من المعيب اللدغ مرة رابعة

علي علي

يحكى ان الأسمر قال للأبيض -في محاولة للانتقاص من جاذبية ذوي البشرة البيضاء:
– كل الشعراء والمغنين يتغنون بالأسمر، ويتغزلون بمحاسنه، ويتشببون بخفة دمه، ويستعذبون ظرفه وحلاوته، أما الأبيض فلا أحد يذكر من محاسنه شيئا.
فرد عليه الأبيض:
– ذلك لأن الأبيض لايحتاج دعاية..!
هي طرفة قد يتخذ منها ذوو البشرة السمراء مؤهلا لاعتلاء منصة التفضيل على أقرانهم البيض، مقابل هذا يستند اليها الأبيض لتبرير اعتلاء الأول تلك المنصة، في حين أن أولوية التفضيل له حسب ظنه. وفي كلا الحالتين فالإثنان موهومان في تصورهما، إذ ان الأفضلية لاتقاس وفق مقياس ضيق كلون البشرة، فهناك من هو أفضل بمقومات ومؤهلات أخرى، لاتمت الى المظهر والمنظر بصلة، بل يؤخذ الجوهر والمخبر بعين الاعتبار، وعليهما يعول وضع المرء في ميزان الأفضلية.
في مقبل الأيام، سنعيش لج الأمواج العاتية من الدعايات الانتخابية عن كثب، وستتنوع أمام أعيننا وعلى مسامعنا أشكال الترويج وأنغام التدليل على الشخوص المرشحين، ويشمل البهرج الفتان هذا أعمال المرشح وأفعاله، الماضية منها والموعودة مستقبلا، فيما لو حقق أكبر أصوات تؤيده وتفضله على غيره من المرشحين. وهو أمر هين في زمننا هذا، إذ أن وسائل الإعلان والترويج اليوم باتت بمتناول يد المرشح، بكل زخارفها الصحفية والإذاعية والتلفزيونية إلكترونيا، وهذا مايروج سوقه، ويبيض صفحته -وإن كانت سوده مصخمه- ويزيد من مساحة ناخبيه عددا ورقما لصالحه.
وبما أن ماراثون الانتخابات المقبلة، انطلقت بوارقه باكرا منذ أكثر من شهر في عراقنا، وشد المرشحون عزمهم بما أوتوا من قوة وبأس شديد، بالترويج عن مفاتنهم ومحاسنهم وبطولاتهم الموعودة، يتوجب عليهم إدراك حقيقة هي أصلا غير غائبة عن ذوي الألباب والأسوياء من الناس، تلك هي أن الجمال الظاهر لا يدخل ضمن شروط المتقدم للانتخابات، واتخاذه وسيلة للترويج والإعلان يعد ضحكا على ذقون الناخبين وخدعة لاتغتفر، وسيعيها الناخب إن عاجلا أم آجلا! وسيكون رده قاسيا بعد أن يجبر على الدفاع عن حقوقه بأية وسيلة كانت. لذا على المرشح المتسابق توخي شروط أخرى غير ظاهرة، يلمسها الناخب بعد حين في يوميات حياته وتفاصيلها، بعد فوز من يرشحه باصطباغ إصبعه من أجله بنفسجا، تلك الشروط هي التي تشكل مقومات فوزه بالنتيجة النهائية. وقطعا لن يكون هذا بسهولة الإعلان والترويج والدعاية فحسب، إذ هو يتطلب -أول مايتطلب- الشفافية فيما يرد في الإعلان من تعريف وتوصيف، وأهم من هذا.. المصداقية في الوعود والوفاء بها، وكذلك تنفيذ العهود وعدم نقضها.
إن الحديث عن المرشحين لايجدي نفعا بعد معطياتهم التي سجلوها بالخط الأحمر خلال السنوات الماضية، إذ هناك حقيقة صارت بديهة يدركها الموطن أيا كانت ثقافته، تلك هي أن جل المرشحين يرون في فوزهم بالانتخابات صيدا وفيرا، وفرصة للثراء لا تفوّت، وكيف لا..! وأبواب خزنة الدولة مشرعة عن آخرها لهم ولكتلهم وأحزابهم، وهي حلال عليهم بفتوى الرقباء في مؤسسات الدولة التشريعية والقضائية، لتركهما حبل السراق على غارب الحساب والعقاب والردع، وإن كان هناك شيء من هذا القبيل، فهو لايتعدى كونه دغدة مشاعرهم، بانتقادهم في تصريح هنا او بيان هناك، وخشية جرح مشاعرهم، يخاطبهم منادٍ في خطبة جمعة من الجمع منوها، أن سرقة المال العام (عيب حبابين).
فالحديث إذن، يكون عن الناخب أكثر جدوى وأعم نفعا وأبلغ تأثيرا، ذلك ان الأخير هو من يتحمل سوء النتائج ان حصل لبس في الانتقاء، وعليه وحده تتداعى مردودات اختياره الخاطئ، وعلى رأسه (وراس الخلفوه) تقع فأس ترشيحه، إن لم يضع علامة الصح بموضعها الصحيح، وهو بأمس الحاجة الى وضع إصبعه على الجرح الغائر في جسد بلده، الذي نزف طيلة عقود بفعل نظام متعسف، ثم استمر نزفه بعد زوال النظام، ومن غير المعقول استمرار النزف دون توقف، وقد لُدغ الناخب من الجحر ذاته، ثلاث مرات عجاف، ومن المعيب اللدغ للمرة الرابعة.
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here