أبو ايفانكا” في الشرق الاوسط..

بقلم: قرطبة الظاهر

إنها قطعا ليست بالصدفة ، لان السياسات لا تبنى على صدف بل على دراسات استراتيجية وتحليلات منطقية ضامنة لاحداث التحولات المستقبلية وما سوف تؤول إليه التصرفات السياسية التي يديرها لاعبون سياسيون معتمدون في المناطق التي تسودها الازمات السياسية كنتاج لهذه الاستراتيجيات. بلا شك أن منطقة الشرق الاوسط مليئة بالمنتناقضات: الاسلام السياسي والانفتاح العلماني التكنولوجي، الوهابية وحقوق المراة، التطرف الديني والطائفي، المليشيات المتطرفة وانتشار الفساد والمخدرات والدعارة والخ من المتناقضات التي لا تخلو ابدا من احداث عوامل تؤجج لصراعات اساسها الفساد الاقتصادي ونتائجه وظاهرها الاحقاد الدينية. لقد فشل الرئيس اوباما في لملمة هذه المتناقضات وتحويلها إلى سياسات مجدية ومسالمة للجميع. نعم، لقد فشل عبر منحه ايران تولي الانابة لامريكا في العراق وفي سوريا وفي اليمن. ولكن كل هذا ليس بصدفة وليس بقرار سياسي اعتباطي على الاطلاق!
يحل “ابو ايفانكا” كما اسماه الاعلام السعودي وعلى احدى صفحات جرائده المقروءة، يحل على المملكة السعودية ليس ضيفا قط، وانما، وهي ليست الصدفة بل انها المهارة السياسية الامريكية المبتكرة ومطابخها الذكية التي تحول التحدي إلى “مجاملة” دبلوماسية للعرب وعرض استراتيجي ذكي لهم. نعم انه تحدي لكل العرب والمسلمين قاطبة، ان يحل رئيسا امريكيا يحمل في عقليته المسيحية بعضا من التطرف تجاه الاسلام والمسلمين: فهو ذاته من قرر منع المسلمين دخول الولايات المتحدة الامريكية وهو ذاته الذي وصف الامير الوليد بن طلال بال”امير المعتوه” وهو ذاته الذي وجه الاتهام المباشر إلى المملكة واصفا اياها بالمتواطئة في تفجيرات 11 سبتمبر. كما ان الرئيس ترامب يعي جيدا ان نظام المملكة السعودية المبنى على “الشريعة” هو رديف لاحكام استبدادية دموية تعود للعصور الوسطى في قطع الرؤوس واذلال البشرية ولا تفرق بذلك عن احكام داعش. إذا إنها ليست الصدفة بل الوساطة والتحدي. دونالد ترامب يتحدى بشخصه وبعائلته التي ترافقه، المملكة السعودية، قعر الاستبداد الديني، فهو لورنس العرب الجديد والوسيط لدى بقية الدول كالعراق التي لا ترغب في الانفتاح على دول الخليج لتخوفها من المؤامرات الطائفية التي تحيكها هذه الدول عليها.
1. إضرب عدوك باسلحته!
الكل يعلم بان داعش والقاعدة هما صنيعة الغرب: فمنذ التسعينات والحركات السلفية تنتشر وتحت رقابة واشراف المخابرات الغربية في كل دول حلف الاطلسي! وان احداث 11 سبتمبر ما هي إلأ نتاج “مختبرات” القوى السلفية المتطرفة والاستخبارات الغربية في المانيا على وجه التحديد. السبب يعود إلى فلسفة الغرب في ضرب او مواجهة اي عدو يهدد مصالح هذه الدولة وبالتالي الامن القومي الامريكي المرتبط بهذه الدول عبر سلسلة كبيرة وعميقة من الاتفاقات والمعاهدات واكبرها هي معاهدة حلف الاطلسي عقب الحرب العالمية الثانية. كيف يتم تحجيم التطرف الاسلامي؟ كيف يتم محاربته بطرق حديثه دون الحاجة إلى وقوع خسائر جسيمة تطول مدتها إلى سنوات في الدول الغربية؟ 
 انها خطة “اضرب عدوك باسلحته”، إذا ضرب الاسلام المتطرف باسلام اكثر تطرفا وعنجهية وجبروتا! لذا ولدت القاعدة لتنفيذ الاجندات الغربية في افغانسان وبعد اتمام دورها ياتي دور ضرب الاسلام ذاته! هكذا وبهذه الوسيلة “البسيطة” يتم الوصول إلى الهيمنة “الامبريالية” الاقتصادية والحربية الغربية على الشرق الاوسط وانهاء الاسلام السياسي والتطرف الاسلاموي المصطنع في مطابخ ال Think Tank الامريكية. الرئيس ترامب يعي ما سوف يلقيه على مسامع “المسلمين” الحاضرين في القمم الثلاث المرتقبة. ذلك الرئيس الذي ينظر إلى القران الكريم ككتاب مليئ بالمفاهيم التي تؤثر سلبا على المجتمعات. انه درسٌ ذات إملاءات عديدة وأوامر ترتقي إلى مستوى الانصياع الكامل وغير المشروط للسياسات الامريكية الذي سيجبر جميع الحاضرين على سماعه من “ابو ايفانكا” حول الاسلام اليوم.
