نصوص الفقه و خطاب السيد علاء الهندي

دأبت ثقافتنا على الإستئناس مع ما تجده ماكثاً في محيطها العام, من عادات و طقوس و عبادات دينية , ترحب به و تتمسك بقوانينه , دون المحاولة في التفتيش عن ماهيته و أصوله مع غياب شبه مطلق من أي نزعة ذاتية لتنقية او تشذيب ذلك القديم او ما يطلق عليه التراث او النصوص التي يتعبد بها الناس .

 

كتب عدد غير قليل من الاساتذة و الواعين العرب عن محنة داعش و تعاملها مع المختلفين معهم بالدين او المذهب او التوجه , و دبجّ بعض الكتاب الى الهمجية الوحشية التي يمارسها أفراد داعش و أستهجنوا ممارساتهم المرتكبة باسم الاسلام . و كوني أحد الذين كتبوا عن هذه المرحلة و إسقاطاتها و الممارسات الرّثة التي مورست فيها , فأني ركزت و بإصرار على أصل المشكلة و عمقها و الاوتدة التي مكنتها من البقاء لهذا اليوم. معضلة مجتمعنا بشكل عام و بعض مثقفينا بنحو الخصوص أنهم ينظرون الى القضايا المهمة نظرة سطحية جداً , دون الغور في القعر الذي تنبعث منه الغازات المسرطنة و القاتلة.

 

ركزت في معظم ما كتبت على خطورة النصوص الدينية المتأتية من عمق الشرخ الانساني و الديني ومن جوهر الصراعات و القتل و التمييز و الإلغاء , النصوص التي يتمسك بها رجال الدين على أنها المسلك الحياتي الصحيح و الفاعل للتقرب الى الله , باتت تبعدنا عن الله و عن الانسان . تأملوا معي نصوصنا الاسلامية فستجدون ان معظم القتل و الدمار و الخراب الذي ضرب أوطاننا وقوض عيش أهلنا أتى مما نطلق عليه أسم دين ! ولا يمكن لعاقل ان ينهزم أمام تخويف العامة لكي يعترف بهذه المهزلة التي ترتكب بإسم الله و الله منها بريء

 

أحد المخاطر التي تواجهها المجتمعات الاسلامية هي النصوص الفقهية , التي تعد معظمها إستنساخاً لاراء سابقة مع قدر قليل من التحسينات اللفظية . اشتغل الوعي الاسلامي على الفقه إشتغالاً مكثفاً . الامر الذي وصفه ناقد العقل العربي محمد عابد الجابري ” إذا جاز لنا ان نسمي الحضارة الاسلامية بأحدى منتجاتها فإنه سيكون علينا ان نقول عنها إنها حضارة فقه “

 

يعتمد الجابري في دراسته التي كونها من خلال بحث و مطالعة و خبرة طويلة , و يؤكد على مخاطر النص الفقهي و جموده لأنه يبحث عن تبريرات لبقائه و ديمومته و لذلك نجده يتشبث بالقديم فيقول في رأي اخر ” العقل العربي كان و مازال عقلاً فقهياً , عقل تكاد تقتصر عبقريته في البحث لكل فرع عن أصل, لكل جديد عن قديم يقاس عليه و ذلك بالاعتماد على النصوص “

 

لم تكترث بعض النصوص الاسلامية و الفقهية منها بالتحديد, لحال بعض الاشخاص المنتمين لديانات اخرى و خاصة الذين يعيشون في كنف الاسلام, فقد أجهدتهم هذه النصوص و أقصتهم عن الدور التفاعلي الذي يعيشون فيه . بل و جعلتهم لا يتساوون في الخاصية الانسانية مع المسلم و رأت فيهم أنجاس غير طاهرين ! لهذا السبب تجد ان بعض الآراء و الرسائل العملية الفقهية التي تقول بطهارة الكتابي تُصنف بالرأي الشاذ . بينما يفتي أكبر الفقهاء و زعيم الحوزة العلمية , بأن ملامسة الكتابي نجاسة !

 

ترى كتب الفقه الاسلامية بشكل عام ان غير المسلم لا يساوي المسلم , وان دم المسلم لا يكافئه دم غير المسلم . ركزوا معي قليلاً , إذا قَتل مسلماً شخصاً غير مسلم, يهودياً او مسيحاً او مجوسياً, فلا يُقتل المسلم بغير المسلم! لأن النص الديني الذي عندنا يقول ” لا يقتل المسلم بكافر” و في رواية اخرى ان النبي قال ” المسلمون تتكافأ دماؤهم ولا يقتل مسلم بكافر” و قالوا ان كل من لا يؤمن بالاسلام هو كافر .

 

النصوص و الاراء التي بين يدي الان كثيرة تؤصل لمأساتنا و حنق الفقه و اراء الفقهاء على المنتمين لغير الاسلام . لكني أرغب بشدّ إنتباه القارئ الى مسألة مهمة وهي : ان أصل النصوص الفقهية و الاراء التي تتعبد بها معظهما تتبدد فيها روح الله و نسق الانسان الخير الوديع الذي بداخلك .

 

الذي حرضني على هذا الموضوع هي محاضرة ألقاها رئيس الوقف الشيعي العراقي السيد علاء الهندي وهو يتحدث عن الجهاد, قال فيها ما نصه ” هناك ثلاثة طوائف يجب مجاهدتها الكفار المشركون , منهم كفار أهل الكتاب اليهود والنصارى .. يجب دعوتهم الى الاسلام , فإما يدخلون في الاسلام و إما يقاتلون وإما يأخذون منهم الجزية “

 

صحيح ان السيد الهندي أتى برأي غريب على مسامع الكثيرين, خاصة من المذهب الشيعي لكنه لم يأتي بالرأي من عنده , هذا ما وجده في كتب الفقه التي يزعم أصحابها انها توافق شرع الله و رسوله !

 

أرجوكم لا تكثروا الحديث عن علاء الهندي فالرجل مأزوم حتى مع أهل مذهبه , بل راجعوا و تأملوا في كتب الفقه و أنظروا كيفية تعاملها مع بني البشر ؟ لا تسرفوا بالحديث عن ظاهرة الهندي بل دققوا في نصوصنا الاسلامية و حاولوا لفظها و إقصائها من حياتنا الانسانية , أيها السادة القراء ليس المسلم بخطر على ذوات البشر و الناس المختلفين معه ، لكن نصوص المسلم و رجال دينه هي الخطر الحقيقي .
مصطفى العمري
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here