؤء العملية الإدارية وتفشي الفساد المالى والإداري في كثير منها على نحو بات يمارس دورا تخريبيا في أقتصاد الاقليم.
  5. حرمان الاقليم من حصته (17)% من الموازنة الاتحادية، وأنهيارإتفاق النفط بينهما والذي بموجبه على الحكومة الفيدرالية ان تسلم (550) الف برميل يوميا الى الحكومة الاتحادية، منها (300) الف من نفط كركوك و(250) من نفط الاقليم.

6 .شحة الموارد المالية بسبب إنخفاض أسعار النفط أكثر من (50)% منذ منتصف عام 2014، ولم يتعافى السعرحتى الان الى مستوى المقبول، وسوء ترشيد سياستها، وعدم إستخدام الاموال الطائلة لدى حكومة الاقليم على مدى السنوات السابقة بشكل عقلاني وتوظيفها في إعادة وبناء بنى تحتية يرتكز عليها النشاط الاقتصادي الانتاجي وتقديم الخدمات الانتاجية والاهلية، وتم تبديد قسم كبير منها في مشاريع فاشلة، مما سبب النقص في السيولة النقدية ، وتفاقم مديونية حكومة اقليم كردستان لشركات النفط الاجنبية وللبنوك التجارية الى اكثر من ( 20) مليار دولار، وتعطيل دفع رواتب كثير من منتسبي المؤسسات الإدارية مرة كل أربعة أشهر.

  1. تفاقم نفقات الحرب على ( داعش) وعصاباتها الارهابية، والمشاكل الادارية والمالية واللوجستية للنازحين والمهجرين.

8.أما في مجال ملف النفط، فان وزارة الموارد الطبيعية وعلى راسها آشتي هاورامي، هوالمسؤول المباشر وصاحب القرار الأول في رسم السياسة النفطية وبالدعم من نيجرفان بارزاني رئيس حكومة الاقليم. وأن أبواب الوزارة مغلقة بوجه من يريد الاطلاع على البيانات والمعلومات من الباحثين والمختصين في مجال النفط والاقتصاد و/أوإفصاح عن البيانات والإحصائيات الدورية المتعلقة بعقود المشاركة للشركات الاجنبية العاملة في الاقليم، كمية إنتاج النفط وتسويقها وكل ما يتعلق بالمسائل الإدارية والمالية والقانونية والفنية للقطاع النفطي، اي بمعنى هناك نقص كبير في شفافية عمل الوزارة في آداء واجباتها، حتى أن الجهة البرلمانية في الاقليم لديها صعوبات كبيرة لمتابعة ومراقبة ملف النفط، وطلبت مرارا من الوزير آشتي هورامي للحضور الى البرلمان للإستجواب في بعض قضاية تخص هذا الملف، الا انه أمتنع عن ذلك ولم يحاسب حتى الآن على ذلك. أدناه بعض ملاحظاتنا على قطاع النفط ( من دون تفاصيل)، كالاتي:ـ

