ثورة كولان ، تحدي كبير لمؤامرة كبرى

جواد كاظم ملكشاهي
عندما تعرضت الثورة الكوردية بقيادة القائد الخالد مصطفى البارزاني لانتكاسة مؤقتة بفعل توقيع اتفاقية الجزائر الخيانية بين شاه ايران وصدام حسين بوساطة من الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين عام 1975 ، تصورت الدول التي تقاسمت ارض وشعب كوردستان عنوة ان نيران الثورة الكوردية اخمدت الى الابد ولن يكون بمقدور الامة الكوردية ان تنهض من جديد للمطالبة بحقوقها المشروعة، لكبر حجم المؤامرة والنوايا الخبيثة لدى الانظمة الشوفينية الشمولية خوفا على عروشهم التي بنوها على جماجم الاحرار.
لكن حكمة البارزاني الخالد وذكاءه وقراءته الدقيقة لمسار الاحداث السياسية الاقليمية والدولية ، وكذلك ثقته غير المتناهية بقدرات شعبه على التضحية والفداء كان اكبر من تداعيات تلك المؤامرة والانتكاسة الخطيرة التي كانت تهدف لابادة شعبنا عن بكرة ابيه عبر عمليات القتل الجماعي والجينوسايد التي عشنا مرارتها ومآسيها بعد انطلاق ثورة كولان العظيمة التي اثبتت للقاصي والداني ان هذا الشعب لا يقهر ولا يمكن ان يرضخ لارادة الباطل ، حيث لم تمض على الانتكاسة شهور قليلة حتى قررت قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني بقيادة الاب الروحي مصطفى البارزاني القيام بالتخطيط والاعداد لثورة جديدة تختلف عن سابقاتها من النواحي التنظيمية والخطط العسكرية وكيفية استغلال الثغرات بسبب الظروف الموضوعية والواقع الجديد الذي شهدته منطقة الشرق الاوسط والحرب الباردة بين القطبين الامريكي والسوفيتي انذاك.
وكلفت القيادة ، القائد الشهيد ادريس بارزاني والرئيس مسعود بارزاني والقادة السياسيين والميدانيين الابطال وذوي الخبرة من قوات البيشمركة الذين كان لهم باع طويل في قيادة المعارك الصعبة والشاقة في ثورة ايلول بتشكيل مفارزة عسكرية صغيرة وباسلحة خفيفة بسيطة لاستمرار النضال والتحدي بارادة وعزيمة قويتين.
وبرغم التعاون الوثيق بين نظامي الشاه والبعث في الجوانب المخابراتية والاستخبارية وتبادل المعلومات في مراقبة الحدود المشتركة وتشكيل قوى من مرتزقة الجانبين للحيلولة من دون قيام الثورة من جديد. الا ان كل تلك المساعي والمحاولات وبرغم الامكانيات العسكرية والقدرات التسليحية لنظامي بغداد وطهران باءت بالفشل و تمكنت بيشمركة كوردستان من استغلال الثغرات ونقاط الضعف للتغلغل الى عمق المناطق الوعرة قرب الحدود العراقية الايرانية والاتصال بالجماهير لتبعث فيها روح الثورة والجهاد من جديد ، اذ استقبل شعب كوردستان في القرى والارياف مفارز البيشمركة البطلة بالاهازيج والزغاريد والفرحة الغامرة وقدمت لها ما تمتلك من امكانيات بسيطة لدعم ومساندة الثورة.
