تجربة يسارية جديرة بالتأمل

عبدالمطلب عبدالواحد
تأسس حزب القائمة الموحدة ـ تحاف الحمر والخضر في الدنمارك، كتحالف انتخابي في عام 1989، وكان وراء فكرة هذا التحالف الحزب الشيوعي الدنماركي، الذي لم يستطع الوصول الى البرلمان منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي، وفي اواخر الثمانينات خسر اليسار الدنماركي ايضا تمثيله في البرلمان بخروج حزب اشتراكيي اليسار في انتخابات 1987. الفشل الانتخابي وعموم الوضع في الحركة الشيوعية آنذاك، دفع العديد من قادة الحزبين (الشيوعي واشتراكيي اليسار)، للتباحث حول امكانية التعاون، ولم تحصل هذه الفكرة على الاغلبية في صفوف الحزبين آنئذ، ولكن بعد فشلهما  في اجتياز عتبة البرلمان عام 1988، تمكن الفريق الداعي الى التعاون بين الحزبين من كسب الاكثرية على الصعيد الداخلي، لصالح العمل المشترك.
بعد سلسلة من المداولات بين اطراف اليسار، اتفق الحزب الشيوعي الدانماركي وحزب اشتراكيي اليسار وحزب العمال الاشتراكي، وحركة الخضر على تأسيس تحالف انتخابي، اطلق عليه (القائمة الموحدة)، ببرنامج يساري من اهم مفرداته، (النشاط البيئي الفعال، القطيعة مع التطور المنفلت لاقتصاد السوق، المشاركة الفعالة للدنمارك في النضال من اجل السلام، محاربة العنصرية ومعاداة الأجانب، المساواة بين المرأة والرجل، دعم وتعزيز العمل النقابي، الحقوق الاجتماعية والديمقراطية، ضمان العمل للجميع ، سياسة ضريبية عادلة عبر زيادة الضريبة على  الشركات والأغنياء، دعم التقاعد الشعبي للجميع، العمل لتحسين أداء القطاع العام، إسقاط الحكومة البرجوازية)، اضافة الى معارضة مشروع الوحدة الاوربية.
وبقيت الاحزاب الثلاثة تتمتع بتوجهاتها الفكرية الخاصة واستقلالها التنظيمي. وعلى الرغم من اشتداد حدة الصراع الداخلي والبلبلة الفكرية، في الحزب الشيوعي الدنماركي، وفي اوساط اليسار الاخرى في بداية تسعينات القرن الماضي، بسبب انهيار منظومة البلدان الاشتراكية، الا ان القائمة الموحدة حصلت على نسبة 1,7% من الاصوات في اول انتخابات خاضتها عام 1990، لم تمكنها من دخول البرلمان، غير ان هذه النتيجة، حققت تقدما طفيفا في منسوب المؤيدين لليسار، وقيمت في حينها ايجابيا.
في عام 1994 استطاعت القائمة الموحدة ان تحصد انتصارها البرلماني الاول بفوزها بنسبة 3,1%، والذي منحها 6 مقاعد برلمانية، ويعزى هذا الانتصار البرلماني الى نجاح الاحزاب اليسارية في ادامة وتطوير تحالفاتها من الناحية التنظيمية، وسياسيا في مقاومتها النشطة لمشروع الاتحاد الاوربي خلال عامي 1992ـ1993. وكان للقائمة الموحدة دورا متميزا في البرلمان في فترة حكومة الاشتراكيين الديمقراطيين (يسار الوسط) والراديكال، عبر التوصل معهم الى تشريع عدد من القوانين التي تمس الحاجات المباشرة للعمال والشغيلة واصحاب المداخيل الواطئة والعاطلين في المجتمع الدنماركي.
