شكل اقتصاد كردستان بعد الاستقلال

محمد رضا عباس
سوف لن أكون مغالا ان قلت ان نسبة العرب العراقيين الذين يدعمون استقلال كوردستان العراق من ارض العراق (وانا منهم) سوف تكون اعلى من نسبة الاكراد الراغبين في الانفصال. لقد شبع المواطن العربي وطرشت اذنيه من كثرة تصريحات الساسة الكرد الداعية الى الانفصال من العراق والتي لا تخلوا من تشنج وكراهية واستعلاء واستقواء وتهديد واحتقار للأخرين. لا يحتاج القارئ الذهاب بعيدا واثبات ما ذكرته الا قراءة كتابات كفاح محمود كريم , انس محمود الشيخ مظهر , وخسرو تاكره يي   والتي ينقط منها البغض والكراهية لكل ما هو عراقي. افهم جدا ان هؤلاء الكتاب لا يمثلون المجتمع الكردي الطيب الكريم والذي عانى القهر والحرمان من قبل جميع الحكومات السابقة للتغيير , وافهم طموحات بعض قادة الكرد في تحقيق هدف الاستقلال , ليكون العراق نقطة البداية لضم أراضي الكردية في ايران وتركيا وسوريا , وتأسيس كردستان الكبرى . ولكن الشيء الذي لا افهمه هو إصرار بعض قادة الكرد وضع كل ما جرى على الاكراد على كاهل الشعب العراقي وليس على كاهل من حكم العراق والذين وزعوا الظلم والقهر على مكونات عراقية أخرى؟ والشيء الاخر والذي يصعب على فهمه هو لماذا هذا التشنج والغضب في أحاديثهم تجاه بغداد عندما يتحدثون عن الاستفتاء والاستقلال والذي في بعض الأحيان يجرح شعور بقية المكونات العراقية الأخرى؟ لماذا يريدون ان يكونوا جارا مشاغبا يركض وراء خلق المشاكل؟ انفصلوا واستقلوا وعيشوا كما تشاؤون , ولكن لا تتركوا  في حلقوم المواطن العربي المرارة والغضب والبغض والكراهية ضد الاخوة الاكراد والذين لا يستحقونه , لان من يزرع الكراهية يحصد شره. ولماذا تريدون زرع البغض والكراهية في صدر المواطن الكردي على أخيه العربي واللذان عاشا مئات السنين في حب وتأخي؟  التعكز على الولايات المتحدة الامريكية في تحقيق هدف الاستقلال سوف لن يكون البديل عن التحدث مع العراقيين , لان الولايات المتحدة ليس لها عدوا ثابت او صديق ثابت والاعتماد على وعود هذا البلد لا يخدم الا مصلحته قبل مصلحة الاخرين , اسألوا  شاه ايران في قبره  او أقرأوا مذكراته .  مرة أخرى , حديثي موجه الى بعض السياسيين الاكراد والتي تظهر تصريحاتهم على موقع ” صوت العراق” ما يقارب كل يوم وليس الى المجتمع الكردي الكريم الطيب .
نرجع الى صلب الموضوع , ولنفترض ان الكرد حصلوا على استقلالهم من العراق , ولكن ليس وديا وانما فرض على العراق فرضا , فما هو تأثير هذا الطلاق على اقتصاديات ” دولة كوردستان ” الفتية؟ ابتدأ , من يعيب على بغداد ويقول ان بغداد لم تستطع بتنويع اقتصادها بعد التغيير ( هذا الحديث هو الحديث المحبب الى قلوب المحسوبين على اليسار العراقي ), فان إقليم كردستان , الشبه المستقل عن العراق منذ عام  1991 هو الاخر لم يستطع بتنويع اقتصاده على الرغم من عدم تعرضه الى غزوات إرهابية كل يوم مثل ما تعاني منه بغداد , وان إقليم كردستان لم يستطع القضاء على الفساد المالي والإداري الذي ضرب اطناب جميع مؤسساته , تماما مثل ما يحدث في بغداد وبقية العراق. المواطن الكردي اصبح يعاني من البطالة والفقر وارتفاع الأسعار , واصبح اقتصاد كردستان لا يعتمد على الزراعة كما كان وانما على صادرات النفط والتي أصبحت الحصة الكبرى في واردات ميزانية الإقليم ( بين 85% و 90%) . بكلام اخر فان استمرار الإقليم بالاعتماد على تصدير النفط سوف يعرض اقتصاده الى التقلبات الاقتصادية تماما كما يحدث الان في العراق بعد انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية.
الدستور العراقي ضمن حرية تنقل المواطن العراقي وحسب الدستور العراقي يستطيع ابن البصرة اختيار أربيل مقرا له ولعائلته , وباستطاعة الكردي من السليمانية اختيار الديوانية مقر عمل له و دارا لعائلته . بعد الانفصال , فان المواطن الكردي سيكون ليس باستطاعته الانتقال الا بحدود دولته الجديدة . اكثر من ذلك , فان خروج كردستان من العراق سوف لن يستقبل بالحفاوة والتكريم من قبل جيرانها وبذلك سيكون للمواطن الكردي له كثيرا من الأعداء وقليلا من الأصدقاء. عدم وجود منفذ مائي لدولة كردستان سيجعل من هذه الدولة الجديدة تحت رحمة جيرانها , وفي كل حالة اختلاف سياسي مع جيرانها سيكون خنقها اقتصاديا سهلا ميسورا. لقد نجحت المقاطعة الاقتصادية العالمية ضد العراق بعد غزو العراق دولة الكويت بسبب عدم وجود دولة صديقة للعراق في تلك المرحلة , حيث ان السعودية وسوريا والأردن وتركيا وايران شاركوا بالمقاطعة .