كان يوم السادس والعشرين من ايار من عام 1976 يوم اندلاع ثورة كولان المجيدة بمثابة تفجر بركان وزلزال لنظامي البعث والشاه ، لانهما لم يتوقعا ان تستعيد القيادة الكوردية قدراتها وبهذه السرعة وتعيد تنظيم نفسها برغم الانتكاسة الكبيرة التي اصابتها جراء الاتفاقية المشؤومة ، وما كان امام النظامين في طهران وبغداد خيار آخر الا استغلال كل امكانياتهما المخابراتية والاستخبارية والعسكرية لمواجهة الثورة والحيلولة من دون امتدادها للقرى والمدن والقصبات ، لكنهما  فشلا في ذلك ، اذ انتشرت مفارز البيشمركة من جديد في معظم القرى والقصبات الحدودية وشكلت خطرا جديا  وحقيقيا على قوات النظام الصدامي ، اذ لم يمر يوم الا وباغتت مفارز البيشمركة قوات النظام لتنفيذ عملية بطولية ضدها.
ان النظام الصدامي الذي بدأ يتقهقر امام ضربات قوات البيشمركة من جديد، ومحاولة منه لمنع ظهور حاضنة لدعمهم واسنادهم قام باستخدام سياسية الارض المحروقة وذلك بحرق وهدم جميع القرى الحدودية وترحيل ساكنيها الى محافظات الوسط والجنوب وغربي العراق ، ومن ثم قام بعمليات الانفال سيئة الصيت التي راح ضحيتها اكثر من (182000) مدني من القرويين وتلاها استخدام الاسلحة الكيماوية والجرثومية المحرمة دوليا في مناطق متعددة من محافظة اربيل وبالتحديد ضد المدنيين في وادي باليسان ومن ثم استخدامها في مدينة حلبجة الشهيدة بشكل مكثف ما ادى الى استشهاد اكثر من خمسة الاف امرأة وطفل ورجل فضلا على اصابة ثمانية الاف اخرين ما يزالون يعانون من اثار تلك الاسلحة المحظورة ، لكن ذلك لم يؤثر على معنويات البيشمركة بل ازدادوا عزيمة وثباتا من اجل تحرير ارضهم ، برغم صعوبة الموقف وعدم توفر ابسط الامكانيات العسكرية واللوجستية لاستمرار الثورة.
ان ثورة كولان المجيدة برغم تداعياتها الكارثية على ابناء الشعب الكوردي ، الا انها كانت زاخرة بالمكاسب والانجازات الكبيرة واهمها الانتفاضة الشعبية ضد النظام في مدن وقصبات كوردستان ضد قوات واجهزة النظام القمعية في اذار عام 1991  ومن ثم كسب التعاطف والدعم الدولي وتشكيل حكومة وبرلمان كوردستان وما تلاها من مكاسب عظيمة من الامن والاستقرار والاعمار والعيش بحرية وسلام في ظل حكومة اقليم كوردستان.
ان مكاسب ثورة كولان العظيمة لم تتوقف عند  تشكيل حكومة وبرلمان كوردستان، بل تلتها مكاسب كبيرة اخرى كفدرلة اقليم كوردستان والمشاركة الفاعلة في كتابة الدستور الاتحادي وبناء العراق الجديد واعتماد الاقليم على موارده وامكانياته الاقتصادية الذاتية بعد قطع موازنته من الحكومة الاتحادية حيث منح هذا الثقة العالية بالنفس والاعتماد على الامكانيات المتاحة وحشد الطاقات لمجابهة التحديات، وما عملية الاستفتاء لتقرير المصير المزمع اجراؤه قبيل نهاية العام الجاري هي ايضا امتداد لمكاسب ثورة كولان التي ستتحقق للشعب الكوردي لوضع نهاية للحروب والاقتتال والعيش على ارضه وبجوار اشقائه من العرب والاتراك والفرس وبناء حياة آمنة ومسقرة له وللشعوب المجاورة.
في الختام لم يبق الا ان نحيي روح البارزاني الخالد وشهداء شعبنا من قوات البيشمركة والمدنيين من سقط منهم على يد النظام الصدامي البائد ومن سقط في مقاومة الارهاب الذين سطروا اروع ملاحم البطولة والفداء للسير بشعبنا نحو بر الامان وتحريره من براثن الدكتاتورية المقيتة والقوى الارهابية الضالة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here