التناطح القطري – السعودي وتغيير معادلات الأزمات في المنطقة لصالح المنكوبين

بغض النظر عن الأسباب الكامنة الكثيرة والعميقة وراء انفجار التصعيد الخطير بين السعودية ومعها متسوّليها من الأنظمة في مصر واليمن، إضافة الى غلمانها في البلاطين البحريني والإماراتي من جهة، وإقطاعية قطر من جهة أخرى، أفرزت الأحداث المتسارعة في الأيام القليلة المنصرمة جملة من المعطيات التي تقلب كثير من المعادلات وتنتج أخرى على أنقاضها؛ اذ ما كان لها أن تحجز مكانها على رقعة لاضطرابات والأزمات في المنطقة لولا التصعيد المستعر الآنف ذكره.
ولتجنب التفاصيل التي يطول إيرادها، يمكن إجمال عدة إفرازات للأزمة الخليجية تصّب في مسارها لصالح المنكوبين والمتضررين من شعوب وإرادات المقاومة والتحرر، بما في ذلك حكومات متكالب عليها من قوى الشر والتآمر ورعاة الإرهاب في المنطقة، الذين كانوا وما زالوا يقوّمون وحش الإرهاب بكل عوامل البقاء، مادياً وسياسياً ومعنوياً. أما الإفرازات فهي:
1- يمكن للجانب الإيراني أن يستثمر تداعيات الأزمة لصالحه، حيث الشرخ يتسع في جدار “التحالف” الذي أرادته السعودية أن يكون خليجياً بامتياز، ومطعّماً بأنظمة قابضة أخرى، كمصر السيسي. وبما ان التراشق العلني والضرب تحت الحزام بين السعودية وتوابعها ضد قطر قد بلغ أوجه، حين وصل الى التعرض الى الأنساب والأعراض، وإماطة اللثام عن أدوار طرفيّ الأزمة في دعم ورفد الإرهاب السلفي المتوحش في المنطقة والعالم، فهذا يعني تلقائياً ان ايران طرف متضرر من هذه الأنظمة وإرهابييها، وما دخولها بثقلها في الأزمة السورية سوى لدرء خطر هؤلاء في المنطقة، كما يفصح بأن ايران ليست طرف “تأزيم” وتأجيج للصراعات، انما هي ضحية للمؤامرات الخليجية بعد أن أقرت أطرافها بذلك ضمنياً حينما نشرت الغسيل القذر بكل صراحة ضد بعضها البعض، وما سيظهر لاحقاً في الأيام القليلة القادمة لن يدع مجالاً في للشك بهذه الحقيقة، التي كانت يواريها جدار الزيف والإعلام الذي يُموَّل بالبترودولار الخليجي!
ومن الوارد ان تستثمر إيران الوضع اقتصادياً أيضا (وهي بحاجة الى ذلك)، حيث الأخبار تتواتر بجهوزية شحنات البضائع الضخمة بأنواعها، التي تنتظر دورها في الدخول الى قطر لسدّ الفراغ الذي أوجدته المقاطعة الخليجية وإغلاق المنافذ البحرية والبرية والجوية من المقاطعين الخليجيين ضد قطر، وهذا ما فعلته ايران بعد 2003 في العراق وحتى الساعة.
2- ستتمسك القيادة السورية جرّاء هذه التداعيات بورقة قوية، حيث ان رعاة الإرهاب فضحوا بعضهم بعضاً، واتهم أحدهم الآخر بأنه من يرعى الإرهاب والتنظيمات القتالية المتوحشة في سوريا، بعد أن كان الجميع ينأى بنظامه ومخابراته عن هذه التهمة الشنيعة!
وستضعف المواقع السياسية لكل أطراف المعارضة السورية، وخصوصاً جماعات الإرهاب السلفي في ماراثون المفاوضات حول مستقبل سوريا لـ”إيجاد حل للأزمة السورية”، فتهمة الإرهاب وصمها بهم هذه المرة من يدعموهم في الخليج، وأسقطت عنهم ورقة التوت التي كانوا يوارون بها سوءاتهم بزعم انهم “فصائل معارضة”!
