قراءة انطباعية في رواية ” المنسي ” للكاتب الفلسطيني غريب عسقلاني

ما قاله الغريب عن المنسي

قراءة انطباعية في رواية  ” المنسي ” للكاتب  الفلسطيني غريب عسقلاني ..

سامح عوده – فلسطين

توطئة ..

الروائي الفلسطيني إبراهيم عبد الجبار الزنط, والذي اعتمد الاسم الأدبي” غريب عسقلاني” منذ بدأ نشر أعماله القصصية والروائية من مطلع سبعينيات القرن المنصرم, تخفيا من ملاحقة الرقيب الصهيوني الذي طارده وجيله من الكتاب الرازحين تحت نير الاحتلال بعد نكسة العرب في العام 1967, هذا الروائي الذي طرد رضيعا من مسقط رأسه مدينة مجدل عسقلان إلى مخيمات اللجوء في قطاع غزة, وما زال العسقلاني المغرب قسرا, هدفه وحلمه العودة إلى منابعه الأولى وفض العلاقة بين واقع استثنائي وحلم بدولة مستقلة.

على ضفاف المنسي

 صدر عن دار كل شيء  في مدينة حيفا، هذا العام رواية غريب عسقلاني بعنوان ” المنسي ”  وتقع الرواية في ( 160 ) صفحة من القطع المتوسط، والمنسي رواية تختلف عن باقي روايات الكاتب، لا تعتمد على حبكة واحدة على غرار النمط الروائي السائد، بل اعتمد الكاتب  فيها على عدة حبكات كل حبكة تختلف عن الحبكة الأخرى ولكنها  تكملها وتؤدي الغرض نفسه، هذا الأمر لا يبدو سهلا، ربما خبرة العسقلاني الإبداعية والتي تقارب نصف قرن جعلته متمرساً، يكتبُ بأسلوب مختلف في كل عمل أدبي جديد.

  ورواية المنسي تعتمد على اللغة ” بجمالياتها المتعددة, والفكرة  التي تتنقل بالقارئ إلى الحبكة الأساسية وهي الخروج من الإطار التقليدي بحبكات متعددة مختلفة في المضمون متفقة في الهدف، وهي أيضاً تجربة فيها عودة للقضية الفلسطينية من خلال شخصية البطل، وربط ذلك بما يجري في المحيط العربي وتداعيات ذلك على نمط الحياة برمته. بما في ذلك من الاغتراب السياسي والثقافي.

شعرية اللغة وجمالياتها من خلال الشعر ميزها من أعماله القصصية والروائية؛ فحاول من خلالها تقديم عمل أدبي حداثي على مستوى الحدث والبنية الروائية.

على حواف النص :

المنسي هو الفلسطيني الذي غادر مسقط رأسه لاجئاً إلى داخل وطنه في قطاع غزة، يعود إلى حكاية تغريبه الفلسطيني، بالتراسل الوجداني مع ظله ” رضاب الخزامي” المقيمة في مدينة سوسة في تونس الشقيق، عبر الهاتف تارة, وعبر شاشات التواصل الاجتماعي تارة أخرى، ومن خلال هذه الحالة فهما يلامسان حالة التشظي والارتباك الذي طال الوعي العربي وأخذ الإنسان العربي إلى غيبوبة معرفية ظهرت مع انفجار الربيع العربي الذي يصفه ” بالمخادع والمفاجئ ”  ما وضع النخب الفكرية أمام مراجعة شاملة لمفاهيم الثورة والاستبداد، وانفلات المعايير والسلفية التي بدأت تتمدد في المجتمعات العربية .

تتمرد الرواية على البنية التقليدية باتخاذها لأشكال فنية حداثية كالأسطورة والحكاية المستندة إلى مفردات الواقع، والعمل على توليف ظفيرة روائية باستلهام حكايات الماضي واختبار أسئلة الحرية في مجتمع مكبل بإرث عبودية مقيمة رغم خداع القوانين البراقة التي تصب روافدها في تسلط الحاكم الفرد وبطانته الطاغية.

