الثورة مفتاح الفرج الجزء الثاني

غيبوبة الشعب !!

علّمتنا دروس التاريخ الأنساني بأن ثمة صفات وميزات تضع الشعوب في مستويات مختلفة من التطور الحضاري، حيث ان الأنتاج الحضاري يتناسب طرديا مع درجة التحضر والعكس صحيح.

يذهب بعض المتخصصين في دراسة السلوك الجمعي للمجتمعات الإنسانية الى ان العوامل البيئية المحيطة تتحكم بشكل كبير بدرجة التطور الحضاري ، ويربط البعض الآخر درجة التطور بالخصائص الوراثية (للقومية)، وثالث يجعل من التناقض (الصراع)بين قوى الأنتاج وعلاقات الأنتاج هو المحرك الأساس الذي يحدد مستوى التطور الحضاري للمجتمع (النظرية الماركسية) وهنالك العديد من النظريات التي تحاول معرفة العناصر المحركة للحضارة، منهم من يجعل الدين والغيبيات هي المحرك الوحيد التي تتحكم بدرجة التطور.

اعتقد بأن جميع العوامل المذكورة اعلاه وغيرها تتشكل بدرجات متفاوتة في كل حيز زمني محدد لتعكس الناتج الحضاري النهائي لهذه الأمة او تلك.

سوف لن اخوض في النظريات ابعد من ذلك، ولكنني سأكتفي بوصف حالة المجتمع العراقي في الظرف الراهن بهدف معرفة العناصر المحركة للسلوك الجمعي وفهم المستوى الحضاري الذي يقع مجتمعنا فيه، وعلى الرغم من مرارة الأمر وقساوته فلابد من قول الحقيقة.

يتصف المجتمع العراقي الآن بصفات وتناقضات يصعب الجمع بينها بل وقد يستحيل احيانا، وربما يعجز التاريخ عن مقارنتها بما سلف من مجتمعات! لهذا فأن المسؤولية الوطنية والأخلاقية تُلزمنا معرفة اسباب التردي الحضاري الذي وصل اليه المجتمع العراقي، فمن هنا تبرز اهمية أن يتبنى المتخصصين الخبراء في الشؤون الأجتماعية والأقتصادية والسياسية وغيرهم دراسة وتفكيك جميع مظاهر السلوك الفردي والجمعي التي ترافق حياتنا بمجملها.

يتصف معظم الشعب العراقي بما يلي :

1- يَعتبر العراقيّون انفسهم بأنهم شعب متديّن! ، لكن النسبة الأكبر منهم يتقنون فن تمثيل التدين و يحسنون التحايل على ثوابت الدين !! وقد لايكلفنا اثبات هذا الأمر عناء كبير خصوصا لو علمنا بأن الدين يحرم تلك الظواهر ، فالغش صار يقترن بمعظم المعاملات الحياتية، والقسم (الحلف) بصحة مالايصح، سوء الخلق في التعامل مع الآخرين، الأغتياب، مخالفة العهود والمواثيق، سرقة اموال وجهد الآخرين وأستساغة اكل المال الحرام، فالموظف الذي لايؤدي واجبه الوظيفي كما ينبغي ويماطل ويسوف في اوقات العمل فهو سارق، والعامل الذي يترك عمله من اجل ان يدخن او يصلي أثناء وقت عمله فهو سارق، المعلم الذي يقصر في تعليم الطلبة من اجل الدروس الخصوصية فهو لص خائن لمهنته وشرفه الوطني، والموظف او المدرس الذي يقبل أيةَ هدية من المراجعين او من الطلبة فهو سارق ومحتال حيث لاينبغي الحصول على اية منفعة اضافية عن عمل مدفوع الأجر، التزوير، الرشوة ( الراشي والمرتشي)، التجاوز على الأملاك العامة ومخالفة القانون منها استغلال الأرصفة، انتشار الظلم والقسوة تحت اسم الفصل العشائري، هذا والقائمة ستطول حد انقطاع النفس!!!

أوليس ذلك صحيحا يا متدينين؟؟

2- يبدو أن الشعب العراقي قد استحسن بل وعشق حالة النوم العمیق والأحلام الوردية المسكونة بالعقم الأدراكي، فلم يعد العراقي يميّز بين الحرية والفوضى فالحريةالتي جاء بها الأحتلال الأمريكي تمخضت عنها حالات تقاتل دامٍ وفوضى رافقت مسرحيةاعادة ترتيب وترميم الحياة السياسية والإجتماعية والأقتصادية للشعب العراقي! فتحولت تلك الحرية إلى إنفلاتٍ وسقوط شاملين يُديرهما المحتل عِبرَ أَدواته وواجهاتِه من الأحزاب المافيوية التى تقاسمت الحكم والأمتيازات السلطوية ! وبقي العراقي منهمكا بترقيع حياته اليومية بمفاهيم الديمقراطية المزيفة دونما يعلم بما يجري من حوله!!.

3- استفحلت العشائر وتورّم شأنها تورما خبيثا إلتهم ما تبقّى من معالم الدولة وقوانينها وحل محل الدين ونواميسه !! وأجهض الولاء للعشيرة والطائفة ماتبقى من مفاهيم الأنتماء الوطني والمسؤوليات الأخلاقية تجاه الوطن والمجتمع.

4- صدّق العراقي كذبة العراق العظيمالتي افتراها حكامه !! ونسي العراقي او تناسى بأن الشعب الذي لاينتج مستلزماته الحياتية لايمكن ان يكون بلده عظيما وخصوصا وهو في حالة سقوط حر، فقد اصبحنا نستجدي الماء من الكويت والسعودية (الذي ربما يكون ملوثا بأخطر انواع الجراثيم) ،فمتى انتجت الفوضى والعجز شعبا عظيما لكي يكون البلد عظيما!؟

5- لم يرتقي إدراك الشعب الى مستوى فهم اهداف المحتل الأمريكي الذي يسعى الى اخضاع العراقيين وابتزاز ثرواتهم وجعلهم ادوات لخدمة مصالح الكيان الصهيوني، وأستساغة كل ما أتى به الأمريكان من قيم ومفاهيم بزعم ان تلك هي قيم التحضر والأزدهار !.

6- أصبح العراقيون يمضغون لحم اجسادهم ويتجرعون نخب كؤوس دمائهم بــصحة أَمريكا وإسرائيلويَتَيممونَ كل صعيد خبيث من أَجل ارضاء اعدائهم من حكام دول الجوار تحت شعارات الدفاع عن القوميه أو المذهب فكانت النتيجة هي : إستباحة مطلقة للبلاد والعباد وعموم الفوضى والخراب حتى صار مشهد القتل والتفجير اليومي حالة مألوفة، والتناحر على اساس طائفي يتخذ اشكالا متعددة مع ان الجميع يعلم بان الخاسر الأكبر هو الشعب العراقي كله!!

بقي لنا ان نتسائل : هل ثمة امل في اصلاح هذه الأمة ووضعها على جادة البناء والعطاء الحضاري والأستقلال ؟؟

هل سيدرك العراقيون بان ما حل بهم من دمار وظلم هم يتحملون مسؤوليته بالدرجة الأولى؟

هل سيفكر العراقيون بكيفية جعل امريكا تدفع ثمن جرائمها التي ارتكبتها في العراق ولازالت؟

هل كُتب القتال على العراقيين منذ ان بدأت الخليقة الى آخر يوم في التاريخ؟؟

المهندس: عبد الحسن محمد صادق آل جبارة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here