في عام 1995 انضم الى التعاون مع (القائمة الموحدة)، حزب العمل الشيوعي، ومع ذلك استمرت في نشاطها السياسي كواجهة برلمانية لاربعة احزاب متحالفة، و لكن في الاجتماع السنوي السابع للقائمة الموحدة في العام ذاته، توصل المجتمعون الى اعلانها منظمة مستقلة عن الاحزاب المكونة لها، ولها عضويتها الخاصة، فيما بقيت تلك الاحزاب تمارس نشاطها السياسي المستقل، ولكن (من دون الدخول بقوائم انتخابية خاصة بها)، باستثناء حزب اشتراكيي اليسار الذي حل نفسه لاحقا. وقد جاءت هذه الخطوة ثمرة لجهود كبيرة، جرى التمهيد لها في الاجتماع السنوي السادس في عام 1994، عندما اقر المجتمعون برنامجا سياسيا بديلا، يتضمن موضوعات الاشتراكية والبيئة والسلام  “احمرـ اخضر”، واثمرت هذه الخطوة عن تطور ملموس وكسب العديد من الاعضاء الجدد.
كان الاجتماع السنوي السابع 1995، مكرسا للامور التنظيمية، ودشن انطلاقة مرحلة جديدة، إذ تم الاتفاق على ان “القائمة الموحدة” في طريقها لان تصبح حزبا للنشطاء الاشتراكيين ـ حزب برلماني من نوع جديد، مجال عمله عموم الدنمارك، يحدد مواقفه السياسية من القضايا الداخلية والاوربية والدولية في اطار الهدف الاشتراكي العام، بالارتباط مع الاتفاق حول ما يجب الكفاح من اجله مرحليا وفي الزمن المحدد.
الخيار الاشتراكي للقائمة الموحدة لا ينطلق من مرجعية ايدولوجية محددة. اعضاء القائمة الموحدة يحق لهم الانضمام الى احزاب اشتراكية اخرى بشرط ان لا يترشحوا للبرلمان عن  تلك الاحزاب كمنافس محتمل للقائمة الموحدة. ولها هيئة قيادية على المستوى الوطني تنتخب سنويا، والقيادة جماعية حيث لا يوجد سكرتير او رئيس، الاجتماعات مفتوحة ويمكن لغير الاعضاء حضورها، ويتم اختيار المرشحين للانتخابات البلدية والبرلمان بالتصويت في الاجتماع السنوي، ولا يحق لممثل القائمة الموحدة من عضوية البرلمان الدنماركي اكثر من دورتين انتخابيتين.
خلال السنوات اللاحقة وتحت تأثير الانفتاح والديمقراطية، وتبني المطالب الشعبية المباشرة، المعيشية والاجتماعية والسياسية، واختيار قيادات كفوءة وناشطة من الشبيبة والنساء، تحولت القائمة الموحدة الى تيار يساري يجتذب المهتمين بالسياسة وخصوصا الشباب ـ من الجنسين ـ بينما تعاني الاحزاب التقليدية لليسار من انحسار في عضويتها، عدا عن افتقارها الى عنصر الشباب،  وفي عام 1998 على سبيل المثال انتسب الى حزب القائمة الموحدة 600 عضو جديد معظمهم من الجيل الشاب.
بلغ عدد اعضاء حزب القائمة الموحدة  حتى الاول من تشرين الاول 2016 تسعة الاف، وهو رقم كبير في ظروف العمل السياسي الدنماركي، هذا الى جانب العدد الكبير من المصوتين في الانتخابات البلدية والبرلمانية. وقد حقق حزب القائمة الموحدة في الانتخابات الاخيرة نجاحا ملموسا للمرة الثانية على التوالي حيث بلغت عدد مقاعده البرلمانية خمسة عشر نائبا برلمانيا، بضمنهم خمس نساء، اكثر من نصف النواب من الشباب.
سجل الاجتماع السنوي الثامن والعشرن المنعقد في 12ـ14 مايس الجاري تصاعدا في وتيرة نشاط الحزب، وكانت الحركة النسوية، والعمل على تحقيق ثقل اكبر في الانتخابات البلدية والبرلمانية، الموضوعتين الرئيسيتين على جدول عمل الاجتماع، الذي استمر لمدة ثلاثة ايام، وبحضور اكثر من 500 مندوب، واختتم اعماله بوضع الخطط الكفيلة لتحقيق جملة من الاهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، من بينها محاربة الفقر وتحقيق مجتمع الرفاهية والمساواة الاجتماعية والجنسية ، والحفاظ على البيئة، والسلام في العالم.

* النص ملخص مقالتين حول تاريخ القائمة الموحدة، اعداد وترجمة موقع الناس 2006، مع بعض الاضافات والايضاحات.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here