2. أمن الخليج هو أمن امريكا!
الملا روحاني يصبح للمرة الثانية رئيسا لايران ولا شيئ كالمعتاد سيتغير في السياسات الخارجية الايرانية! لكن ايران تبقى العدو الاكبر لحلفاء امريكا في الخليج والتي تعتبرمن الجانب السعودي ـ الامريكي الصانع الاول للارهاب الدولي لما تملكه من قدرات هائلة وترسانة عسكرية حديثة ومتطورة وارض مهيئة لتصنيع القنبلة الذرية. لذا يطمح الرئيس ترامب توسيع القواعد العسكرية الامريكية في كافة دول الخليج وتجهيزها باحدث الوسائل والطرق الحديثة لتأمين امنها القومي وسوف يعتبر كل من الكويت و الاردن وقطر والسعودية والامارات القواعد الاساسية والمعابر المهمة والانسب لتدريب القوات العربية المنضوية تحت تحالف عربي ـ غربي ـ امريكي يعد الاول من نوعه في الشرق الاوسط لكبح جماح الانظمة واذرعتها المسلحة غير الحليفة لامريكا. كما ان الدور الامريكي لن يكون مقصورا على التدريب وتوزيع الخبرات العسكرية والحربية وانما دراسة الاوضاع ووضع استراتيجيات جديدة لمستقبل الشرق الاوسط الجديد. 
 ركيزة أمريكية كبيرة ومهمة في العراق متمثلة بالسفارة الامريكية في المنطقة الخضراء ببغداد تعد صرحا من صروح الطموح الامريكي في الهيمنة واستغلال الموارد المناطقية والتحكم بها عبر إملاءات جديدة لحكومة عراقية انتقالية ما بعد تحرير الموصل.
3. إيران وتركيا..ردع الصفوية والعثمانية!
مشروعان يبدوان من الوهلة الاولى متناقضين ايديولوجيا وعقائديا لكنهما يجتمعان في الطموح الامبريالي للهيمنة على الشرق الاوسط ولديهما بلا شك خبرة تأريخية واسعة جدا، في هذا المجال. فمن يحتل منابع ومصادر المال قد ضمن مستقبل بلده لاجيال طويلة وضمن بذلك ايضا الطموح لتوسيع رقعة بلده جغرافيا. هنا يعد التدخل الامريكي رادعا كبير لطموح ايران وتركيا التوسعيين. الامر الذي دفع بالرئيس اردوغان توجيه تهديد واضح للاتحاد الاوروبي وبالتالي للحلف الاطلسي في حال تخليها عنه بتغير بوصلته السياسية نحو قريبه الروسي. جوبه هذا التهديد والاصرار التركي بدعم امريكا للبيشمركة السورية فتوقفت تركيا عن تهديداتها باختيارها للحوار الدبلوماسي وتأكيدها على حضور القمة الاسلامية المرتقبة. بالمقابل استغنت ايران عن الصراخ الاعلامي ضد امريكا وعن مزاعمها المعتادة في كل محفل امريكي باقامتها لمناورات عسكرية استعراضية في الخليج. الهدوء والترقب الشديد والحذر من اي تصعيد يسود المعسكر الايراني وخاصة وان ايران تأمل باستمرار الاتفاقية النووية الايرانية إلا ان ترامب يعدها باسوأ معاهدة في تاريخ الولايات المتحدة ويعد العدة لالغائها. ربما ترسل ايران مبعوث لها في القمة الاسلامية لكن حسب التوقعات ستقاطع ايران وكذلك سوريا الاسد هذه القمة.
