حلم ما قبل السقوط

حلم ما قبل السقوط
هاقد مرت سنين طويلة من تحقق امنيات الكثير من اولئك الذين تضرروا من سياسات النظام السابق ( نظام صدام حسين ) و تنفسوا الصعداء حين اجتاحت القوات الأمريكية العراق و احتلته و اسقطت ذلك النظام الدكتاتوري القمعي ورحل ذلك الحكم الى غير رجعة تلاحقه لعنات و شتائم العراقيين و شماتتهم بمصير رموزه و النهاية المخزية لذلك الحكم و رجاله الذي اغرق البلاد بالحروب و الديون و الدمار .
كان الحلم الجميل الذي راود مخيلة المهاجرين و الهاربين و المنفيين من ارض الوطن هو النظام الديمقراطي التعددي الجديد ( على انقاض النظام الصدامي ) الذي سوف يبدأ عهده بأحترام الأنسان و حقوقه الأساسية في حرية الرأي و العقيدة و ضمان حصول المواطن على العمل و السكن اللائق و الصحة و التعليم المجاني في هذا البلد الزاخر بالثروات و المليئ بالكفاآت العلمية و الأدبية و التي سوف يكون لرجالاته الصولات و الجولات و الكلمة الفصل في المنازعات و المشاحنات و سوف تزدهر الفنون و العلوم و تغص دور السينما و صالات المعارض بالزوار و المشاهدين و سوف تنتعش المنتديات الأدبية و الأمسيات الثقافية و يحتدم فيها الجدال و النقاش و تتوسع المدارك و الآفاق .
كان ذلك هو الحلم البسيط للمواطن و القابل للتحقيق و الأنجاز في العيش الرغيد و المستقر الآمن و كما هو الحال في دول الجوار الجغرافي البعيد عن الحروب و ساحات القتال و البدلة ( الخاكي ) التي سئم منها و مل من ارتدائها و التوق الى حياة السلم الطبيعية و التي ينعم بها اغلب شعوب العالم و ان تمر اطوار الحياة بمراحلها العمرية بشكل متدرج ضمن الجدول الزمني المخصص لذلك و ان يكون للأنسان الذي ولد في هذه البقعة من الكرة الأرضية نفس تلك ( المزايا ) الآدمية و التي تشمل كل المجموعات البشرية القاطنة في هذا الكوكب ليس اكثر .
كانت تلك الأماني و الأمنيات و كما تبين لاحقآ مجرد اضغاث احلام و كان المشهد بعد الأفاقه و الصحوة ان استولت الأحزاب الدينية الأسلامية على الحكم و هي التي لا تفقه من اساليبه و طرقه شيئآ مفيدآ فلم يكن لديها من الرجال الأفذاذ و القادة النوابغ احدآ يذكر في ادارة هذا البلد الفخم و المتخم بالأرث الحضاري العظيم و الذي لا يمكن لأي عابر سبيل ان يكون ذو شأن فيه فكانت الفوضى العارمة التي شملت كل شيئ و كل ركن و مكان فكان القتل و الخطف نهارآ في الشوارع و الأزقة و صودرت بيوت و عقارات الهاربين من العنف الطائفي و الحرب الأهلية التي ضربت البلاد وصولآ الى الأستيلاء على املاك الدولة و وضع اليد عليها بوثائق مزورة تصدرها الأحزاب الدينية المتنفذة الى سيادة القانون العشائري المتخلف و انكماش دور القانون المدني و اقتصاره على عقود البيع و الشراء الى مزاحمة الجيش و الشرطة بتشكيلات عسكرية غير منضبطة و لا نظامية تستمد شرعيتها من السلاح الذي تحمله و من غض الطرف عنها و عن تصرفاتها من قبل ( الدولة ) و التي بدأت تلك الفصائل المسلحة بأقتحام الأماكن الترفيهية و النوادي و المنتديات الثقافية و فرض الأتاوات و اجبار الناس على الألتزام بقوانينها و أرائها تحت التهديد المسلح و الكثير الكثير من الأنتهاكات و التجاوزات .
هل كانت هذه ( الدولة ) الجديدة و التي كان المناضلون يعملون في السر و الخفاء و في ظروف بالغة الصعوبة و الخطورة على اسقاط النظام السابق و من كل الأحزاب السياسية المعارضة ( عدا تلك القابضة على الحكم ) يطمحون و يحلمون بها ؟ و هل قدم الشعب العراقي و احزابه السياسية الالاف من الشهداء و الضحايا و الذين سقطوا في ساحات المجابهة و المواجهة مع اجهزة أمن النظام البعثي البائد من اجل قيام ( دولة فاشلة ) تقودها احزاب مذهبية ضيقة الأفق بالكاد تمثل الجزء البسيط من طائفتها فما بالك بالشعب المتعدد الأديان و القوميات و المعتقدات و يبقى السؤال الذي ان جاهرت به كان مرآ علقمآ و ان كتمته كان نصلآ حنضلآ الم يكن من الأفضل بقاء ذلك الحلم عالقآ في الأذهان بدلا عن الأفاقة على التغير المرير الذي جعل اكثرية الشعب و هم الغالبية المتضررة تكفر بهكذا تغيير و تتوق و تحن الى زمان النظام السابق بكل الظلم و الجور الذي كان عليه فأي واقع مريع و مأساوي هذا الذي يجعل الناس يودون عودة الأنظمة الدكتاتورية القمعية و المستبدة بكل قساوتها لأنها اكثر رحمة .
حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here