أما عن أمكنة الرواية وأزمنتها وشخوصها فهم حقيقيون، والأحداث مهما بدت غرابتها قد حدثت أو هي قابلة للحدوث إذا ما ردت إلى بؤر انطلاقها.

توظف الرواية لغة فرضتها أجواء القصص، لتقطير الموروث الفكري الجمعي للمجتمعات العربية في بلاد المشرق والمغرب، من خلال كاتب فلسطيني يبحث عن وطنه وإعلامية تونسية متمردة على واقعها مع زوج أقصر من طموحها.

الفضاء الروائي يمتد في الجغرافيا والموروث والعادات والتقاليد، وقوانين تحرير الرجل والمرأة، ويكشف عن القلق والخلل والأسئلة المعلقة عند السؤال والبحث عن اليقين.

تبدأ الرواية بخاطرة شعرية تطرح أسئلة متعددة فيها الحزن والشوق والدهشة والقفز إلى عالم شاعري تظنه دربا من الخيال في محاولات للوصول إلى الفنتازيا التي أرادها الكاتب.

وتضم الرواية عدة عناوين لحالات متصلة تبدأ :

الصيام عن الشهوات

يصف البطلة أنها كإنسانة متميزة, حالمة متمردة على واقعها تطمح في تحقيق ذاتها من خلال علاقتها بأبيها وأمها وأسرتها الفقيرة.

البحث عن ظلِّ الظل

ويستمر الكاتب بأسلوبه العذب، مستحضراً بستان اللغة, يصف فيها متابعة البطلة له والتي كانت تتابع كتاباته، وكيف تعرفت على الكاتب بعد أن تابعته وقرأت معظم كتاباته الأثيرية

بين عتمتين وضوء

بين عتمتين وضوء؛ ليلتان ونهار تبدل المواعيد واختلافها، إذ صارت تحدد اللقاءات وهي إشارة ترميز، وإيحاءات لغوية تناسب سرد الأحداث.

بين أزرقين

وفي هذا الجزء تطغى الفنتازيا, ويستخدم الكاتب استعارات اللغة ومضامين الكلام, يصف الصراع الذي تعيشه البطلة أثناء حالة الانفصال، والمعركة الأهم هي احتضان الأبناء، وكيف استماتت في الدفاع عن حقها في أمومة الأبناء, ما حول تلك المرأة الرقيقة إلى لبؤة بددت طموح الزوج في أخذ الأبناء عنوة، في ظل هذه الأجواء المشحونة تتعرف بالكاتب الذي  هو بطل الرواية, فيعود الغريب إلى لغته الشاعرية المعتادة لتصل حروفها وجه السماء الأزرق فتهبط إلى سطح الماء كامل الزرقة، الأزرق الذي تعشقه البطلة.

من فصيلة النعناع

في هذا القسم من الرواية يلجأ الكاتب إلى الأسطورة والفنتازيا المشوقة والعاطفة والخيال الممزوج بترياق المشاعر، يشابه بين النعناع الذي يعشقه والخزامي الذي سماه باسمها ويخوض في جدلية راقية في وصف روحها الخضراء والتي تتجدد كنبتة النعناع كلما قُطف منها غصن ظهر الغصن الآخر يافعاً أخضر، حوار شاعري على طريقة قارئة الكف التي تقرأ المستقبل، مع تبدل الأمكنة بين بلد الكاتب المحاصر وبلد البطلة المثخن بالجراح، مع توصيف الحالة السياسية، وشخصية اللاجئ التي بدأت تظهر في هذا الجزء.  

العبور من كوة الوقت :

يكمل هذا الجزء من الرواية الباب السابق ويمهد للقادم من الرواية, باستخدام عامل الزمان وهو ما أبدع به حينما يعود إلى شخصيته الأساسية “غريب” وبين الشخصية الافتراضية في الرواية “المنسي”, وهنا يستخدم الحوار في تواصله مع البطلة القارئة للأدب ولديها علم ودراية بعوالم القصة الأسطورية، ربما لم يصرح به الغريب جهراً إلا من خلال استحضار بعض الصور الأدبية، وهنا كان لا بد من سؤال:

هل بدأ الكاتب باستخدام عباءة التصوف؟

أم ذهب إلى ما وراء الطبيعة في عالم متافيزيقي؟

أرى انه مزج بين الأسلوبين بهدف تشويق القارئ أكثر.

