السلطة والمبدع ….. مراقبون من قبل اجهزة الامن ولهم ملفات في ادراجها

1
دائما كان هنالك صراع معقد منذ القدم بين السلطة والمثقف فهما لا يلتقيان ولطالما كانا قطبين متضادين لا لعيب في احدهما فهما يختلفان فحسب عن بعضهما فكل واحد منهما له قانون وشريعة فالقضية بينهما لا تتخطى صيغة الالوان كالابيض والاسود فهذا يرتفع في احدى زوايا اللوحة والاخر ينخفض في زاوية اخرى هناك على اللوحة يلتقيان ويرقصان معا لتكتمل الصورة لكن لكل واحد منهما ارائه وتوجهاته وتطلعاته هنا يكمن الاختلاف بينهما فربما هذا يراها انطباعية بينما الاخر سريالية …..

2
هنالك نظامان يحكمان العالم الشرق والغرب لذا لكل واحد منهما خصائصه الاثنان كعازفين ينفردان بالعزف على ذات الالة لكن هنالك اختلاف في اللحن والمقصود به هنا النظم والتشريعات والقوانين …..
ففي الغرب هنالك مكانة ذات قيمة للمبدع ايا كانت صفته لذا فهو حر في تدوين الابداع كما يراه فكريا وعقليا لذا فالحرية بمعناه هذا وليس بمعاني اخرى لان لكل شيء تفسير معين ضمن خانة الحرية بينما في الشرق يختلف الامر ففي معظم الدول الخاضعة لمصطلح الشرق الاوسط وما يجاروها من الجهات الاربع فأن المبدع ايا كانت صفته شاعرا او كاتبا واديبا او صحفيا ….. الخ فهو علامة استفهام كبيرة في عين السلطة وهو مراقب من الاجهزة الامنية وتحمل ادراجها ملفا بأسمه فيه تفاصيل ومعلومات عن المبدع وربما هنالك كتيبة تطارده من شارع الى شارع ومن زقاق الى زقاق لمعرفة كيف يقضي المثقف يومياته وهذا امر ليس بالجديد فكل المبدعين مراقبون امنيا في الشرق ويوميا ترسل التقارير عن تحركات المبدع للجهة المسؤولة بمتابعته فهي تعلم كل شيء عنه بداية بيوم مولده اللعين وصولا الى تصلعكه وتعربده على صفحات الصحف الورقية والمواقع الالكترونية فهذا ما يميز الشرق عن الغرب فالاول يصرف الملايين كي يراقب المبدعين والاخر يصرف الملايين لبناء المبدعين …..
3
السلطة في عوالم الشرق لا تحب النخبة المثقفة ولا تستهويها طروحاتهم وتطلعاتهم لذلك عندما يشتعل فتيل ازمة في اي قضية اجتماعية كانت او اقتصادية او سياسية او ثقافية فالمثقف هو اول الضحايا والسبب يعود الى ان السلطة تكره الفرد الواعي المفكر الذي ينظر الى ما بعد الافق فمن يقرأ هو في نظر السلطة شرير وخبيث ومن يكتب تطاله ذات الشتائم ومن يبدع في اي مجال انساني فهنالك خط احمر عريض تحت اسمه …..
انا لست عنصرا مخابراتيا او امنيا كي اعلم بكل هذا فالقضية لا تحتاج سوى لورقة وقلم وبعض الهدوء لترتيب اروقة العقل ورؤية الواقع المتعفن الذي يعيشه الشرق وهذا لا يحدث الا في حالة واحدة الا وهي الثقافة فهي تصنع الوعي وتقوي الفكر وتضغط على المخ لافراز الخيال فالموضوع له بعد اخر فالقراءة تبني العقل وبالتالي فأن هذه الالة البشرية تعمل كي تكتسب مهارات الثقافة والفكر والفلسفة …..
فالسلطة تحب الافراد العاديين البسطاء الذين لا يعلمون من الحياة سوى روتينها الممل بينما تكره الانسان المثقف الذي يستلهم الوعي كدستور عمل في يومياته فمن ينظر ما دون الافق فهو بعيد عن انظار السلطة ومن ينظر الى ما بعدها فهو قنبلة موقوتة في فلسفتها ويجب تفكيكها وبالوسائل التي تراها مناسبة …..
فالمبدع يعرف حقائق الامور لأنه في حالة توعية وتثقيف مستمرة وهذا تجاوز على قوانين السلطة في عوالم الشرق بينما الفرد العادي فهو صحراء قاحلة مجردة من كل شيء الا تفاصيل الحياة البسيطة فالمثقف يفرق الخطأ والصواب وبالعكس لأنه يفكر ويتعمق في خيوط المشهد والصورة والحدث بينما الانسان المليء بكل شيء الا الوعي فهو لا يفرق بينها بل يكتفي بأستيعاب واحتواء الاشياء والامور من منظور الاخر اي السلطة على عكس المثقف الذي يتخذ من الوعي والادراك مفهوما وقيمة في ثنايا الحالة الفكرية والفلسفية التي يعيشها بشكل مستمر …..

ايفان زيباري
شاعر وكاتب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here