ليلة المِحْيَه في سامراء!!

المِحيه مشتقة من إحياء ليلة الخامس عشر من شعبان , ولا أعرف لماذا تُمارس الألعاب النارية في تلك الليلة من قبل الصبية والشباب والسهر في الشوارع حتى الصباح , بينما هي مناسبة لتجديد التواصل الروحي والتعبدي تقربا إلى خالق الأكوان , ورب العالمين.

وكل عام علينا أن نحيّ هذه الليلة بالألعاب النارية الخطرة!!

ويستعد الصبية والشباب لهذه الليلة بتحضيرات عجيبة غريبة , فتجدهم في نشاط دائب فردي وجماعي للعمل على تحضير عدتهم النارية , وإطلاقها في تلك الليلة خصوصا بعد منتصفها الذي يعني ذروة اللعب بالنار!!

ومن الألعاب النارية المِحيَوية:

أولا: “البوتاس

يتم شراء مادة البوتاس من بعض المحلات المعروفة في المدينة , وهي تبيعها بكميات كبيرة في هذه الفترة , والبوتاس مادة صفراء شديدة الإنفجار والإحتراق , وكم سمعنا أن محلات بائعيها قد إحترقت بسبب خطأ , أو بإقتراب سيجارة من هذه المادة.

وبعد شرائها يتم تحضير الحصى الناعم , وقِطع القماش الصغيرة المربعة , وقِطع من ورق الجرائد , ويتم وضع كمية صغيرة من الحصى في قطعة الورق وضمها حسب الحجم الكروي المطلوب , وتضاف كمية قليلة من البوتاس فوقها , وبعدها تلف بقطعة القماش , وتدرج بخيط قطني يسمى (خيط الوشيعة) , وتدرز الكرة البوتاسية بقوة وتلصق نهاية الخيط بشريط ورقي.

وتتكرر هذه العملية لإعداد ما نتمكن من البوتاس وبأحجام مختلفة , وتحفظ في مكان آمن إستعدادا لليلة المحية.

ثانيا: “الزنابير

وهي أشكال إسطوانية مختلفة الأحجام تُصنع من ورق المجلات , وذلك بلف الورقة على قلم الرصاص أو أي قضيب إسطواني , وبعد ذلك يؤخذ قضيب إسطواني آخر بنفس الحجم ويُدخل في النهاية الأخرى , ويُترك بين القضيبين مسافة يتم خنقها بالخيط , ولهذا تسمى العملية (تخنيق() زنابير) , وبعد إعداد ما يكفي منها , يتم حشوها بالبارود.

و تحضير البارود يكون بجلب خشب يسمى (الغَرَب) وحرقه قليلا ثم دفنه بالتراب ليتحول إلى فحم , وبعد أن يقطّع إلى قطع صغيرة يوضع في قدر كبير وتُضاف إليه الشورة ويُغلي حتى يَمتص ماءه , ثم يُترك ليبرد ويجف , وبعد ذلك يسحق أو يطحن وعادة ما يكون ذلك بإستخدام الجاون” , وبعد أن يجف تماما يخلط معه الكبريت الأبيض أو الأصفر , وعندها يكون جاهزا للحشو في الزنابير الورقية التي تم إعدادها.

ويوضع البارود في صينية أو على قطعة نايلون , وتبدأ عملية حشو تلك الإسطوانات الورقية ودقها , أي دفع البارود فيها مع ضغط بقضيب حديدي , وعادة ما تستعمل مكابس المحركات التي تُرمى بعد تجفيتها , لهذه المهمة.

وبعد أن يمتلئ الزنبور بالبارود وتترس عينه وتغلق نهايته يكون جاهزا للإنطلاق.

وكثيرا ما إحترق شباب وبيوت بسبب هذه التحضيرات الخطيرة , وفي الأسبوع الثاني من شعبان تزدحم مستشفى سامراء بالمحترقين بالبارود , وبعضهم يموت من شدة الحروق.

ثالثا: “طفار النجم

وهذه عيدان معدنية مكسوة بمادة قابلة للإشتعال , فحالما تلامس نارا تشتعل وتصدر شرارا متواصلا , وهي تُباع بعلب مستطيلة تحوي على أعداد منها , وعادة ما يمارس اللعب بها الأطفال , لكنها أيضا تتسبب باضرار وحرائق.

رابعا: “الطَرَق

وهو أشكال إسطوانية متنوعة الأحجام والألون , تنتهي بخيط يسمى ( الفتيلة) , التي تُشعل وحالما تصل النار إلى بدن الإسطوانة تنفجر , ويكون صوت الإنفجار متناسبا مع حجمها.

خامسا: “شخاط رحلو

وهو يشبه علب الشخاط العادية , لكنها تحوي على عيدان كبريت يمكنها أن تشتعل لمدة أطول وبالوان متنوعة , وعادة ما يتم إثقابها والتمتع بنيرانها وألوانها , وأحيانا يتم رميها على الآخرين مما قد تتسبب بحريق ما.

سادسا: “الأشرطة الطارقة

وهذه أشرطة توضع في مسدسات مصنوعة لهذا الغرض , وهي ملفوفة في حلقات صغيرة توضع في المسدس ويبدأ الضغط على الزناد لتصدر أصوات إطلاقات وكأنك تستخدم مسدسا حيا.

هذا بعض الألعاب والمشاهد التي كانت تتكرر في الأيام التي تسبق ليلة المحية , أما في الليلة ذاتها , فأن االشباب والصبية يكونون في حالة تأهب وإستعداد للمنازلات الإنفجارية , خصوصا بعد أن يحل المساء ويتقدم الليل , وتصل الليلة إلى ذروتها بعد منتصفها , حيث تعم الإنفجارات وتتعاظم حركة الزنابير في الجو وبين الناس , ويمضي الجميع في مهرجان صاخب , قد يتسبب بخسائر هنا وهناك , لكنه يضفي شيئا من المتعة والمرح , والبهجة المطعمة بالنيران وأصوات البوتاس الذي يضبح في كل مكان.

وكلما عدت إلى تلك الليلة أجدها تحمل الكثير من المخاطر والأضرار , خصوصا وأن المستشفى تغص بالمصابين بالحرائق خلالها , وكم من صبي وشاب قد إحترق فيها وفقد حياته.

تلك ممارسات لم يتم التوجيه بخصوصها من قبل أي جهة أو مدرسة أو عارف في المدينة , لكن الأجيال مضت عليها , وتواصلت في ذات السلوك المُطعم بالنيران لعقود.

وما بقي أثرا لتلك الممارسات في ليلة المحية , لأن الناس أدركت مخاطرها , وإتخذت أسلوبا معاصرا آخر للإحتفال بليلة منتصف شعبان , ونشأت أجيال لا تذكرها ولا تعرفها.

وكل شعبان وأنتم بخير وبركة , وتحية لسامراء ولأهلها أجمعين.

دصادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here