( وغرقت في نوم لذيذ لم يزرني منذ عمر, كانت رضاب تشاغلني, تغلق عيني كلما صحوت فأعود إلى الوسن, تقرأ حول رأسي شيئا من تعاويذها, تسحبني إلى عبق البخور, تقلبتُ بين النوم والصحو حتى رشق سهم الفجر وسادتي, فنهضت مثل مهر رضع حتى ثمالة الشبع, وبدأت يومي انتظر)

هنا يبدو النمط الأقرب إلى الأدب الصوفي غير المعلن، وفي الجزء نفسه وبعد عدة أسطر يقول الكاتب.

(حَدثتني, أن جِّنية البحر الساكنة منذ الأزل بين انعطاف موجة وانثناء موجة, تغادر موقعها مرة كل عام, تمتطي زوبعة تباشير الخريف, وأن الزوبعة دخلت هذا الصباح ياسمينة حديقة رجل كان يحتسي القهوة من فنجانين على التناوب)

هذا يؤكد ما تقدم حول شخصية البطلة المثيرة للجدل، وأسلوب الكاتب في اللجوء إلى عامل الوقت الذي هو أحد عناصر الرواية الذي جسده في عنوان هذا الفصل.

اعترافات المنسي بن زمن

في هذا الفصل المقسم إلى أحد عشر عنواناً يرسم الغريب سلماً موسيقياً، محددا بين خطين متوازيين كلما ارتفع بذخ العزف إلى الأعلى وامتد اللحن المكون بين ظلين يلتقيان ويتعانقان لكنهما لا يتوحدان.  

بلاغات رضاب الخزامي

خمس بلاغات للبطلة تفصح عن شخصيتها وكيف تعرفت على صاحبها وفي هذه البلاغات تأخذ البطلة دور المشارك في كتابة الرواية.

 في البلاغ الثاني وصف الحالة التي تعيشها المجتمعات العربية في إطار فوضى الإعلام وفوضى الحرية التي أدت إلى حالة من عدم وضوح الرؤيا، وأصابت البعض بالإحباط، وهذا ما يتوافق الكاتب والبطلة عليه، من خلال وصف لنمط العلاقات التي تحكم عوالمهم، وفي البلاغ الثالث يتضحُ الأمر أكثر، حينما يسهب في تحليل واقعه في غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي وما حل به بعد النكبة التي غيرت مجرى حياته، وفي البلاغ الرابع يتنقل الكاتب بين غزة وسوسة في تونس وآليات التواصل بينهما مع فارق الوقت الذي أدى إلى ترسيخ العلاقة بين الكاتب والبطلة .

و البلاغ الخامس يوظف الكاتب اللغة الشعرية ذات النمط الموسيقي لاستحضار البطلة في تفاصيل الوقت وملازمتها له معظم الوقت استحضار بعض الأقسام من العناوين السابقة في الرواية .

بقايا رائحة :

يعود الكاتب إلى الواقعية ويدور حول أسئلة طرحت في قصيدة مفتتح الرواية, وتتطرق إلى أنماط العلاقة في بداية الرواية بين الرجل والمرأة في المجتمعات العربية، وأن ما يشاع من تحرر وانفتاح هو فخ، فالرجل هو من يحدد بداية اللعبة ونهايتها, (هل أدركتِ يا امرأة، أن الرجلَ من يقررُ شروطَ اللعبةِ في البداية والمنتهى).

ويصف السرد شخصية البطلة التي لا تقبل سلب حريتها, وتسعى لانتزاع حريتها وحرية النساء.

