بريجنسكي وعمالة الأحزاب الشيعية العراقية لإيران ..

بريجنسكي وعمالة الأحزاب الشيعية العراقية لإيران ..

أطلق الجنرال “توماس تاسك” وهو نائب قائد العمليات الخاصّة الأمريكية تحذير حول دور إيران الكبير بالعراق، من خلال ولاء القيادات السياسية والعسكرية والدينية والميليشياوية الشيعية لدولة ولي الفقيه لها. وقد جاء تحذير الجنرال هذا بمناسبة تنظيم دراسة حول إيران ودورها بالمنطقة نظّمه معهد “إنتربرايزر” الأمريكي مؤخرا. مشيرا فيه من خلال “تذمر” ظاهري على ما يبدو للسيد “حيدر العبادي” حول عدم إستلام مسؤولين حكوميين “وغيرهم” الأوامر منه بصفته رئيس للوزراء وقائد أعلى للقوات المسلّحة، وأنهم كما قال يتلقون عوضا عن ذلك الأوامر من إيران!!

وأشار واضع الدراسة في المعهد “ماثيو ماك أينيس” والذي عمل سابقا مع الجيش الأمريكي الى الأمر نفسه، الا أنّه أخطأ على ما يبدو وهو يشير الى أن تعزيز النفوذ الإيراني بالعراق قد حصل في الفترة الأخيرة، مشيرا بنفس الوقت الى أنّ “العراق أصبح خلال فترة الحرب على داعش جزءاً من المنظومة الأمنية الإيرانية أكثر من أي وقت مضى”!! وكأن العراق لم يكن جزء من منظومة الأمن هذه منذ إحتلال بلده لبلدنا وإشاعة الفوضى فيه. ولم ينسى وهو يرى توسّع النفوذ الإيراني بالعراق وتأثيره الجيوسياسي ليدق ناقوس الخطر، محذّرا الإدارة الأمريكية من خطورة إخلاء الساحة لإيران، طالبا منها الإستمرار بنهج المحاصصة الطائفية القومية كأسلوب للحكم من خلال “إيجاد توازن في العراق” وهو ما نعيشه اليوم.

إنّ الإدارة الأمريكية وهي تريح إيران من ضغط طالبان شرقا والعراق البعثي غربا بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، كانت على علم مسبق بالدور المستقبلي للأحزاب الشيعية في تدمير البلاد وجعلها حديقة خلفية لإيران وحائط صد لها. فهذه الأحزاب وتشكيلاتها اللاحقة ولدت وترعرعت ونمت في إيران، فالمجلس الإسلامي الأعلى ومن كان تحت خيمته والذي تأسس برعاية المؤسسة الأمنية والعسكرية والدينية الإيرانية كان برئاسة “آيت الله سيد محمود هاشمي شاهرودي”، قبل أن ينتخب الإيرانيون له الفقيد “السيد محمد باقر الحكيم”. كما وأنّ حزب الدعوة الإسلامية والذي تأسس بعد ثورة الرابع عشر من تموز وعلى الرغم من “خلافه” الظاهري مع بعض الممارسات الإيرانية، لم يخرج هو الآخر كما المجلس وغيره من التنظيمات الشيعية عن دائرة النفوذ الإيراني. وهذا ما نلمسه اليوم، وهو نفسه الذي حذرت منه الدراسة الأمريكية التي جئنا على ذكرها.

أنّ إزدياد النفوذ الإيراني ودور القيادات الشيعية في ترسيخ هذا الدور على حساب مصالح وطننا وشعبنا لا يجب أن يثير ساسة البيت الأبيض ولا جنرالاته. ففي لقاء له مع صحيفة “أزفيستيا” الروسية بعد شهر من أحتلال بلدنا قال مستشار الأمن القومي المخضرم والذي توفي قبل أيّام أن “مركز صنع القرار في واشنطن، يفضّل الأحزاب الدينية حكاما للعراق على العلمانيين، من منطلق انه يمكن السيطرة على هذه الأحزاب بالتفاهم مع مراجعهم وتوجيهها بالوجهة المناسبة”.