3- سيؤكد حزب الله اللبناني انه كان يقاتل تنظيمات إرهابية متوحشة مرتبطة بأجندات خليجية (بعدما أعترف المتناطحون الخليجيون وفضح أحدهم عملاء الآخر)، وبهذا ينبغي تكريم حزب الله على هذا الدور، وانه كان يسعى لتخليص شعوب المنطقة من شرور هؤلاء، وانه لن يُلام اذا ما كررّ النزول بثقله في سوريا فيما لو احتدم خطر أولئك -لا سمح الله-!
4- سيُضعف النزاع القطري – السعودي المتصاعد معنويات الدواعش وتوائمهم في العراق في أجواء المعارك القائمة لاقتلاعهم وهزيمتهم، بعدما تم نزع الأقنعة عن الأنظمة الخليجية وأدوارها الخبيثة، والتي ستبدأ بالتنصل من الوحش الداعشي وتوائمه الذين أصبحوا عبئاً مفضوحاً على أسيادهم. كما ان دور الحشد الشعبي سيتعاظم، لأنه اثبت (كما أعلن منذ انطلاقته) انه يقاتل إرهابيين سلفيين مدعومين من الأنظمة الخليجية (التي فُضحت عمالتهم مؤخراً بأفواه أسيادهم)، ويُعدّ استخفافاً بالعقول بعد اليوم أن تتجرأ الأنظمة الخليجية الداعمة للإرهاب وتصنّف الحشد الشعبي الذي يقاتل الإرهاب بأنه “ميليشيا طائفية وإرهابية”.
كما يحق للمنكوبين والمتضررين من الشعب العراقي منذ الساعة بأن يرفعوا أصواتهم بالمطالبة بمحاكمة الأنظمة التي دعمت الإرهاب السلفي المتوحش الذي عاث في العراق (والمنطقة والعالم) فساداً، وخلّف آلاف الشهداء وملايين المتضررين في عموم العراق، والمطالبة بالتعويضات المجزية، ألم تطالب الكويت (وآزرتها دول الخليج ومجلس الأمن) بكامل التعويضات عن حماقة نظام صدام المقبور في اجتياحها عام 1990، وقد سدّد العراق (شعباً وبلداً) أضعاف أثمان تلك الحماقة كتعويضات حتى آخر دولار طالبت به الكويت (بلغت مئات المليارات) واستمر التسديد حتى بعد سقوط نظام صدام في 2003؟!
5- أما الأزمة اليمنية فهي في بؤرة تداعيات النزاع الخليجي الذي نحن في صدده، اذ بما ان التراشق القطري – السعودي بالفضائح قد كشف عمق تورط هذه الأطراف المتراشقة في دعم الإرهاب السلفي الذي هو طرف أساس في الأزمة اليمنية، فهذا مؤدّاه إضعاف معسكر عملاء السعودية، واهتزاز الأرض التي يقف عليها، ونزع “الشرعية” التي يتبجح بها، وسيعزز دور الحوثيين في مقارعة التنظيمات الإرهابية المتحالفة مع العميل منصور هادي، وسيعتبر الدعم الإيراني للحوثيين إنسانياً ومنطقياً (وليس تهمة)، لأنها تُغيث الشرفاء اليمنيين وتساعدهم في التخلص من شرور الإرهاب السلفي المدعوم خليجياً (وبالدليل القاطع، الذي فضحه زعماء الخليج علانية).
قطعاً، ان شرخ التراشق بالفضائح والاتهامات بين قطر والسعودية آخذ في الاتساع، ومن هذا الشرخ ستتطاير أسرار خطيرة جداً لها تأثيراتها الإيجابية على الحراك البحريني الداخلي والأزمة الليبية وتفكيك الكثير من خلايا الإرهاب السلفي في المنطقة والعالم.
﴿ومكرُوا ومكَر اللهُ واللهُ خَيرُ الماكِرينَ﴾.
حاتم حسن

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here