( تسير في الشوارع تقرأُ انتصاراتها في عيونِ الناس دهشةً واحتراما, وتعود للحيّ فترى في العيون الرفض لدرجة الاستنكار) وتقرر الخلاص من إرث الماضي والانفصال عن زواج أرقها طويلاً ( ونهضت من فورها تنظِّف الشقةَ, تغيُّر ترتيبَ الأثاث, وتقتفي بقايا رائحة قد تكون عالقةً في الزوايا

 

تفريغ الكائن :

يعود الكاتب إلى الهذيان إلى الشاعرية والغوص في عالم الأبراج، يكتبُ عن تلك المرأة البعيدة القريبة التي تفصل بينه وبينها مسافات، التي صارت جزءاً من عالمه، ودخلت تفاصيل وقته, (لم تفارقيني اليوم, كنتِ ترقصين على بُعد رفةٍ من رمشي, وعلى بعد شهقة من شفتيَّ.. صوتُك يعبرني يأخذني مني وينفلتُ بعيدا حيث أنتِ, تأخذيني بين شفتيكِ كرزة حامضة أو ثمرة عنب معبأة بنبيذ لا يخون).

ميلاد آخر :

يهبط السرد إلى أرض الواقع, يصف البطلة التي تعيش ظروفاً استثنائية بعد أن  نالت حريتها وأصبحت مطلقة، وضحت من أجل أبنائها ” نور ووديع “، تشق طريقها في مجتمع شرقي له معاييره للمرأة المطلقة .  

الطبق الطائر :

يدخل الغريب في توصيف الحالة في ظل الربيع العربي الذي دخل عدداً من الدول العربية، وما رافقه لغط سياسي ولغط إعلامي، وفوضى وتراشق، وموقف للنظام الرسمي الذي يرى في أي حركة تصحيحية ارتباطها بجهات غربية، ويسهب في وصف حالة الإرباك الذي أصاب النظام العربي ( اجتمعت الحكومةُ برئاسة الوزير الأول, لمناقشةِ إشاعة الطبق الطائر وتداعياتهِ المتوقعة, والإيعازُ لقوى الأمن تولي مهمة البحث في الأمر, وتقديم تقريرٍ خلال ساعات خشية اندلاع ثورة في البلاد)

 طائر الوعد :

يستحضر الكاتب الشخصيتين اللتين بدأ بهما الرواية ” الغريب، والمنسي” الغريب اللاجئ الذي يعيش على ذكريات ” عسقلان ” البلدة التي هجر منها، ويستخدم ” الأسطورة في وصف حالته من خلال استحضار روح والده وجده اللذين يعرفان عسقلان أكثر منه، يستخدم الذاكرة المحكية بطريقة مشوقة، ويدخل مباشرة إلى عوالم رضاب – البطلة – التي صار جزءاً من عالمها، فيدخل إلى محيط الأسرة من خلال شخصية نور الابنة التي تعجب بشخصه. 

أكبر من الدهشة :

الصورة الإبداعية التي أظهر الكاتب بها البطلة, جعلها تعيش حالة من التخبط بفعل ذلك المنسي الذي دخل حياتها فجأة، تعلقت به تعلقَ الماء بالأرض، وأصبحت شمسها لا تشرقُ إلا في حضرته، والدها صاحب الخبرة الواسعة والحكمة أدرك ما تعيشه، لهذا فإنها تصر على عدم البوح له بشيء وتستمر في قراءة أدب الغريب الذي أصبحت هي جزء منه.

من أخبار البحر:

يكتبُ الغريب عن أساطير البحر، وعن رضاب الخزامي في تونس التي اجتاحها الربيع العربي، فتعيش الخوف على حبيب محاصر في غزة، وخوفها على ابنها وديع الذي يشارك في الحراك التونسي.  

ما بعد المكان :

صورة أخرى من الاغتراب وتغيير الأماكن يكون في القاهرة في زيارة لابنته الطالبة الجامعية,  وفي مهمة تذهب رضاب إلى تونس العاصمة تغطي مؤتمرا نسويا تحضره السيدة الأولى, تتغير عليهما الأمكنة، يشعران بالفقد فيشد الرحال إلى الاسكندرية حيث البحر الممتد بينهما والهاتف الذي يجمعهما كلما عصف بهما الشوق والقلق.

