العراق بين مشروعين ( 1 )

ليث شبر

قاب قوسين أو أدنى بقي من انتصار العراقيين على أقذر عدو عرفته البشرية على طول التاريخ  والجغرافية (داعش) ، وهو انتصار حققه العراقيون الذين ضربوا أروع الأمثلة في التضحيات التي لولاها لعمت اليوم فوضى الشر والدماء في كل مكان في العالم ..
هذا الانتصار الكبير الذي لا نعرف قدره ولم نستثمره ولم نعطه حقه بسبب خلافات السياسيين الحمقاء وارتباطاتهم بأجندات خارجية إقليمية ودولية جعلت من قراراتهم وسلوكياتهم وخطاباتهم جبهة أخرى ضد القرار الوطني في العراق فأوهنته وأضعفته.
اليوم نحن أمام مشروعين رئيسين كبيرين  في العراق بعد أن غاب المشروع والقرار الوطني وهما :
المشروع العربي الأمريكي
والمشروع الإيراني
لقد كان العراق طيلة عقود ضمن مشروع بريطاني أمريكي منذ أيام الملكية الى أيام الجمهورية بمراحلها المختلفة والتي انتهت بعد تمرد صدام عليهم محاولا أن يكون قائدا قوميا بطلا من خلال مواقف في ظاهرها شجاعة ولكنها حمقاء النتائج والنهايات فأدخل البلاد في أتون العداءات والديون وتحطيم البنى التحتية ..ولكن العراق بعد 2003 كان مهيئا لتغلغل مشروع إيراني فقد أصبح للإيرانيين منفذا قويا من خلال قادة ورموز الشيعة المعارضين لصدام بعد أن دعمت إيران رجالاتها في العراق من الشيعة وأقصت من لم يوالها ويؤمن بالولاء لها بكل الطرق الممكنة فليس غريبا أو جديدا أن نقول أن الأحزاب الشيعية الحاكمة ورموزها تدين بالولاء لإيران فهي وإن كانت متصارعة في الداخل فإنها تشترك بهذه الصفة .. وقد ساعد في تغلغل المشروع الإيراني انحسار الدور العربي فيه الى دائرة ضيقة من السنة العرب واكتفوا بدعمهم بالمال وتأسيس جماعات مسلحة ضد العملية السياسية الجديدة في العراق والتي كانت دول العالم قاطبة تدعمها بسبب الضغط الأمريكي والتخطيط البريطاني ولم تفوت إيران الفرصة على نفسها لملأ فراغ الانكفاء العربي خاصة أن العرب في غباء معهود امنوا بفكرة أن شيعة العراق ينتمون الى ايران ..
خلال 14 سنة استطاع الإيرانيون أن يصبحوا اللاعب الرئيس ويجعلوا من أمريكا لاعبا احتياطا أو على أكثر تقديرا ظهيرا لخططهم فأمسكوا الخيوط كلها شيعية وسنية وكردية فأثبتوا دهاء وجدارة إيران في التخطيط والتنفيذ ..يقابله نكوص عربي فارغ وغير مبني على أي استراتيجية سوى تحطيم البلاد وارسال الارهاب اليه وقتل شعبه وتشريدهم..
بعد مجيء ترامب الكاوبوي الأخرق تنفس العرب وفي مقدمتهم السعوديون الصعداء بعد أن توضح أن ترامب يبحث عن الأموال وعن صنع مجد وهمي من خلال الانتصار على ايران وتحييد وتحجيم دورها الاقليمي والدولي.
كنت والكثير نتوقع أن رئيسي المحافظ والذي يريد أن يعيد خطاب الخميني ونجاد في العداء ضد أمريكا هو الذي سيفوز بالانتخابات لأنه يتناسب مع مجيء ترامب وسياساته العدوانية ضد إيران ..لكن الإيرانيين أثبتوا أنهم أكثر دهاء من تحليلاتنا وتوقعاتنا إذ لماذا تكون خياراتهم ردة فعل ازاء سياسة خارجية مادام روحاني وكابينته قد حققوا انتصارات سياسية لا يحلم بها الإيرانيون ففريقهم اليوم أقوى وأكثر خبرة ودربة ويتلاءم مع تطلعات الشعب الإيراني في الانفتاح فضلا عن أنهم يعلمون جيدا أن ترامب وتحالفاته لن يستطيعوا أبدا أن يحركوا شعرة من دولتهم العتيدة..
كان يمكن للعراق أن يكون دوره محوريا ومؤثرا في العالم العربي والإقليمي والدولي فيما لو كانت أحزابه الحاكمة وقادته ورموزه السياسيين تخلوا عن ولاءاتهم الخارجية وهي لاتتعدى الولاء لدول اقليمية فلا يظنن أحد منا أن هذه الولاءات ترتبط بعقيدة دينية أو قومية أو مذهبية فهذه الانتماءات ماهي إلا أقنعة يوهمون بها الناس لكي يضللوا ولاءاتهم الخارجية..فالسياسيون الحاكمون الشيعة والسنة والكرد في حقيقة أمرهم لا يهمهم مصير مكوناتهم وحقوقهم بقدر تنفيذ هذه الأجندات الخارجية والأدلة على ذلك مانحن فيه من فوضى ..
وكل ذلك معروف اليوم لأبسط مواطن عراقي ويكفينا استفتاء واحد حقيقي عن صفات الأحزاب الحاكمة ليتبين مدى الهوة الكبيرة والثقة المفقودة بين الجماهير غير المؤدلجة وهم الغالبية وبين هذه الأحزاب .. فماذا يعني ذلك ؟
يتبع

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here