الأقوياء يفترسون!!

لو تُركت الشعوب على حالها لما وُجدت المشاكل والصراعات , لكن الأقوياء يفترسون كالأسود في الغاب , وفي دنيا البشر الغابية لكي تفترس الشعوبَ عليك أن تمزقها وتوقد جمرات التناحر والشقاق فيما بينها , وهذا سلوك غائر في القِدم ولا جديد فيه سوى الوسائل والتقنيات والنظريات الفاعلة في الواقع الدامي.
فلو تُركت الكوريتان على حالهما لإتحدتا منذ زمان , ولو تُرك العرب على حالهم لإتحدوا وصنعوا وجودهم القوي , لكن هذه التصرفات لا تخدم مصالح الأقوياء , لما يختزنونه من ميول إفتراسية شرسة.
والأقوياء يتنافسون فيما بينهم على إفتراس الآخرين , لكنهم لا يجرؤون على إفتراس بعضهم بعضا , لأنهم يدركون بأن فرائسهم ستفترسهم , فهل رأيتم أسودا تفترس أسودا , أو ذئابا تأكل ذئابا؟
إنها قوانين فاعلة في غاب الدنيا المتطاحن القدرات والمتصادم الطاقات , وكلما إمتلك البشر ما يقوّيه جنح إلى التعبير عن نوازعه الإفتراسية التي تعني التدمير والخراب , وسفك الدماء وسبي الناس وتهجيرهم وترويعهم , والإنقضاض عليهم كما تنقض الوحوش على فرائسها  في إحتفاليات الصولات الحامية.
ومثلما تجتمع الأسود وغيرها من الحيوانات ذات الأنياب والمخالب للإطباق على فرائسها , كذلك الأقوياء يفعلون , فهم يجتمعون على إفتراس شعب ووطن وأمة , وتراهم ينادون بالتحالفات المتوحشة للهجوم على هذه الدولة أو تلك , لكي يكون لكل منهم حصته من الفريسة.
حصل ذلك في العراق وليبيا واليمن ودول أخرى في العالم , واليوم تمضي الإستعدادات نحو كوريا , لكن هذه الدولة قوية , إنها ليست حِملا وديعا يثاغي , إنها قوة ذات قدرات تدميرية هائلة , وشعبها شرس مغوار,  ولهذا فأن الأقوياء سيفكرون ألف مرة ومرة قبل التورط معها بمواجهة إفتراسية , ذلك أن الأقوياء لا يفترسون قويا , وهم جميعا يبحثون عن كبش سمين كالعراق وليبيا وبعض الدول العربية الأخرى ذات الشحم واللحم.
ومشكلة العالم الجوهرية أن الأقوياء يصولون ويجولون , والضعفاء يخورون ويتوسلون ويتبعون ويقبعون , ويتسخرون لتنفيذ مشاريع وخطط الأقويا ظنا منهم بأنهم لن يتحولوا إلى فرائس , بينما الأسود لا يعنيها سوى الإفتراس , ولكل فريسة حين وميقات لتكون جاهزة للوليمة.
ويبدو أن كوريا الشمالية قد تعلمت الدروس من حال العراق وليبيا وسوريا واليمن ودول أخرى في أفريقيا , وأدركت أن الأسود لا تهاب إلا الأسود , وعليها أن تكون أسدا شرسا بين الأسود , ولن تسمح لنفسها أن تكون فريسة للوحوش الكاسرة.
بينما العرب يستلطفون دور الضحية ويتلذذون بوجودهم في أطباق ولائم المُفترسين , وهذا الفرق بين شعوب وأمم تكون وأخرى تهون!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here