مكابدات من الدهشة:

يدخل الكاتب سراديب الدهشة وهو يحدث البطلة التي تعلق بها أكثر مما كان يتوقع، كانت خيالاً بعيداً فأصبحت ظلاً قريباً، تفتحُ شهية الكلام وتبوح بألمها ووجعها وعشقها، تؤرقها نظرات الرجال تلاحقها بشهوة كامرأة مطلقة مباحة، فتلوذ بالمنسي

في الوقت التي كانت تنتظر مساندتهم والانتصار لحريتها, لم تتمنَّ أن يعجبوا بفكرها قبل أن يغريهم جسدها، ويدخلُ إلى أعماق نفسها واصفاً حالتها، وما اعتراها من تعب في هذا المسير، وما أحدثه المنسي في حياتها، الذي كسر أصفاد العزلة من حولها، ونقلها إلى عوالم الأمان التي افتقدتها عاطفياً وسياسياً, ولكن تؤرقها علاقتها مع وديع ابنها الذي انحاز إليها وقت الطلاق، ويرفض وجود شخص آخر في حياتها. 

فصل جديد :

تدخلُ تونس زمن الأقحوان والقرنفل، تعج الشوارع بالمتظاهرين، ويحرق ” بوعزيز ” نفسه ويتحول إلى عاصفة تقلبُ كل شيء، يستحضرُ المنسي شخصية الطفل محمد الدرة الذي قتله الاحتلال الإسرائيلي ظلماً، فأصبح رمزاً لمواجهة الظلم، حيثُ يلجأ الكاتب إلى مقارنة الدرة بِ بوعزيز الكهل الذي أشعل شرارة الثورة في بلد كان ينعم بالهدوء نسبياً، ينتاب المنسي القلق على رضاب، ويدخل والحزن على تونس الياسمين من تسلل الأصولية إلى ثورتها ويزيد قلقا بعد تفاعل رضاب ونجلها وديع الذي أخذ يتفاعلُ مع الأحداث، يستمع إلى وصايا المنسي الذي عاش سنوات طويلة تحت القهر والظلم .

هذيان :

تنتاب المنسي حالة من الحزن وتشتعل نار القلق بداخله، بعد ما حدث في تونس وامتد الأمر إلى القاهرة التي تربطه بها علاقة من نوع آخر يشعل فتيل الهذيان، ويمتطي جياد الشوق التي تنقله من غزة إلى تونس إلى القاهرة، يبحرُ على مهلٍ في عالم الهذيان، ويقطرُ حروفه بعطر الخزامي، ويترك العنان لدندنات قلبه تعزف لحنها الأخير، لعينين اتكأ عليهما عمراً وقلبٍ ملأه الشوق بين وحدة المتناغمات قسراً.

والمتألقات شوقاً..

والمتعارضات قبل الوصول!

خلاصة :

قرأتُ لغريب عسقلاني عدداً من الأعمال الأدبية والروائية، لكنني وجدته في هذا العمل مختلفاً عما قرأت، شكل الرواية ومضمونها ، والصور الشعرية والبلاغية التي استوحاها، مدخلاً إياها في بنية الرواية، جعلت منها نمطاً روائياً غير تقليدي، ربما سعى العسقلاني بخبرته إلى الخرج من قيود الرواية التقليدية إلى فضاء الرواية الأوسع، مع الحفاظ على الأصالة التي آمن بها، وجسدها فكراً وممارسة، ولم يهمل واقعه المعاش ولا حالة اللجوء التي ارتبط بها، حاول بالفنتازيا والأسطورة ولغته الشاعرية أن يكتب بشكل مختلف يجمع بين الرومانسية والواقعية عند التعاطي مع الأحداث.

أعترف بأنني وجدت صعوبة في قراءة الرواية ربما لأنني دخلت إلى أعماقها سطراً سطراً، قرأت وقرأت، وعدت إليها مرات ومرات، استغرقت وقتاً نعم لكنها أضافت شيئاً كنت أبحث عنه، حالة من الشغب الأدبي الممزوج بلمسة ناعمة تسحبك عنوة من فضائك الضيق إلى فضاء اللغة الشعرية الرحب، وأستطيع أن أقول بأن رواية بهذا الشكل فيها كل هذه الجماليات ويمكن أن تكون جديرة بأخذ مكانها اللائق في سجل الرواية الفلسطينية والعربية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here