الحكمــــــــــــــــــة.. !!

قصة: نبيــل عــودة

 جلس أساتذة الفلسفة يتحاورون. قال أحدهم:

ان أهم خصلة في الإنسان جماله… وبقية الخصال يمكن تطويرها بالاجتهاد.. حتى العقل يمكن تدريبه وتطويره. النقود يمكن كسبها. أما الجمال فهو الخصلة الوحيدة التي لا يستطيع الإنسان كسبها.

اعترض الثاني:

نحن اليوم في القرن الحادي والعشرين. الجمال لم يعد خصلة يحصل عليها الإنسان بالوراثة فقط. اليوم يجْرون عمليات تجميل. يقصّرون الأنف. ينفخون الشفتين. يكبّرون الصدر.. أما الحكمة.. فهي موهبة.. لا يمكن ان تكتسب الا اذا كانت جينات الإنسان تحملها منذ الولادة.

نفى الثالث ما قاله زميلاه:

حديثكما لا علاقة له بالواقع.. كل شيء اليوم له ثمن.. الحكمة أيضاً لها ثمن. الحكمة صارت مثل عمليات التجميل، يمكن أن يحصل عليها الإنسان اذا امتلأت جيوبه بالمال. حتى الغبي يصبح رأس الحكمة اذا كان غنياً.. وتصبح أقواله حكَماً تذكر بمناسبة وبلا مناسبة. تجدون حوله المصفقين والحمالين والرقاصين.

احتد النقاش بين الزملاء الفلاسفة. وفشل الأساتذة في الوصول الى موقف موحد. وعزوا ذلك الى النظام الليبرالي الحر والديمقراطية غير المحدودة. وتطور الفكر وحق التعددية…

غادروا الجامعة كلٌّ بسيارته.

في الطريق أبرقت السماء بشدة وظهر لكل أستاذ فلسفة من المتحاورين ملاك مرسل من رب العالمين.

سؤل الأستاذ محبِّذ الجمال، ماذا تختار من بين ثلاثة أشياء: الحكمة، الجمال أو عشرة ملايين دولار؟

بعد تردد اختار الحكمة، متنازلاً عن الجمال… الذي يصرّ عادة انها الخصلة الأفضل.

سألوا الثاني الذي يحبّذ المال، فاعتركت الأفكار برأسه، وبعد تردد صعب اختار الحكمة، لعلها الضمانة لمكانته وهي أهم من المال الذي قد يختفي فجأة كما جاء فجأة.

سألوا الثالث، الذي رأي بالحكمة الخصلة الأفضل فقال بلا تردد انه يختار الحكمة متنازلاً عن المال الذي يمكن ان يجعل الأغبياء حكماء أيضاً.

في فجر اليوم التالي التقوا في غرفة التدريس. كان يبدو عليهم الندم.

بعد فترة صمت كسر أحدهم الصمت متحدثاً عن البرق في السماء وظهور ملاك الرب مخيراً إياه أن يختار إحدى الخصال الثلاثة.. فاختار الحكمة متنازلاً عن موقفه السابق.

وهذا حدث لي”. قال الثاني.. “وقد اخترت الحكمة أيضا متنازلاً عن مواقفي السابقة”.

وحدث لي”. قال الثالث، وأضاف: “كنت مقتنعاً مسبقاً أن الحكمة هي الخصلة المطلوبة. وقد اخترتها”.

قال أحدهم:” الآن أصبحت لدينا الحكمة لو خُيِّرنا الآن، ونحن نملك الحكمة…. ماذا نختار ونحن أكثر حكمة؟

صمت الزميلان ولم ينبسا ببنت شفة.

اقترح أحدهم: كلنا اخترنا الحكمة، ولا شك أنها هبة عظيمة، لا زيادة فيها لأحد على أحد. تعالوا نستغل حكمتنا الكبيرة ونختار من جديد. كل واحد يكتب على ورقة خياره لو ظهر له الملاك سائلاً مرة أخرى ان يختار بين الحكمة والجمال والعشرة ملايين دولار.

وهذا ما كان. سجل كل فيلسوف منهم خياره الجديد.

وعندما فتحوا الأوراق كان هناك نص جواب مشابه للفلاسفة الثلاثة: سأختار العشرة ملايين دولار!!

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here