  • بعد إنهيار إتفاقية النفط بين الاقليم والحكومة الأتحادية المشار اليها في الفقرة الخامسة أعلاه، قام الاقليم بتسويق النفط عبر الانبوب الثاني الممتد الى ميناء جهان في تركيا بشكل مستقل بعيدا عن التشاورأوالتنسيق مع الحكومة الاتحادية، وبيعها عن طريق التهريب عبر الشاحنات للدول المجاورة ( تركيا، وايران وسوريا) واسرائيل.
  • تفتقر العقود مع الشركات النفطية الأجنبية الى الشفافية العالية. وهي عقود المشاركة في الأنتاج والأرباح والملكية. ووفقا لبعض البيانات الأولية، فأن هذه العقود تمنح الشركات المذكورة ولمدة طويلة قد تزيد على ( 20 ) سنة ، حصة أرباح عالية من النفط المستخرج وبكلفة زهيدة مقابل تطوير الحقول النفطية في الاقليم.
  • وفق فلسفة الاقتصاد السوق ـ الحر والمطبق مشوها، أصبح أقليم كردستان العراق سوقا تجاريا حرا، تجري فيها كل المعاملات الاقتصادية بشكل ليبرالي ـ التجارة الحرة، موجها من الحزبين الحاكمين، الديمقراطي والاتحاد الوطني، في ظل غياب تخطيط إستراتيجى شفاف للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، و/أو أية رقابة برلمانية وتنفيذية وشعبية. وأن الفساد الإداري والمالي يمتد الى كل القطاعات الاقتصادية ذات الطبيعة الخدمية الاستهلاكية، وحصة الأسد من هذا الفساد يرتكز اليوم على القطاع النفط والغاز، الذي نما سريعا بفضل الشركات المتعددة الجنسيات التي دخلت ميدان الاستثماري في الاقليم وبشراكة وأشراف المباشر من الشركات الامريكية الخاصة، التي يشرف عليها السفير الامريكي السابق في العراق زلماي خليل زاده والمستثمر في مجال النفط نديم الزهاوي، العضو السابق في البرلمان البريطاتي عن حزب المحافظين، وهو من أصول عراقية/ كردية.
  • أن حساب إيرادات بيع النفط ومشتقاته تدخل حصة منها، لا يمكن معرفة نسبتها في حساب الحزبين الحاكمين، بدلا من المال العام ـ الشعب، وذلك لنقص المعلومات الأحصائية الرسمية كما أشرنا اليه في النقطة الثامنة أعلاه وضعف الرقابة الشعبية، وتنفذ من قبل المافية الخاصة بتجارة النفط وتحت إشراف والدعم المباشر من الحزبين الحاكمين.
  • سيطرة قوات البشمركة على حقل نفط ( كركوك) عند تحرير المنطقة من ( داعش) في 2014. واليوم تقوم حكومة الاقليم بتصدير النفط بحدود (500) الف برميل يوميا، (225) الف برميل من حقول الاقليم و (275) من حقل ( كركوك)، الذي كانت تديره شركة ( نفط الشمال) التابعة للحكومة العراقية، ويسوق عبر شركة ( سومو) العراقية.
  • تفاقمت الازمة في القطاع النفطي في الاقليم خلال السنتين الاخيرتين. وأشارة الاحصاءات الأولية عن طاقة حقول الاقليم الانتاجية نحو مليون برميل يوميا في هذه الفترة، ويتوقع أن يبلغ هذه السنة نحو خمسمائة وثمانون ألف برميل يوميا، ويشمل هذا الرقم ما يستقطعه الاقليم من حقل كركوك. وبذلك تقلصت معدلات الانتاج والتصدير، وبادرت الشركات العاملة الى تقليص خسائرها وخفض استثماراتها وغادرت كثيرمن الحقول النفطية لعدم جدواها الاقتصادي، لان مشكلة نفط الاقليم أصبحت اليوم متعلقة بجيولوجيا المنطقة، وكذلك عدم قدرته المالية ايضا لدفع مستحقات المالية المتراكمة والمترتبة بذمته لهذه الشركات. فعلى حكومة الاقليم ان تأخذ هذه المسالة بعناية فائقة وتبادرمن الآن بضرورة إيجاد وتامين مصادر إيرادات متنوعة للاقليم، وعدم الأعتماد فقط على الريع النفطي، وذلك لضمان تامين مستقبل أجيالها

ختامآ، لقد حان آلأوان للاحزاب الكردستانية المنخرطة في العملية السياسية وخاصة الحاكمة منها، بأن تبادر بجرأة وبنية صادقة لتنقية أجواء الحياة السياسية في الاقليم على أسس، كالاتي:

  • التفاهم والحوار البناء ومبدأ التوافق وفق الأستحقاق الانتخابي لكل حزب وللمستقلين، وليس وفق المحاصصة الحزبية المقيتة المعمول بها حتى الان.
  • ممارسة الديمقراطية الحقيقية في الحياة اليومية وعدم اختزالها فقط بالإنتخابات

وإ قرارمبداء تداول السلمي للسلطة، واحترام كرامة وحقوق المواطن.

  • التركيز على تطويرسيرورة الصيغة الفيدرالية تمهيدا لانتقالها الى المرحلة المتقدمة من حق التقريرالمصير، وتفعيل العامل الذاتي للمشاركة النشطة والفعالة في بناء مؤسساتها الرصينة وتقوية أقتصادها وأركانها القانونية والإدارية الرشيدة، والاستفادة العقلانية من العامل الموضوعي، على أساس العمل وليس فقط الأقوال.
  • أتخاذ مبادرة لتبني رؤية إستراتيجة واضحة وشفافة لاجراء الاصلاحات والتغيرات المهمة والجذرية في نهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي والهيكلية الإدارية للاقليم.
  • محاربة الفساد الاداري والمالي بقوة، والشفافية العالية والعقلانية في التصرف بالمال العام، وتأكيد على أن السياسات الاقتصادية يجب أن توجه السياسة النفطية، وليس العكس، وذلك من خلال إنتهاج سياسة بناءة تخدم عملية التنمية المستدامة، تستند على مفاهيم العدالة الاقتصادية والاجتماعية.
  • تفعيل دور الجماهير للمشاركة في عملية التنمية وصنع القرارات المصيرية. وبعكس ذلك فان المواطن متواصل وعازم على مطالبة وتحقيق حقوقه العادلة حتى النهاية.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here