عقوبات أميركيّة محتملة على زعماء عراقيين

عدنان أبو زيد

نقلت صحيفة “ذه ستيت” The state في 17 أيّار/مايو من عام 2017 تصريح كبير الديبلوماسيّين الأميركيّين المكلّفين بالشرق الأوسط ستيوارت جونز أنّ “الولايات المتّحدة في صدد اتّخاذ سياسة شاملة تتصدّى للمجموعات المسلّحة التابعة لإيران في سوريا ولبنان والعراق واليمن”.
وتزامن ذلك، مع ما أفاد به مراسل صحيفة “الرأي” الكويتيّة في واشنطن بـ18 أيّار/مايو من عام 2017 بأنّ الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب وعد ضيفه وليّ عهد أبو ظبي الشيخ محمّد بن زايد، الذي زار واشنطن بين 15 و17 أيّار/مايو، بأنّ “واشنطن تعمل على إقرار عقوبات على حلفاء طهران المتورّطين في الإرهاب، من بينهم مسؤولون في الحكومتين العراقيّة واللبنانيّة”. كما قالت بعثة الـسعـوديّة في الأمم المتّحدة بـ17 أيّار/مايو من عام 2017 إنّ “الميليشيات الإيرانيّة تواصل تهديد استقرار  المنطقة”.

ولم تكن تسمية لبنان والعراق في سياق التصريح مصادفة، بل دلالة واضحة على الاهتمام الأميركيّ والخليجيّ بالنفوذ الإيرانيّ الواسع في هذين البلدين، عبر زعماء سياسيّين وقادة ومنظّمات مسلّحة وميلشيات، ففي لبنان فإنّ أكبر اللاّعبين فيه هو “حزب الله” المدعوم من إيران، وفي العراق هناك أحزاب وفصائل مسلّحة معروفة بعلاقتها الوطيدة مع طهران، وتتلقّى منها الدعمين الماليّ والسياسيّ.

ورأى قائد الحشد المسيحيّ ريان الكلداني في حديث لـ”المونيتور” أنّ “علاقة فصائل الحشد الشعبيّ بإيران ليست علاقة تبعيّة، وهو ما تروّج له دول خليجيّة”، مشيراً إلى أنّ “طهران ساعدت العراق في حربه على داعش باعتراف الأطراف الغربيّة نفسها”. في الوقت ذاته، اعتبر ريان الكلداني أنّ”دولاً إقليميّة مثل تركيا والخليج، والتي تعتبر الحشد منظّمة إرهابيّة، تضغط على واشنطن، وتغريها بالمال لأجل فرض عقوبات على قادة الحشد الشعبيّ”.

ويبدو أنّ ثمار السياسة الجديدة أينعت في لبنان، إذ أعلن كلّ من واشنطن والرياض في 19 أيار/مايو من عام 2017 إدراج هاشم صفي الدين رئيس المجلس التنفيذيّ لـ”حزب الله” اللبنانيّ على “القائمة السوداء المشتركة للإرهاب”.

وفي السياق نفسه، تحاول الولايات المتّحدة قطع التواصل بين الميليشيات الشيعيّة التابعة لإيران وتحديد حركتها في بقع صغيرة، وإنّ الغارة الأميركيّة على قافلة للقوّات السوريّة في 18 أيّار/مايو من عام 2017 اعتبرتها وسائل إعلام إيرانيّة “إصراراً من الجانب الأميركيّ على منع أيّ تواصل بين بغداد ودمشق”، فيما أكّد خبراء غربيّون في 20 أيّار/مايو من عام 2017 أنّ “الغارة الجويّة تكشف عن الخطط العسكريّة الأميركيّة في المنطقة”.

أمّا أحد قادة المنظّمات الشيعيّة المسلّحة المدعومة من إيران في العراق، وهو الأمين العام لكتائب “سيّد الشهداء” أبو آلاء الولائي، فأعلن في 19 أيّار/مايو من عام 2017 عن “قيام الطائرات الأميركيّة بقصف قوّات من الحشد الشعبيّ قرب الحدود العراقيّة – السوريّة”.