طيلة سنوات الماضية , لم يستطع الإقليم من تأسيس قطاع صناعي او زراعي يشبع حاجات المواطن الكردي , وانما سارت حكومة إقليم كردستان على طريقة بقية الدول العربية المصدرة للنفط , الاعتماد المتزايد على الواردات النفطية واستعمال هذه الموارد على المواد الاستهلاكية . وهكذا عندما تدهور أسعار النفط في السوق العالمية وانخفضت واردات الإقليم من بيع نفطه لم تغلق المولات والشركات التجارية أبوابها وانما توقف العمل بما يقارب 6000 مشروع في الإقليم , وبذلك خسر المواطن الكردي فرص عمل كبيرة و فوائد جمة من هذه المشاريع . ان غياب الاستثمار , سوف يخلق من المواطن الكردي مواطن معتمد على اشباع حاجاته ليس من صنع يده بل على مواد ومنتجات انتجت في دول أخرى مثل ايران وتركيا . هذا الاعتماد سوف يزداد بمرور الزمن ما دام ان الأحزاب الفاعلة في كردستان لا تسهل المشاريع الاقتصادية بدون مشاركتها بنسب مالية من قيمة الاستثمار , وهي حالة يهرب منها المستثمر الداخلي قبل الأجنبي. يضاف الى ذلك , ان تراكم الديون على إقليم كردستان والتي تبلغ 20 مليار دولار او حوالي أربعة مرات من حجم ميزانية الإقليم يكبل يد الدولة الجديدة التوسع في استثماراتها والقضاء على البطالة المستشرية في كردستان . وحتى لو افترضنا ان الدولة الفتية تريد تنويع اقتصادها والتقليل من اعتمادها على الصادرات النفطية , الا ان هذا الهدف سوف لن يتحقق ما دام المواطن الكردي قد تعود على المنتوجات الأجنبية الرخيصة الثمن وذات الجودة العالية . الفلاح الكردي لا يستطيع منافسة الفلاح الإيراني او التركي , والإنتاج الصناعي الكردي لا يستطع الوقوف بوجه المصنوعات الصينية او الفيتنامية او الكورية الجنوبية . ثم ان الدول المحيطة بالدولة الجديدة سوف تعمل كل جهدها بأسقاط أي محاولة للتنمية الصناعية او الزراعية في هذه الدولة الحديثة.
استقلال كردستان عن العراق يحتاج الى استقلال اقتصادي والذي سوف لن تجده الدولة الحديثة في كردستان. الدولة الحديثة سوف تستمر على اعتمادها على بيع النفط وسيكون المنفذ الوحيد لتصدير نفط كردستان هي الموانئ التركية , وبذلك على كردستان ان تكون الصديق الحميم الى حكومة تركيا ,و ان أي اختلاف سياسي مع الحكومة التركية سوف يخنق الدولة الفتية اقتصاديا . يضاف الى ذلك ان تصدير النفط من كردستان الى تركيا يحتاج الى سلام دائم بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني , وفي ظل استمرار رجب طيب اوردغان  على راس السلطة في تركيا يجعل من المستحيل هذا الصلح , وبذلك فانه لا يوجد ضمانة من استمرار تدفق النفط الكردي عبر الراضي التركية بدون تعرض الانابيب الى التفجيرات , وهذا يضيف صعوبات اقتصادية إضافية على الدولة الحديثة .
بعض الداعمين للاستقلال , يعتبرون ان الطلاق عن بغداد هو الحل الأمثل لجميع مشاكل كردستان الاقتصادية ويقولون ان الاستقلال سوف يسهل على الدولة الجديدة الاقتراض من الدول والمؤسسات المالية العالمية , وان الدولة الجديدة سيكون لها سياستها المالية والنقدية المستقلة عن بغداد , وان موقع دولة كردستان سيجعلها قلب الشرق الأوسط الاقتصادي و نقطة تجمع السواح العرب , وان الإقليم يملك من الموارد الطبيعية الضخمة والأراضي الزراعية الخصبة ووفرة المياه . الا ان هؤلاء يتغافلون ان الوضع السياسي الداخلي والخارجي لا يساعد على تحقيق الاستقلال وعيش الكرد في البحبوحة الاقتصادية طالما وان هناك انقسامات سياسية داخل الإقليم والتي سوف تنعكس على حالة الدولة الجديدة. مازال في كردستان جيشين ومازال هناك خلافات بين الأحزاب داخل الإقليم حول توزيع الموارد النفطية. , ومازال التعيين الحكومي أساسه الولاء للأحزاب وليس للإقليم . لا يمكن لمقاطعة او إقليم الانفصال وإعلان دولته والنجاح في استمرارها وهناك جيشين وهناك أحزاب تختلف على كل شيء. دولة كردستان الجديدة سوف لا تبقى الا بحماية دولة كبرى و تعتمد على بقاءها ببيع النفط , وسوف تستمر بأزمتها المالية و سيبقى جزء كبير من أبنائها بدون عمل وسيكون القطاع الناشط الرئيسي هو قطاع التجارة . ان من يحلم من ان دولة كردستان ستكون مثل قطر والامارات على خطأ كبير , لان نفوس كردستان العراق وحده يزيد على عدد نفوس الدولتين بمرتين , وان الإرادة العالمية لتكون كردستان مركز تجاري او سياحي او مالي او صناعي غير موجوده . العالم يريد ان يتعامل مع دولة قوية الكيان وإرادة قوية للنمو والتقدم الاقتصادي وهذا ما تفتقره كردستان الان.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here