العراق من الخلاص من الدكتاتورية الى الوقوع في جحيم المحاصصة!

علاء كرم الله

الدكتاتورية كمفهوم تعني خنق الحريات والأستبداد بالسلطة وما يرافق ذلك من قمع لأية توجهات سياسية وفكرية لا تتوائم مع سلطة ونهج الحاكم الدكتاتوري وكذلك لا تؤمن الدكتاتورية بتداول السلطة سلميا عبر صناديق الأقتراع وبالتالي فهي نقيض الديمقراطية والحرية. وبالوقت الذي تنعم فيه الكثير من شعوب العالم بالعيش في ظلال الديمقراطية والحرية فلا زالت هناك شعوب ترزح تحت نير الأنظمة الدكتاتورية. ولو عدنا نحن العرب المسلمين بتاريخنا الى الوراء لوجدنا أن الديمقراطية في العالم العربي الأسلامي أنتهت بأنتهاء الخلافة الراشدية وتحديدا بأستشهاد الأمام (علي) عليه أفضل السلام حيث آلت الخلافة الى الدولة الأموية ثم الى الدولة العباسية الذين جعلوا الحكم وراثيا هرقليا غاشما. وأستمرت الدول والحكومات على هذا النهج حتى سقوط الدولة العثمانية. والعراق كونه واحدا من تلك البلدان العربية الأسلامية عانى طويلا من تسلط الأنظمة والحكومات عليه من ملكية الى جمهورية منذ بداية تأسيس الدولة العراقية عام 1921 ولحين سقوط النظام السابق عام 2003 على أيدي القوات الأمريكية. وبقدر ما كانت فرحة العراقيين كبيرة بخلاصهم من النظام الدكتاتوري السابق لصدام والبعث الذي حكم العراق (35) سنة والذي يعد واحد من أقسى الأنظمة الدكتاتورية في العالم .ومع ذلك فأن غالبية العراقيين لم يكونوا يأملون ويرغبون أن يكون الأحتلال الأمريكي بديلا عن دكتاتورية النظام السابق؟!. وفي هذا السياق لا بد من الأشارة الى ما ذكره بعض السياسيين من قادة الأحزاب السياسية (الأستاذ محمود عثمان القيادي الكوردي المعروف وكذلك القيادي الأسلامي أبراهيم بحر العلوم) بعد رحيل الحاكم المدني السابق للعراق السيء الذكر (بول بريمر) بأنه كان أكثر دكتاتورية من صدام نفسه!في تعامله مع جميع السياسيين وقادة الأحزاب السياسية!!؟. وهنا لا بد من الأشارة بأنه لم يكن سقوط النظام السابق من قبل القوات الأمريكية هو محبة وأكراما لعيون العراقيين بل كان لأسباب ودوافع أقليمية ودولية لا تخلو من أطماع واضحة للأمريكان وهذا ما لمسه العراقيين من خلال السنوات المنصرمة. للأسف لقد كانت صدمة العراقيين كبيرة من تحقيق حلم الديمقراطية الذي طالما داعبت مخيلتهم! حيث أنهم لم يكونوا يتوقعون بأن صناديق الأقتراع التي ذهبوا أليها وكم خاطروا بحياتهم من اجل أن يدلوا بأصواتهم فيها وخاصة في الأنتخابات الأولى التي خاضها العراقيين تحت تهديدات تنظيمات القاعدة! حولت تلك الصناديق أحلامهم الوردية في العيش تحت ظلال الديمقراطية الى خيبة كبيرة عندما جاءت لهم بالمحاصصة السياسية والطائفية والقومية حسب أرادات الأحزاب المشاركة بالعملية السياسية بعد أن خرجوا للعراقيين بكذبة كبيرة وبتسمية جديدة وغريبة للحكم وهو (الديمقراطية التوافقية)!!، وما هي في الحقيقة الا تبرير وتغطية للمحاصصة السياسية والطائفية والقومية التي أتفقوا عليها! والتي جرت البلاد الى كل هذا الضياع والدمار والخيبات، من ضعف الحكومة وعدم أمكانيتها في بسط سلطتها على أصغر محافظة وأبسط قرية وغياب المركزية والسيطرة وأنفلات الوضع الأمني وضياع القانون وأستشراء الفساد في كل مفاصل الدولة ومرافقها. وما أحداث القتال بين العشائر في البصرة والسماوة والديوانية والذي يقع بين الحين والآخر ألا دليل على ذلك الضعف وعدم هيبة الحكومة المركزية برئاساتها الثلاثة!. أما أقليم كوردستان فهو خارج سلطة الحكومة أصلا وحتى قبل سقوط النظام السابق!. فالمحاصصة وما أفرزته من أمور كارثية شملت جميع أمور الحياة كان ضررها أكثر بكثير من ضرر الديكتاتورية! حتى أن الكثير من العراقيين باتوا يقارنون بين دكتاورية الأمس ومحاصصة اليوم، وخرجوا بقناعة بأفضلية الأولى على الثانية!. ويبدوا أن هذا هو قدر العراقيين فما أن تخلصوا من نظام دكتاوري حتى وقعوا في براثن أسوء نظام سياسي يعتمد المحاصصة أساسا لأدارة شؤون البلاد. وعلى الرغم من كثرة أنتقاد وتصريحات قادة الأحزاب والكتل السياسية للمحاصصة بأعتبارها السبب الرئيسي فيما آلت أليه أمور البلاد من خراب ودمار شمل كل مفاصل الحياة ألا أنهم في حقيقة الأمر متمسكون بها ويستقتلون من أجلها!، ويبدوا واضحا أن المحاصصة السياسية والطائفية والقومية ستبقى قاعدة ثابتة في العملية السياسية وفي آلية الحكم في العراق في حال بقاء نفس هذه الأحزاب التي تصدرت المشهد السياسي في العراق من بعد سقوط النظام السابق ولحد الآن ،وكذلك في حال عدم هبوب رياح التغيير الأمريكية على عموم الوضع في العراق والتي ينذر ويتوقع هبوبها منذ تسلم الرئيس الأمريكي (ترامب) الحكم في أمريكا!!. وهذا يعني ان بقاء الوضع في العراق بلا أية تغيير يعني أستمرار حالة الخراب والدمار والفساد بكل صوره وأشكاله!. عند ذلك سيتمنى غالبية العراقيين العودة الى الأنظمة الديكتاتورية باعتبارها أهون الشرين!؟ رغم سيئاتها وشرورها ولكونها أهون بكثير كما يرى غالبية العراقيين من نظام المحاصصة السياسية والطائفية والقومية الذي مزق البنية الأجتماعية والدينية والقومية في العراق وأوصله الى حافة التقسيم!. وكما قيل أن بعض الشر أهون والعاقل يعرف أهون الشرين. ولا حول ولا قوة ألا بالله العلي العظيم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here