عبد العزيز الحكيم.. أب غير مطاع!‏

محمد الحسن
ربما أكثر عباءة عُلقت بها أخفاقات غير صاحبها, هي عباءة السيد عبد العزيز الحكيم.. يقول بريمر في ‏مذكراته ما مضمونه: عند تأسيس نواة الجيش العراقي الجديد حرصت على أن يكون أحد الأمراء من ‏الشيعة. يعلل بريمر هذا الحرص بقوله: تجنباً لمعارضة عبد العزيز الحكيم الشديدة ومطالباته بكسر المعادلة ‏الظالمة في الجيش. ‏
لا شك أنّ بريمر فهم ذلك الموقف بسياق غير مرتبط بهيكلية الدولة وبنيتها الإجتماعية؛ إنما أراد إيصال ‏رسالة مفادها طائفية الحكيم وتعصّبه لشيعيته, بينما ما حرص عليه الحكيم, هو معالجة الخلل الطائفي في ‏الدولة العراقية, لا سيما الجيش العراقي.. ذلك الخلل لا ينكره سوى مبغض لعراق خالٍ من الديكتاتورية.‏
الضابط الشيعي الذي صار آمراً لأحد الأفواج,  لم يكن على معرفة بالحكيم, وحادثته تكشف إرادة أمتلكها ‏الحكيم لكسر المعادلة الطائفية التي سادت العراق الجمهوري.. هي ليست نقطة الضوء, غير أنه المثال ‏الحي على طريقة التفكير التي مضى عليها الراحل, فالحلول التي كان يؤسسها بشكل مشاريع كبيرة, ليست ‏خطابات تصاغ بقلمٍ ماهر؛ إنما قدرة فريدة على تشخيص الخلل والمشكلة, والتفرّد بصناعة التركيبة ‏العلاجية الناجعة. حلول الحكيم من نفس جنس المشكلة, لذلك فمشكلة 2006 وما بعدها لا يمكن علاجها ‏بضابط شيعي أو سني يمثّل رمزية للتوازن في مؤسسات الدولة؛ إنما المشكلة تكوّنت من عناصر أخرى ‏منتجة معقد بحاجة لعقلية ثاقبة وشجاعة نادرة تطرح الحل أمام الناس بلا خشية من لوم أو عتب أو ‏إستهداف.. فكان حينها “إقليم وسط وجنوب العراق”.. هو ليس تمزيقاً للعراق, كما روّج آنذاك بعض من ‏طالب بهذا الإقليم لاحقاً, ولعل ذلك الإعتراض ثم التبدّل إلى التثقيف للمشروع الضائع, يكشف الفارق بين ‏العقلية الفاعلة ونقيضتها المنفعلة.. الأولى مهندسة, تركب وتحلل وتخرج بالبرهان والبناء الصحيح, ‏والثانية ضاجة شاكية وباكية, أدمنت حديث المظلومية ونظرية المؤامرة دون أن تقدّم صيغة لبناء دولة. ‏
ذلك المثال الكبير, فيدرالية الوسط والجنوب, إنتهى موعده بعد تمكّن المشكلة من الدولة, ولم يعد صالحاً ‏عندما طالب به الغالبية, فكان لا بدّ من حلول أخرى.. هنا لا نريد بحث الحلول, بل لنقف في ذكرى الحكيم ‏على فكره وممارسته التي لو مُكّنت لكان عراق جديد.. فذهابه للبند السابع, أو اللجان الشعبية, كانت قراءات ‏العارف الحكيم بتفاصيل ما ستؤول إليه الأوضاع. بهذا العمق الفكري والنضال السياسي الصادق كانت تقدّم ‏الحلول, وشاهدنا كيف قوبلت بالتخوين والإتهام والشعارات التي تجلب الكرى لعيون النيام على تراب ‏الوطن الملتهب.. ‏
يقول أبن زريق البغدادي: رزقت ملكاً فلم أحسن سياسته.. وكل من لا يسوس الملك يخلعه.. ‏
من لم يحسن سياسة الدولة اليوم, لن يخلع ملكاً؛ إنما يساهم في الكوارث التي تحصل, وما فاد حديث ‏الأنبطاح.. فالدولة بحاجة لحكمة وحكيم..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here