4. العراق وسوريا واليمن والقضية الفلسطينية..
لم تخلُ تصريحات اذرعة ايران المسلحة كحزب الله في لبنان والعصائب والخرساني والساسة العراقيين الموالين لايران في العراق وجماعة الحوثي في اليمن من تصدير التهديدات ضد أمريكا وحلفائها وتوجيهها إعلاميا عبر منابرهم الاذاعية المرئية والمسموعة. كما لم تخلو الساحة العراقية من التصفيات السياسية من اعمال اختطاف وترويع وتهديد للقوى المدنية والمناهضة للاحتلال السياسي الايراني المتمثل بالمليشيات والعصابات السياسية التي قادت العراق إلى الدمار والخراب اقتصاديا وتجريده من مصادره الحياتية الاساسية وهو الاكتفاء الذاتي، كما تدمير البنى التحتية بذرائع طائفية وانتقامية في المناطق الغربية والشمالية والشرقية للعراق. كما لا تخلو الساحة السياسية العراقية من طموح بعض الساسة الموالين لايران لاعادة انتاجهم من جديد عبر انتخابات يسودها التزوير والضحك على ذقون العراقيين او عبر السعي للتوقيع على ورقة ما يسمى بال”تسوية” السياسية لتعزيز الهيمنة الايرانية في العراق وضمان كراسي الفساد وجرجرة البلاد لتأسيس ولاية الفقيه عبر ما يسمى بال”أغلبية السياسية”!!
 لن يستمر العراق تحت هذه الظروف التعيسة والادارة الامريكية تأخذ دور المتفرج على انتهاك مصالحها الاستراتيجية لذا فأن ترامب سيوجه اوامره إلى حيدر العبادي بتنفيذ الخطة الامريكية وباسرع وقت ممكن بعد اعلان تحرير الموصل مباشرة وقطع الطريق امام موالي ايران وتركيا في الاستمرار بالعبثية والارهاب في العراق. كما ان الدور الامريكي العربي سيكون ايضا حاسما في المناطق المحررة في سوريا بعد القضاء على المليشيات الايرانية وزرع قواعد عربية امريكية في المناطق المحررة قبل البدأ بخطط مارشال لاعادة الاعمار في العراق وفي سوريا. ياتي الدور الروسي وكذلك التركي هنا كحليف لامريكا ساعيا في الحصول على قطعة من الكعكة السورية الكبرى مقابل ضمان المناطق الكردية على الحدود مع تركيا ومقابل تقرير مصير الرئيس الاسد. 
 كما ان القمم الثلاث ستقرر مصير الحوثيين في اليمن وانهاء الدور الايراني في المحيط الهندي وابتزازه وتهديداته المستمرة للمملكة السعودية الباحثة عن من يسعفها في معضلتها مع اليمن. سيحل السلام في اليمن قريبا وايضا ستعد خطط للاعمار والبناء ويخصص صندوق كبير جدا باشراف عربي امريكي وغير عربي لاعادة اعمار سوريا واليمن. هنا تأتي القمم الثلاث كممول رئيس لهذا الصندوق. 
 أما ما يخص القضية الفلسطينية فان الدولة الاسرائيلية ترتقب زيارة ترامب اليها عقب القمم الثلاث في الرياض. وضع حلول جذرية للدولتين هو احد اسباب الزيارة واعادة توطيد العلاقات الامريكية الاسرائيلية وايصال رسالة العرب إلى اسرائيل حيث سيكونون حليفا لاسرائيل في حربه ضد الارهاب المتنامي في الشرق الاوسط وربما سيعترف العرب جميعا باسرائيل في حال اعترفت الاخيرة باقامة الدولة الفلسطينية. بالمقابل ستحصل اسرائيل على عقود ضخمة لاعمار سوريا واليمن والعراق.
كل ما يحدث اليوم لم يأتي عبر الصدفة وانما عبر سياسة مدروسة بمهارة تامة. وان المستقبل القريب سيرينا احداث وتطورات ربما لم تك محسوبة في اذهاننا من قبل لكنها بالتاكيد ستكون مصيرية لشعوب منطقة الشرق الاوسط…فاهلا وسهلا بلورنس العرب الجديد، “أبو إيفانكا”…
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here