ومن المعروف أنّ الكثير من قادة الحشد الشعبيّ متّهمون من قبل دول الخليج وأوساط أميركيّة بأنّهم مرتبطون بإيران ويتلقّون الدعم منها مثل نائب رئيس هيئة الحشد الشعبيّ في العراق أبو مهدي المهندس، الذي ظهر في مقطع فيديو نشر بـ23 نيسان/إبريل من عام 2017، واعترف خلاله بعلاقته الخاصّة بطهران وبزعيم فيلق القدس الإيرانيّ قاسم سليماني. أمّا قائد حركة النجباء في العراق أكرم الكعبي فبدا أكثر وضوحاً في علاقاته بطهران التي زارها في 1 أيلول/سبتمبر من عام 2016، وصرّح من هناك  بضرورة “توجّه قوّات الحشد الشعبيّ العراقيّة للقتال في سوريا”.

وإذ رأى النائب عن “تحالف القوى العراقيّة” قيس الشذر في حديث لـ”المونيتور” أنّ “الأمر ليس مخفيّاً في علاقة أحزاب وسياسيّين عراقيّين بإيران، إذ يتلقّون منها الدعمين الماديّ والمعنويّ”، قال: “إنّ الاحتمال بفرض عقوبات عليهم من قبل الولايات المتّحدة لا يخدم مصالح العراق”.

وأشار إلى أنّ “أغلب الذين يشار إلى أنّهم أصحاب علاقة وطيدة بطهران لهم شعبيّة في العراق، لأنّهم اليوم يشاركون في العمليّة السياسيّة، وساهموا في المعارك ضدّ داعش”، وقال: “إنّ واشنطن ستفكّر كثيراً قبل اتّخاذ أيّ خطوة من هذا القبيل”.

بيد أنّ الكاتب والمحلّل السياسيّ ورئيس مركز “الراصد الإعلاميّ” جاسم الموسوي رأى في حديث لـ”المونيتور” أنّ “من بوادر فرض عقوبات على قيادات ومنظّمات عراقيّة متّهمة بأنّها موالية لإيران، سعي بعض زعماء السنّة العراقيّين إلى العمل على تدويل ما يقولون عنه إنّه جرائم للحشد الشعبيّ في المناطق التي تحرّرت من داعش”، لافتاً إلى أنّ هذا ما يشكّل “أحد الأساليب التي يمكن من خلالها منح الشرعيّة لأيّ عقوبات ضدّهم”.

ولا يستبعد جاسم الموسوي “ممارسة الضغط على الحكومة العراقيّة من قبل واشنطن لتسليم مطلوبين، أو ملاحقة قيادات الحشد ضمن قوائم مطلوبين دوليّة ومنعهم من السفر، وإجراءات أخرى مثل تجميد أرصدة وملاحقات قضائيّة”، الأمر الذي يذكّر بسعي دونالد ترامب في 20 آذار/مارس من عام 2017 إلى إجراء “محادثات مع العبادي حول علاقة حكومته الوثيقة مع طهران والمقاتلين الإيرانيّين الذين يساعدون بغداد في الحملة ضدّ داعش”.

وقال: “لا أرى أنّ إيران وحلفاءها في داخل العراق سيأخذون الأمر على محمل الجدّ، لأنّ الذهاب بعيداً في هذا الاتّجاه يثير الاضطراب ثانية في العراق، ويعرّض مصالح واشنطن فيه مباشرة إلى هجمات حلفاء طهران المحليّين”.

ومن الواضح أنّ هناك خشية من دور عسكريّ للمنظّمات المسلّحة التي تتحرّك ضمن الفلك الإيرانيّ يتجاوز حدود العراق، في مرحلة ما بعد “داعش”، ومن ذلك الاتّهامات لإيران بأنّها دفعت بقوّات كبيرة من حرسها الثوريّ وفصائل الحشد الشعبيّ إلى الحدود الأردنيّة – العراقيّة، الأمر الذي يدفع بقادة الخليج إلى “إقناع واشنطن بتصنيف الميليشيات التي تحظى بدعم إيرانيّ ضمن الجماعات الإرهابيّة”.

ويرى كلّ من الولايات المتّحدة واللاّعبين الإقليميّين أنّ مرحلة ما بعد “داعش” تتطلّب العمل المشترك على محاصرة الجماعات والمليشيات المسلّحة في العراق وسوريا التي تضخّمت عدداً واكتسبت تجربة قتاليّة مهمّة خلال حربها ضدّ “داعش”، الأمر الذي يجعلها تهدّد المصالح الأميركيّة في المنطقة، وتشكّل خطراً محدقاً بدول الخليج المتحالفة مع واشنطن.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here