هنا تحديدا علينا أن نعود بالتأريخ الى الخلف قليلا لنتعرّف على ماهية القوى الدينية ودورها في تنفيذ المصالح الأمريكية بالعراق وإيران. فالولايات المتحدة الأمريكية وعن طريق وكالة الأستخبارات “سي آي أيه” وبالتعاون المباشر مع المؤسستين الدينيتين في إيران والعراق، إستطاعت أن تقوّض نظامي حكم مصدّق وقاسم سنوات 1953 و1963 ، ولعب رجلا الدين الشيعيين الكاشاني والحكيم دورا مهما الى جانب الأنقلابيين في كلا البلدين. وعليه فأن بريجينسكي وهو يشير الى تفضيل الأسلاميين للحكم بالعراق يعرف جيدا طريقة أحتوائهم للعمل ضمن دائرة المصالح الأمريكية، لذا نرى تصوراته لشكل نظام الحكم بعد سقوط نظام صدام حسين وفقا للرؤية الأمريكية من أنه “سيكون نظاما فيه الكثير من عناصر النظام الشمولي السابق، يديره تحالف بين الأكراد والأحزاب الشيعية، مع نسبة معينة من المؤسسات الديمقراطية، ودور أساسي لإيران في الحفاظ على الاستقرار”.

الا أن ما غاب عن بال بريجينسكي أو ما لم يستطع أن يتوقعه هو أن الحكام الشيعة والذي قال ان مراجعهم هي التي تسّيرهم سوف لن يلتفتوا لمصالح “شعبهم ووطنهم”، حينما يتعلق الأمر بطائفتهم ومذهبهم الديني. فهؤلاء الساسة ومنذ اليوم الأول لوصولهم الى السلطة عن طريق أمريكا نفسها، نذروا العراق ليكون قربانا للمصالح الإيرانية. فإيران التي تعاني من الحصار أنتعشت إقتصاديا خصوصا بعد أرتفاع أسعار النفط وتحويل مئات مليارات الدولارات التي نهبتها الأحزاب الشيعية “كما أحزاب المحاصصة الأخرى” الى بنوكها لديمومة أستمرار برامجها العسكرية واستمرار تدخلها في سوريا واليمن ، ودعمها للحركات الدينية في لبنان والبحرين وفلسطين وغيرها من البلدان. ونتيجة لفساد هذه الأحزاب وأهمالها لكل ما يتعلق بتوفير حياة كريمة لمواطني بلدنا، نرى قطاعات مختلفة من قطاعات الخدمات قد تم تدميرها عمدا من أجل ضخ الدم في الإقتصاد الإيراني. فعلى سبيل المثال نرى بؤس القطاع الصحي بالعراق رغم مداخيل النفط الخيالية، ما يدفع المرضى العراقيين الى السفر والعلاج في المشافي الإيرانية، وكذلك أنهيار القطاع الزراعي العراقي مقابل القطاع الزراعي الايراني إذ باتت السوق العراقية تستورد الفاكهة والخضار من إيران بشكل رئيس.

أنّ عدم إستلام الساسة والعسكريين والميليشياويين الشيعة الأوامر من العبادي وأستلامها من ساسة وعسكريين إيرانيين كقاسم سليماني مثلا لا يعتبر أمرا إستثنائيا، لكن الأمر الإستثنائي هو أستلامهم أوامر من مسؤول عراقي. كما وأنّ خيانة هؤلاء الساسة “لوطنهم وشعبهم” لا تعتبر أمرا إستثنائيا، لكن الأمر الإستثنائي هو عدم خيانتهم “لوطنهم وشعبهم”.

لقد كان بريجينسكي من أشد المتحمسين لضرب فيتنام الا أنه وفي نفس الوقت كان أشد المتحمسين لعدم ضرب إيران …. لماذا؟

زكي رضا
الدنمارك
1/6/2017

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here