دونالد ترامب يجب أن لا تتعامل مع العراق كانه بلد ثانوي – نحن نحتاج بعضنا البعض

 لقمان عبد الرحيم الفيلي

وبالنظر إلى الانخراط الأمريكي الحالي في الشرق الأوسط، لا تستطيع الا ان تلاحظ التناقض الواضح بين الخطاب القوي لإدارة ترامب الجديدة والأصداء الهادئة لإدارة أوباما. ومن الأمور الإيجابية أن تولي إدارة ترامب اهتماما بالشرق الأوسط.

 

لكن قرار الرئيس ترامب بزيارة المملكة العربية السعودية، وليس العراق، أرسل إشارات خاطئة إلى الجانب العراقي حول أولوياته في المنطقة. إذا كانت الأولوية الأمريكية الأولى في المنطقة هي هزيمة داعش، فيجب أن تكون زيارته للعراق أولوية. لم تضحي أي دولة في العالم أكثر من العراق في قتال داعش..

 

حتى من وجهة نظر عسكرية، القوات العراقية هي حتى الآن الأكثر خبرة وقدرة على هزيمتهم – مقارنةً باي بلد إقليمي اخر. ولم تفقد قوات الأمن العراقية معركة ضد داعش منذ عامين وأي التزام دولي حقيقي بهزيمة التهديد العالمي لإرهاب اخر دولي يجب أن يتضمن تركيزا حازما على استئصال فلول داعش في العراق وسوريا، مع ضمان أن يكون الأمن في العراق قويا ودائما.

 

هنا، تحتاج الولايات المتحدة، بالتشاور التفصيلي مع الحكومة العراقية، إلى اتخاذ قرار حازم حول مدى مشاركتها السياسية والعسكرية في مستقبل العراق. ويتعين عليها أن توجه رسالة واضحة إلى نظرائها العراقيين بشأن هذا الالتزام.

 

لاحظنا مشاركة الرئيس ترامب في مكارم ومهرجانات في المملكة العربية السعودية وإسرائيل، من جانب اخر نرى التحديات والتضحيات العراقية تبدو وكأنها مرحلة لاحقة. ولا يقتصر الأمر على أن الرئيس ترامب لم يقوم بزيارة مفاجئة تقليدية للبلاد خلال رحلته إلى المنطقة، ولكن رسالته من الرياض – التي ألقت بالعنف في العراق والمنطقة بشكل طائفي – يبدو وكأنها تتجاهل الأسباب الأساسية لمعاناة العراقيين، وهي ليست توسعية إيرانية بل سلفية جهادية عنيفة.

 

سواء بوعي أم لا، ظهر الرئيس ترامب لتعزيز السرد السعودي بأن المنطقة في خضم صراع طائفي من السنة الطيبة مقابل الشيعة الشر. ومع ذلك، فإن الشيعة العراقيين الذين يشكلون أغلبية القوات المسلحة في البلاد وقوات الحشد الشعبي المتطوعين، قد قاتلوا ببسالة ضد داعش. لا ينبغي لأحد أن يشك في التزامهم أو ولائهم للدولة العراقية التي يدافعون عنها. الحكومة العراقية التي يقودها رئيس الوزراء (الشيعي) حيدر العبادي كانت حليفاً هاماً للولايات المتحدة ولإيران في حربها التي تشارك فيها الدولتان بنفس الهدف: لإزالة وطرد داعش وهزيمة السلفية الجهادية الدولية.

 

دعونا لا ننسى هنا أن السعوديين ليسوا طرفا محايدا، ولا الإسرائيليون. وكلاهما يعمل في صراع اقليمي على السلطة، جنبا إلى جنب مع تركيا وإيران. إن إسهام واشنطن الأكبر في السلام من شأنه أن يشجع الحوار بين جميع الأطراف ويضع البذور لإطار أمني إقليمي يمكن أن يدير الصراع، وليس وقوداً لها..

 

إن استقرار العراق هو في مصلحة الأمن القومي الأمريكي لأسباب عديدة، ليس أقلها أهمية جغرافية سياسية للعراق بسبب موقعه. وستواصل القوى الإقليمية مثل تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية المنافسة من أجل تأكيد مواقفها في الشرق الأوسط وتأسيس مساحات نفوذ، علماً ان موقف العراق فيما يتعلق بهذه التنافسات يمكن أن تقلب التوازن.

 

كما أن موارد العراق الطبيعية وقدراته الحالية على تصدير النفط تسمح له أيضا بأن يكون عاملا هاما في استقرار تدفق النفط إلى مختلف الأسواق الدولية. أما على صعيد التعاون الأمني، فإن العراق في طليعة الكفاح ضد الإرهاب الذي تقوم به جهات فاعلة غير حكومية، ولا سيما داعش، والتهديد الذي لا يزال يهدد الأمن الدولي.

 

إن داعش ليس فقط تهديدا لدول المنطقة، كما هو موضح في التفجير الإرهابي في مانشستر، بل هو تهديد للعالم. إن العراقيين على دراية تامة بتهديد التطرف العنيف، فقد عانينا مئات الهجمات من نوع مانشستر على مدى السنوات ال 14 الماضية، التي أودت بحياة الآلاف، بمن فيهم النساء والأطفال.

 

وهناك عامل رئيسي آخر يضع العراق في وضع فريد، لا يركز عليه الغرب، وهو التأثير الهام لمدينة النجف – وهي حاليا مدرسة الشيعة الفقهية البارزة – داخل العالم الشيعي. ومع استمرار النجف في التنافس على النفوذ الديني في الشرق الأوسط، فإن العراق لديه القدرة على التأثير بشكل متزايد على مستقبل السلطة الدينية للمسلمين الشيعة في جميع أنحاء العالم.

 

وأخيرا دعونا لا ننسى أن العراق، من الناحية الديمغرافية، دولة شابة يقل معدل اعمار فيها عن 20 سنة. إن تمكين الشباب لا يحظى حاليا بالاهتمام الكافي من الحكومة العراقية، والبرامج الدولية التي تهدف إلى تمكين الشباب ستضمن استمرار معركة الأفكار ضد إيديولوجية داعش بهدف عراق مستقر يلعب فيه الشباب دورا إيجابيا. إن وجود عراق قوي ومستقر هو أساس رئيسي لشرق أوسط مستقر، لذلك دعونا نعمل جميعا من أجل عراق ديمقراطي يمثل جميع مصالحنا المشتركة.

 

وإذا كانت واشنطن تسعى إلى تحقيق أمن طويل الأمد كما ينبغي، فإن الشراكة الاقتصادية والسياسية مع العراق، كان ينبغي على الرئيس ترامب زيارة بلدنا. الانطباعات (البصريات) تعني كل شيء في الشرق الأوسط. وكانت هذه فرصة ضائعة.

 

لقمان عبد الرحيم الفيلي كان السفير العراقي لدى الولايات المتحدة بين عامي 2013 – 2016. كما عمل سفيرا للعراق لدى اليابان في الفترة من 2010 – 2013

النسخة المترجمة لمقالتي اليوم في مجلة النيوزويك الامريكية

 

 

 

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here